العدد 2636 - الإثنين 23 نوفمبر 2009م الموافق 06 ذي الحجة 1430هـ

الحج... هل يستطيع توحيد المسلمين؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

من المؤسف أن أعدادا كبيرة من المسلمين ممن يؤدون أركان دينهم لا يدركون المغزى الحقيقي لهذه الأركان، وكأن الذي عندهم أصبح بمعزل عن الحياة العامة فاقترب فهمهم لهذا الدين من فهم النصارى الذين حصروا الدين في الكنيسة، أما خارجها فهو من شئون الدنيا ولا علاقة للدين به.

إن الإسلام - كما ينبغي أن يفهم - جاء ينظم شئون الدنيا كلها لا يستثني منها شيئا، وهذا ما تتحدث عنه الآية الكريمة: «وقل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين».

فالصلاة - على سبيل المثال - تنهى عن الفحشاء والمنكر، «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» فإذا كان المسلم يؤدي الصلاة لكنه لا يمتنع عن الفاحشة أو المنكرات من الأقوال والأفعال فهل يصح أن نقول: إنه قام بصلاته بصورة صحيحة؟! وهكذا نجد أن بقية العبادات تتجه إلى تهذيب النفس ورفعها لممارسة الحياة بصورة صحيحة تبني فيها المجتمع الإسلامي بقوة ووحدة ليكون لهذا المجتمع دور حقيقي في النهضة الإنسانية بمختلف جوانبها.

والحج لا يبتعد عن بقية أركان الإسلام الأخرى في رسالته للفرد وللمجتمع، وبدون فهم هذه الرسالة وتطبيقها عمليا في واقع الحياة فقد يكون حج الواحد منا ناقصا لأننا لا نؤدي شعائر ظاهرية بل ينبغي أن نجمع بين هذه الشعائر وبين مدلولاتها العملية.

دعونا نرى ماذا فعل رسولنا الكريم في حجه، وكيف حرص كثيرا على إيصال رسالته إلى المسلمين بشكل واضح، وهذه الرسالة - كما ينبغي أن نعرف - ليست محصورة لمن حضر تلك الحجة مع الرسول بل هي عامة لكل المسلمين وحتى قيام الساعة.

تحدث الرسول الكريم عن الاقتصاد، فحذر من الربا ومضاعفاته وبين أثره السلبي على المجتمع وعلى الفقراء بصفة خاصة.

ومعروف أن الاقتصاد العالمي يقوم على فكرة الربا، ومنه الاقتصاد في عالمنا العربي والإسلامي، وأصبح واضحا أثر هذا النوع من الاقتصاد على الفقراء ومن في حكمهم ممن تدفعهم ظروفهم للاستدانة من البنوك، وكيف ينتهي الحال بالكثيرين منهم لقضاء عمرهم كله وهم يدفعون أقساطا شهرية للبنوك، هذا إذا لم يلجأوا - أحيانا - لبيع كل ممتلكاتهم لتسديد قروضهم، وقد لا يكفي كل هذا مما يسبب لهم إشكالات متعبة نسمع عنها ونعرفها، ولعل الأزمة العالمية الأخيرة التي تضرر منها كل فرد في هذا الكون دليل على سوء الاقتصاد الذي يمارسه هذا العالم.

البنوك الإسلامية أرادت أن تقوم بعمل يخفف من بشاعة ذلك الاقتصاد وفي ظني أنها مازالت في بداياتها وأنها لم تستطع حتى الآن أن تجد حلولا عملية تخدم المقترض أفضل من سواها من البنوك.

على أية حال هل يستطيع المسلمون كلهم أن يتفهموا أهمية الاعتماد على أنفسهم في كل جوانب حياتهم المالية؟! هل يدفعهم الحج إلى التفكير الجاد في الاستغناء عن الآخرين والرضوخ لمتطلباتهم؟! هل يساعد بعضهم بعضا من منطلق فهمهم لدينهم؟!

والرسول عليه السلام تحدث عن حقوق الناس وأهمية العدالة في هذا الشأن، ونحن نرى أن كثيرا من الحقوق ضائعة، وأن الأقوياء - غالبا - لا ينصفون الضعفاء، وأن جمعيات حقوق الإنسان أصبحت ديكورات لا قيمة لأكثرها، هذا إذا لم تقف مع القوي ضد صاحب الحق؟!

أين المجتمع المسلم الذي يتدافع أفراده إلى الحج من الحديث العملي عن العدالة الاجتماعية بين الناس وإنصاف المظلومين من ظالميهم؟!

أما حديث الرسول الكريم عن المرأة فكان شديد الوضوح في أهمية إعطائها كامل حقوقها، وكان حديثه في مجتمع عرف بازدراء المرأة وظلمها...

ومازلنا حتى اليوم نسمع من يتحدث عن حقوق المرأة، وعن الجمعيات المنتشرة هنا وهناك لإنصاف المرأة من الرجل الظالم أو المجتمع الظالم!

ولو أن المجتمع المسلم أخذ بتعاليم نبيه التي أوضحها في الحج لما احتجنا إلى البحث عن جمعيات يتصارع فيها الرجال مع النساء وكل يتهم الآخر بأخذ حقوقه والاعتداء على صلاحياته!

الإسلام ونبيه تحدثا بوضوح: المرأة صنو الرجل، لها ما له، وعليها ما عليه، وهما عند الله سواء.

أما الفروق التي بينهما في بعض التعاملات الدنيوية فهي قليلة جدا ولأسباب ظاهرة معلومة، وليت طرفي المجتمع: النساء والرجال يتفهمان هذه المسألة، إذن لن يكون هناك ظلم أو اعتداء على أحدهما من أي نوع! هل يفعل الحج ذلك؟!

وحدة المسلمين أحد أهداف الحج الكبرى؛ هم يتوحدون في ملابسهم، وكيفية أداء نسكهم والوقت الذي يقومون فيه بعباداتهم، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، وهذه رسالة واضحة لهم على أهمية وحدتهم في كل شيء؟!

أليس من المؤسف أن نجد تمزقا واضحا لكل المسلمين وفي معظم بلادهم؛ تمزق داخلي يصل إلى حد الاحتراب والقتل، صراع على حدود وهمية يصل إلى التفرق والتهديد المتبادل، تآمر بضعهم على البعض الآخر، وأشياء وأشياء وكلها لا تمت للدين بصلة.

هل يستطيع الحج أن يوحد أمرهم ضد عدوهم المشترك - على أقل تقدير؟! أليس من العيب أن تتفرق مصر والجزائر من أجل لعبة لا قيمة لها؟!

الحج ليس تدافعا للذهاب إلى مكة أو المدينة مع أهمية ذلك - لكنه طريق لعمل مهم يوحد القلوب والأبدان وكل قوى الأمة لبناء مجتمع قوي له كل الصفات الجيدة، يسعد فيه كل مسلم، يستطيع أخذ حقوقه بكل يسر وسهوله، ينام هانئا سعيدا لا يخاف شيئا إلا من ذنب جناه، يعمل فيه رجاله ونساؤه لتحقيق السعادة لهم معا ولمجتمعهم في نهاية المطاف. إذا لم يحقق الحج كل ذلك فعلى كل حاج أن يعيد النظر في حجه!!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2636 - الإثنين 23 نوفمبر 2009م الموافق 06 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:32 ص

      الحج

      الج من استطع اليه سبيلنا

    • النعيمي2 | 8:27 م

      الثلاثاء 24 نوفمبر 2009م

      نعم جميع المسلمين أخوة ولكن بيننا عدو خفي يجهله الكثيرين !!

اقرأ ايضاً