لم تعد أي من الجمعيات السياسية تتحفظ على إعلان مشاركتها في الانتخابات في 2010، كما أنه لم يعد هناك جدل واضح على ثنائية (المشاركة والمقاطعة)، ويبدو أن جميع الجمعيات المسجلة رسميا تحضر استعداداتها للصيف المقبل الذي سيشهد سخونة شديدة في الحراك السياسي المحلي.
باستثناء جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، فإن قدرة جمعيات المعارضة على الوصول إلى «القضيبية» لاتزال أمرا غير معلوم، فالدوائر الانتخابية المحسومة لقوى المعارضة كانت حكرا على «الوفاق» في الانتخابات الماضية، ولم تستطع أية جمعية من جمعيات التحالف الرباعي - حينها - أن تحصد أي مقعد نيابي، كما أن دوائر الجهة المقابلة، تعد خطوطا «حُمرا» أمام تكتل المعارضة، وهو ما ظهر جليا في الدوائر التي خاضها كلٌ من قياديي «وعد» عبدالرحمن النعيمي، وإبراهيم شريف، ومنيرة فخرو، فعلى الرغم من حظوظهم «الجيدة» نسبيا في هذه الدوائر في انتخابات 2002 إلا أن جهات متعددة حالت دون اختراق أية جمعية معارضة للدوائر المحسوبة على «الموالاة».
اليوم، ومع اقتراب اشتغال الماكينة الانتخابية مجددا بعد نحو العام لا يبدو أن المشهد السياسي قد تغير كثيرا، فالأمور في دوائر «الموالاة» تبدو أكثر استقرارا وأقل تعرضا للهزات، وإذا ما كان من جدل يثار في انتخابات 2010 فهو في الخارطة القادمة لتشكيلة القوى «المعارضة» التي ستصل إلى المقاعد النيابية.
اليوم، وقريبا من الانتخابات البرلمانية تجددت دعوات أطلقتها عدد من الجمعيات المحسوبة على قوى «المعارضة» بالدخول في المعترك الانتخابي وفق لائحة وطنية، للابتعاد عن «لبوس الطائفية» الذي لبسته «الوفاق» مرغمة حين حصدت لوحدها 17 معقدا نيابيا، كانت بهم الممثل الوحيد لهذا التيار في العمل البرلماني طيلة السنوات الثلاث الماضية من عمر برلمان 2006.
«الوفاق» حسمت أمرها في 2006 حين أصرت على عدم التفريط بأي مقعد نيابي في أية دائرة تراها مغلقة، على رغم أنها عرضت دائرة أو اثنتين على حلفائها من التيار «الشيرازي» الذي مثلته جمعية «أمل» بقيادة الشيخ محمد المحفوظ حينها من جانب، وتخندقها مع مرشحي «وعد» الذين ترشحوا خارج دوائرها الانتخابية من جهة أخرى.
لكن.. هل ستعاود «الوفاق» النهج ذاته في العام 2010، وهل ستقفل أبواب دوائرها على منتسبيها وكوادرها؟ وهل «الوفاق» بحاجة فعلا لكتلة نيابية «معارضة» لمساندتها في البرلمان القادم، حتى لو كان ذلك على حساب عدد مقاعدها النيابية؟ هل تستطيع «المعارضة» أن تتوافق على لائحة وطنية موحدة في ظل هذا التجاذب الطائفي في الدوائر الانتخابية أولا وفي الحراك السياسي ثانيا؟ هل ترغب «الوفاق» فعلا في اقتطاع جزء من مقاعدها لصالح «وعد» أو «أمل» تحديدا؟
«المنبر»... «وعد»... «أمل»... «التجمع القومي»، باستثناء الجمعية الأولى فإن هذه الجمعيات قاطعت الانتخابات البرلمانية في العام 2002، وشاركت فيها في السنوات الأربع التي تلتها، وهي بمقاطعتها الانتخابات ثم مشاركتها فيها لم تستطع أن تحصد أيا من المقاعد البرلمانية، أما المنبر التقدمي والتي حظيت في انتخابات 2002 بثلاثة مقاعد حازها كل من (عبدالهادي مرهون، عبدالنبي سلمان، يوسف زينل)، لم تستطع أن تحظى بأي مقعد نيابي في انتخابات 2006 بعد مشاركة الجمعيات السياسية الأخرى.
