العدد 2636 - الإثنين 23 نوفمبر 2009م الموافق 06 ذي الحجة 1430هـ

الإسرائيليون الآخرون

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

كانت الفرقة الموسيقية تعزف بصوت مرتفع. شجّع المطرب الضيوف على الهتاف والتصفيق مع ضربات الطبول. أمسك والد العريس بيدي وجرّني إلى داخل حلقة من الضيوف يحيطون بالعروسين وهما يرقصان. تركته يقودني وكأنني بقرة. عند وصولنا إلى الحلقة الداخلية، بذلت جهدا لتقليد حركات الرقص. أعتقد أنني أظهرت نواياي الحسنة بوضوح، رغم أن كؤوس الفودكا الأربعة التي شربتها غلبت على قدرتي على الحكم. كنت سعيدا جدا.

كنت بهذه السعادة لأن خالدا كان سعيدا جدا أيضا، وأنا أحبّه. نادرا ما تظهر هذه السعادة العارمة على وجهه. اتصلت به بالأمس، بعد أسبوعين من الاحتفالات الكبرى وأخبرته بذلك. رد علي بلغة عبرية لا تشوبها شائبة كالتلميذ الحكيم: «ماذا نستطيع أن نفعل يا صديقي يارون؟ لقد ولدنا لنعاني»، ثم ضحك.

مرت خمس وخمسون سنة منذ أن أصبحنا أعز الأصدقاء في المدرسة الداخلية. تشاركنا في غرفة مع ثلاثة أولاد آخرين. كان هو العربي الوحيد في صفنا: قروي يتمتع بالقوة. حتى يتسنى له الانضمام إلى مدرستنا، احتاج لتصريح من رئيس الإدارة المدنية في الجليل الغربي. لم يكن قد غادر قريته قبل ذلك ولم يكن يتكلم العبرية. تستطيع أن تتصور مدى صعوبة أن يتأقلم مع صحبتنا. لم يقل الجهد المطلوب صعوبة عن ذلك المطلوب من مهاجر إلى أراضٍ بعيدة.

وجد مكانه بين الشباب الآخرين بسرعة، فقد كان طالبا جادّا يعمل ويكدّ، وشريكا مسلّيا في أية مناقشة. كان أول عربي حصل على شهادة الثانوية الإسرائيلية بعد إنشاء الدولة. درس الطب بعد ذلك وأصبح طبيبا مرموقا. زوجته تدرّس التاريخ، وأحد أبنائه طبيب والآخران محاميان، تدربا في محكمة العدل العليا ومع أفضل المحامين وأشهرهم في الدولة.

عقد حفلتين تكريما لابنه علاء وعروسته السعيدة. عقد الأولى في الناصرة والثانية في قاعة للمناسبات قرب تل أبيب. ترتّب على ذلك إنفاق كبير، ولكن الوالدين والأبناء أرادوا مشاركة أصدقائهم الكثيرين من كافة أرجاء الدولة والخارج في بهجتهم، ولم يرغبوا أن يكون الانتقال صعبا لهؤلاء الأصدقاء.


الحياة تشوهها الإهانات

تجاذبت أطراف الحديث على الحشيش الأخضر أمام قاعة الاحتفالات مع مسلمين ويهود ومسيحيين. كان هناك حتى بعض البهائيين. شرب الرجال قليلا بينما تجنّبت النساء المشروبات الكحولية بشكل كامل، ليس بسبب دينهن وإنما حتى يستطعن قيادة أزواجهن بسلام إلى البيت. كان جميع الضيوف تقريبا من خريجي الجامعات، محامين وأطباء ومهندسين وتجار، وكان لمعظمهم ثلاثة أطفال: أسلوب عيش برجوازي وأحلام برجوازية.

يشكّل ذلك بالطبع نخبة المجتمع العربي في «إسرائيل»، ولكن هناك عشرات الألوف من الناس على هذا الشكل، وهم علمانيون وتقليديون في وجهات نظرهم الدينية، ممتلئون بالطاقة متنبّهون، منخرطون في الحياة الاقتصادية في الدولة، يتكلّمون العبرية ولهم أصدقاء يهود. هذه الصورة مختفية عن معظمنا لأن الصحافة العبرية غير مهتمة بمواطنينا العرب الذين يشكّلون خُمس مواطني الدولة.

أحاول أحيانا إقناع زملائي الصحفيين الناطقين بالعبرية بتغيير ذلك. «اعملوا على تغطية الجالية العربية» أتوسل إليهم، «اعملوا على تغطية الجالية العربية». إلا أن توسّلاتي تذهب أدراج الرياح. إنهم مهتمون بصورة أكبر بأفغانستان من قرية في شمال «إسرائيل» اسمها شفارام.

أراد خالد أن يكون إسرائيليا. تنازل عن أرض أجداده، التي تمت مصادرتها، وتنازلت زوجته عن ثروة عائلتها التي استولت الدولة على معظمها. إنهما ناجحان، وسوف يكون أبناؤهما أكثر نجاحا. كل شيء على ما يرام، نوعا ما، إلا أن حياتهم هنا شوّهتها إهانات صغيرة وكبيرة أوضحت لهم أنهم لن يكونوا إسرائيليين بشكل كامل.

أشعر بالإهانة معهم، إلا أن هناك فرقا في الأسلوب الذي نردّ به. يحق لليهودي فظّ الأخلاق مثلي أن يغضب ويشتم. ولكنّ خالدا مواطن من الدرجة الثانية، علّم نفسه كيف يقاوم الإهانات التي يتعرض لها، وهذا الكبت الذاتي يأتي مع ثمن يدفعه من صحته.

لذا، أتمنى لك الصحة الجيدة يا صديقي.

* شخصية إعلامية إسرائيلية وصحافي يشارك في استضافة برنامج تلفزيون يومي حول القضايا المعاصرة عنوانه «لندن وكيرشينبوم»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2636 - الإثنين 23 نوفمبر 2009م الموافق 06 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً