يستمر تضارب التوقعات بشأن تطور الأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة ومدى سرعة قدرة الأسواق المختلفة على الخروج من الأزمة المالية العالمية التي ما تزال تعصف بها.
فبينما ساد بعض التفاؤل تقديرات الأمانة العامة للاتحاد الأوروبي، نجد مسحة من التشاؤم تصبغ خطاب العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس أمام المؤتمر السنوي لاتحاد الصناعات البريطانية في لندن، إذ يوصي شتراوس «بالتزام جانب الحذر حيث إن إنهاء الإجراءات قبل الأوان ربما يكون أكثر تكلفة من إنهائها متأخرة، نظرا لكون الاقتصاد العالمي ما يزال في حالة ترقب وأنه عرضة لمزيد من الاضطرابات، وبأن استمرار الانتعاش سيعتمد على اتخاذ صناع القرار للخطوات المناسبة خلال الأشهر المقبلة».
العنصر الجديد الذي طرأ على مثل تلك التوقعات المتضاربة، هي تلك الإشارات المحددة، في خضم التحليلات الاقتصادية، بشأن الأسواق الناشئة (Emerging Markets)، والتي تحدث عنها كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي أوليفييه بلانشار الذي، بعد أن طالب الدول الغنية بان تكون أولوياتها «وضع خطط لإنهاء حالة الفوضى المالية التي خلفتها جهود استمرت أكثر من عام لإنهاء الأزمة»، حذر من أن «بعض الاقتصادات الناشئة معرضة لخطر تحركات لا يمكن السيطرة عليها لرؤوس الأموال، فضلا عن فقاعات وتراكم الاحتياطيات».
وكي نرى مدى العلاقة بين «الأسواق الناشئة»، واحتمال تحولها إلى «فقاعة»، لابد من تحديد المفهوم الصحيح والأكثر دقة لكل منهما، إذ يحصر البعض، وبشكل خاطئ، النشوء في إطار زمني صرف، بينما يربطه البعض الآخر، وبشكل مبستر، في نطاق الدول ذات الاقتصادات الشمولية. لكن أول من حاول وضع تعريف شبه متكامل لمفهوم الأسواق أو البلدان الناشئة كانت المؤسسات المالية، وعلى وجه الخصوص المصرفية منها، لكنها عوضا عن وضع تعريف محدد، فضلت رسم بعض السمات العامة. لذا بات من الصعب الوصول إلى تعريف علمي محدد يغطي مفهوم الأسواق الناشئة، لكن بوسعنا، بشكل عام، اعتبارها تلك الأسواق المتواجدة أساسا في الدول النامية - عدا حالات استثنائية محدودة مثل روسيا - التي تتمتع بقوانين تشريعية مريحة تشجع الاستثمار الخارجي على التدفق عليها، نظرا لحالة النمو الاقتصادي الصحية التي تتمتع بها، والقائمة أساسا على حركة تصنيع ديناميكية قادرة على توليد فرصا لامحدودة للاستثمار المالي المباشر، محليا كان أم عالميا، والتوسع الإنتاجي، على أن يرتبط كل ذلك بسوق داخلية متنامية، وقدرات تصدير واستيراد متحررة من قيود البيروقراطية، دون إغفال قدرة وكفاءة القوانين المعمول بها على تسهيل آليات الاستثمار، ومحاربة دوائر الفساد وعوامل تفريخه، الأمر الذي يجعل من الدولة وسياسساتها ركيزة أساسية من ركائز انتماء سوق ما إلى فئة الأسواق الناشئة أو عدم أهليتها لذلك.
أما بالنسبة للفقاعة، وعلى وجه التحديد الفقاعة الاقتصادية (The Bubble Economy)، التي تبدأ، كما في حالة البالون أو الفقاعة، عندما تتجه مضاربات السوق نحو سلعة معينة، فيرتفع الطلب عليها مقابل العرض، فتزداد الفقاعة انتفاخا، حتى تصل إلى حدودها القصوى التي يصبح فيها الانفجار هو الخيار الوحيد.
بالطبع، ازداد اليوم الحيز الذي باتت تشغله الفقاعة، فبات يتجاوز السلع والمنتجات كي يشمل الخدمات أيضا.
أسوأ ما ينجم عنه «انفجار الفقاعة»، هو ذلك الهبوط المفاجئ في الأسعار، وعلى وجه الخصوص في ذلك القطاع الذي ولد الفقاعة، وانعكاس ذلك بشكل سلبي على مختلف الأنشطة الاقتصادية الأخرى. هذه الإنعكاسات هي التي تجعل الاقتصاديين يصنفون الفقاعة على أنها ظاهرة سلبية بالمعيار الاقتصادي، بغض النظر عن هالة الانتعاش التي تثيرها حولها، وهي في مرحلة الانتفاخ، التي غالبا ما تكون دورتها قصيرة، وجدواها الاقتصادية مزيفة وخادعة، وتؤذي، كما أشرنا، بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الأنشطة الاقتصادية الأخرى في الأسواق التي تشهد مثل تلك البالونات.
ولهذا السبب كثيرا ما نجد في الأدبيات الاقتصادية ذلك الربط بين تلك الفقاعات وانفجارها والتضخم وارتفاع معدلاته، ولهم في ذلك بعض الحق، نظرا للتشابه الكبير بين العوامل المباشرة التي تقف وراء كليهما.
فكما في الفقاعة يقود التضخم إلى ارتفاع، يكون غير طبيعي، في الأسعار، وفي أحيان كثيرة في قطاع معين من الاقتصاد. وكما في الفقاعة أيضا ترتفع معدلات التضخم إلى مستوى تصبح فيه إمكانية الاستمرار مسألة شبه مستحيلة، مما يرغم تلك المعدلات على إزاحة تلك الزيادة غير الطبيعية المتولدة على الأسعار، كي يتسنى للسوق استعادة توازنها، لكنها تكون، في خضم تلك العملية المعقدة، قد ألحقت الضرر بالقطاعات الأخرى، من جرّاء تقليص السيولة المتاحة في الأسواق، ومن ثم انحسارالاستثمار بشكل حادّ وخاصة في قطاعات الصناعة الأساسية ذات الدورة الطويلة لرأس المال، ناهيك عن تراجع القدرة الانفاقية لدى المستهلكين، نظرا لتآكل السيولة النقدية التي بحوزتهم. يزداد الوضع سوءا عنما يترافق ذلك مع موجة مرتفعة من معدلات البطالة.
ولعل أكثر الفقاعات حضورا في أذهاننا هي فقاعة شركة الإنترنت التي عصفت بالاقتصاد الأميركي في العام 2001، عندما انفجرت فقاعة تلك الشركات، وعرفت أسعار شركاتها هبوطا دراميا أدى إلى شلّ أنشطة ومشروعات الكثير منها، وإفلاس البعض منها. قاد ذلك بشكل هبوط مفاجئ في أسواق المال الأميركية لشركات تقنية المعلومات، مثل «ناسدك».
لم تكن تلك الأزمة سوى واحدة من كثيرات غيرها، إذ يرجع بعض الاقتصاديين الفقاعات إلى القرن الماضي، فهناك فقاهة الركود الاقتصادي العالمي في الفترة بين 1918- 1921، والتي يرجعها البعض إلى ما أطلق عليه «التضخم الحاد»، وهناك فقاعة الخمسينات من القرن ذاته التي يقف وراءها التضخم الكوري.
وعلى مستوى البلاد العربية، هناك الفقاعة النفطية في السبعينيات من القرن الماضي التي أدت، كما يذهب بعض الاقتصاديين، إلى الركود العالمي خلال العامين 1973 - 1974، وعانت منه العديد من الأسواق العالمية، وعلى وجه الخصوص الغربية منها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2637 - الثلثاء 24 نوفمبر 2009م الموافق 07 ذي الحجة 1430هـ