الحديث عن 2010 قريب مما جرى في 2006، لكنه لا يعني بالضرورة تطابق ذات السيناريو والأداء والنتائج.
الجمعيات «المعارِضة» تتكلم بـ «غصة» عما تسميه انفراد «الوفاق» بالمقاعد النيابية في الانتخابات الماضية، وكأنها وجدت أن «الوفاق» تخلت عنها
من جهته قال أمين سر جمعية «أمل» رضوان الموسوي إن الإعلان عن المشاركة من عدمه مرهون تكتيكيا هنا أو مناوراتٍ هناك، فبقدر ما تتجاوب السلطة مع المطالب المطروحة قد يتم التجاوب إيجابا مع موضوع المشاركة، وقد تكون المقاطعة أيضا طريقا لإيصال رسائل سياسية للسلطة للبدء في التعديلات الدستورية المطلوبة من قبل قوى المعارضة.
وأضاف «نحن نعتبر أن البرلمان مفردة واحدة من بين عدة مفردات في العمل السياسي، لذلك فنحن في «أمل» لا نعوّل كثيرا في عملنا السياسي على الدخول في البرلمان، لأننا لا نعتقد أنه قادر على تحقيق كل شيء».
وعن قرار جمعيته قال: لايزال الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسة، غير أنه إذا ما قررت الجمعيات في التحالف السداسي الدخول وفق لائحة واحدة ووفق برنامجٍ وطني موحد فإن موقفنا حينها سيكون في إطار القرار الجماعي لقوى المعارضة»، متابعا «نحن مع اللائحة الوطنية، لكننا أيضا مع برلمانٍ واسع الصلاحيات».
من جانبه أبدى الأمين العام لجمعية «وعد» إبراهيم شريف اعتقاده أن الوفاق ستكرر تجربة 2006 الانتخابية أي أنها ستدعم مرشحين من خارج قائمتها في عدد من الدوائر.
وأضاف «نحترم قرارات الوفاق بشأن القائمة الوطنية الموحدة أيا كانت، لكننا نعتقد أن من المصلحة الاستيراتيجية للمعارضة ككل ومن ضمنها الوفاق أن تقدم أكثر من مقعدٍ لحلفائها لضمان تمثيل أوسع لهذه القوى ولإبعاد تهمة الطائفية التي توصم بها الوفاق في أغلب حراكها البرلماني». وفنّد شريف ما يساق من مبررات لعدم التحالف مع الجمعيات الوطنية، معتبرا أن الحديث عن تمكين «اللاإسلاميين» مردود عليه، فالبرلمان على رغم سيطرة الإسلاميين عليه منذ 2002 إلا أنه لم يستطع سن تشريعات إسلامية كاملة لحد الآن.
وتابع «الوفاق معزولة اليوم في البرلمان، ويوجد في قبالها اصطفاف طائفي واضح ظهر خلال استجوابها لوزير الصحة أواخر الدور الثالث، لذلك نعتقد أن وجود كتل أخرى للمعارضة من شأنه أن يساند موقفها في الداخل، وسيكون وجود كتل وطنية عاملا مخففا للضغط التي تعانيه الوفاق من الكتل الأخرى».
كما أن وجود حلفاء آخرين للوفاق سيساعدها على طرح ملفاتٍ أكثر جرأة، لأن الملفات التي تطرحها حاليا يعتبرها الآخرون وقودا لنار طائفية.
وتابع «خلال تجربتنا الانتخابية في 2006 ترشحنا في 6 - 7 دوائر تعتبر من دوائر الموالاة، غير أن التجربة أكدت لنا أن السلطة وضعت خطا أحمر لحصول المعارضة على 50 في المئة من تشكيلة المجلس، وهو أدى لحدوث تزوير من خلال توجيه العسكريين وضخ المجنسين في دوائر محددة».
وواصل «في 2010 نعلم أن السلطة لن تسمح باختراق الخط الأحمر الذي وضعته سابقا، وهي لن تسمح بأن يكون البرلمان مجلسا للمعارضة، لكننا لانزال نبحث خياراتنا وسيكون المؤتمر العام للجمعية الذي سيعقد خلال شهر حاسما في توضيح خياراتنا في الانتخابات المقبلة».
في الصدد نفسه انتقد عضو المكتب السياسي لجمعية المنبر التقدمي فاضل الحليبي ما اسماه التدخلات باسم الدين في الانتخابات، وقال عن ذلك تجيير مسمى «الكتلة الإيمانية» في انتخابات 2006 قسّم الناس إلى قسمين، وقد لعبت هذه الشعارات دورا واسعا في تشويه نزاهة الانتخابات حينها.
وأضاف «نحن نعيب على السلطة تدخلاتها في الانتخابات، لكننا ندعو أيضا القوى الأخرى لاحترام إرادة المواطنين والسعي بطرقٍ نزيهةٍ لاستقطاب أصوات الجماهير، بدلا من استخدام أساليب لا تمس الديمقراطية، بل يجب أن تكون المنافسة على أساس البرامج الانتخابية».
وأردف «توجد للأسف قوى سياسية ترفض التنازل لصالح حلفائها، نؤكد أننا لا نريد صدقاتٍ من أحد، لكننا نريد أن تكون المنافسة نزيهة وشفافة ويترك المجال للمواطنين لاختيار من يرونه الأكفأ، ولنبتعد عن تجيير المرجعية والدين في هذا المقام».
وتابع «إذا استمرت الأمور على ما هي عليه حاليا في الساحة السياسية فأعتقد أن التركيبة البرلمانية ذاتها ستستمر في 2010، قد تتغير بعض الوجوه لكننا سنظل بالتركيبة الحالية ذاتها».
من جهته قال الأمين العام لجمعية التجمع القومي إن جمعيته لم تناقش لحد الآن قضية انتخابات 2010، غير أنه أشار إلى أن «الوفاق» إذا أقامت مراجعة ذاتية لسنوات عملها البرلماني، لابد أن تجد أن تمثيلها الحالي للمعارضة لم يكن بحجم المؤمل والمطلوب.
وأضاف «أعتقد أن وجود معارضة وطنية أوسع مما هو موجود حاليا في البرلمان من شأنه أن يقوي الساحة الوطنية، لذلك لابد من بدء العمل التنسيقي بين مختلف الجمعيات لتحقيق ذلك».
وبالنسبة لقرار (المشاركة والمقاطعة) قال العالي: «لا أجد أن هناك مستجداتٍ طرأت على الساحة السياسية تفرض المقاطعة، غير أنني أؤكد أن قرار الجمعية لايزال غير محسوم، وستعمل الجمعية على دراسة جدوى المشاركة من عدمها». وعن توقعاته لمجلس 2010 قال: «تشير التوقعات إلى أن البرلمان سيظل ذا صبغة إسلامية طائفية، وهو ما يجعله خاضعا لبعض المساومات في أدائه، كما أن المؤشرات أيضا تشير إلى اتساع تيار المقاطعة لدى التيار الشيعي، لذلك فإن وجود قائمة وطنية من شأنه يحرك الساحة إيجابا نحو قرار المشاركة»
العدد 2635 - الأحد 22 نوفمبر 2009م الموافق 05 ذي الحجة 1430هـ