العدد 2635 - الأحد 22 نوفمبر 2009م الموافق 05 ذي الحجة 1430هـ

نمنمات إيرانية على مائدة «السّوهان»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلّ حدثٍ يجري في إيران يحملُ معنى. بعضٌ من تلك الأحداث ذات طابع دعائي، والبعض الآخر يُقال لإنضاج لحمٍ نيئ، وآخر لإسماع أناسٍ لا يُمكن إسماعُهُم إلاّ بقصاصة خبر. لكن هذه الأصناف (بلا استثناء) تحمل جانبا من معاني السياسة الإيرانية.

في غرّة سبتمبر/ أيلول المنصرف أجازَ البرلمان الإيراني ثمانية عشر وزيرا من الحكومة النّجاديّة العاشرة. عددٌ من الوزراء الذي خُشِيَ أن لا ينالوا 146 صوتا (أي 50 في المئة + واحد) وهو نسبة لزوم الحصول على الثقة اجتازوا الاختبار.

حينها أعلن الرئيس أحمدي نجاد أنه سيحضر مع حكومته بشكل دوري إلى البرلمان لمناقشة الملفات المطروحة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل مباشر (جرى الاجتماع مرتين لحدّ الآن). وهي سابقة لم تشهدها الحكومات الإيرانية التسع الماضية.

وقبل أقل من أسبوع من الآن، أورَدت وكالات الأنباء الإيرانية (بالصّور) خبر لقاء رؤساء السلطات الثلاث بمقر السلطة القضائية. ولم تَزِد الأنباء عن القول بأن هدف الاجتماع هو «بحث القضايا الهامة والراهنة في البلاد وتبادل وجهات النظر حولها».

ثم أعقب ذلك بأيام لقاء جَمَعَ رئيس السلطة القضائية آية الله الشيخ صادق آملي لاريجاني بعدد من النوّاب البرلمانيين الذين يُمثّلون العاصمة طهران وذلك بمقر السلطة القضائية، وبحضور مرتضى بختياري وهو وزير العدل في حكومة أحمدي نجاد.

هذه اللقاءات المُعلَنة (وتلك البعيدة عن الأضواء التي يُديرها أعضاء لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان) تعكس سياسة جديدة داخل الحُكم، وبالتحديد داخل جناح اليمين. وهي سياسة يُرَاد لها أن لا تُكرّر ما حدَث في الحكومة السابقة، من خلافات يمينية يمينية، أو تنفيذية تشريعية.

في الموضوع التشريعي التنفيذي، فعلى ما يبدو فإن هناك شبه صفقة قدّ تمّ إبرامها بين الحكومة والمجلس النيابي الذي كان كثير الانتقاد والصّد لبرامج أحمدي نجاد في الفترة الماضية. فتمرير الحكومة الحالية بثمانية عشر وزير شكّل مفاجأة للكثيرين.

تكلّل ذلك في الخامس عشر من الشهر الجاري حين صادق البرلمان الإيراني على أهلية الوزراء الثلاثة الذين رشحهم الرئيس محمود أحمدي نجاد لثلاث حقائب وزارية وهي الطاقة والتعليم والرفاه الاجتماعي.

وربما كان وجود حميد رضا حاجي بابائي وهو من الأصوليين التقليديين في حكومة نجاد كوزير للتربية والتعليم (وضمن الوجوه الثلاثة التي أجازها المجلس) مؤشّرا آخر على الصفقة المذكورة بين نجاد كمُمثّل لليمين التعميري ولاريجاني كمُمثّل لليمين التقليدي.

وربما تأتي هذه المصالحات بين السلطتين اللتين يقودهما أصوليان، والتسويات داخل اليمين هو تمهيد لاتخاذ قرارات مفصليّة على المستوى الوطني وخصوصا في المجال الاقتصادي قد تصدر قريبا.

فمن المُقرّر أن تُعلِن حكومة نجاد خلال الفترة المقبلة عن رفع الدعم عن عدد من السّلع الرئيسية، وتحويل مبالغ الدعم لها والبالغة مليارا وخمسة وسبعين مليون دولار شهريا إلى سيولة نقديّة سيتسلّمها الإيرانيون في حساباتهم البنكيّة.

كذلك فإن الحكومة قد بدأت ومنذ الشهر الثامن من هذا العام تطبيق نظام «المحلّية» الذي يهدف إلى قبول الطلاب الجامعيين في الصّروح الجامعية بمحافظاتهم، وإذا تعذّر ذلك بسبب محدودية خيارات التخصّص الأكاديمي فإلى المحافظات المجاورة، بحيث تُوضع نسبة ثمانين بالمائة من التخصّصات الموجودة في جامعات الدولة ضمن ذلك البرنامج، على أن تُخصّص نسبة العشرين بالمائة منها للاختيار الحُر بطلاب كلّ محافظة إيرانية، وبالتحديد الإناث منها.

وهو برنامج تريد حكومة أحمدي نجاد تطبيقه لإيجاد حمائيّة بملامح محافظة للأسرة الإيرانية، وهو بالتأكيد يحظى بتأييد من الأصوليين والحوزة القُمِّيَّة، على اعتبار أنه ذات طابع محافظ، ويُراعي مسألة القيم والتقاليد. وهي جميعها مشروعات تحتاج إلى توافقات بشأنها وإيجاد أقصى أنواع التأييد لها.

أمر آخر يجب الانتباه له، وهو أن وجود أحمدي نجاد على رأس حكومتين متواليتين قد أسّس لبرامج اقتصادية غير معتادة في الجمهورية الإسلامية، تكلّفت موازنتها التشغيلية آلاف المليارات من الدولارات، وباتت مُدوّنة في السياسات التفصيلية.

فعلى سبيل المثال قام الرئيس بتحويل مبالغ شهرية بلغت ثمانين دولارا شهريا لكلّ فرد صنّفته اللائحة التفصيلية من تعديل المادة 44 من الدستور. فإذا كانت الأسرة الواحدة تضمّ خمسة أفراد فإن ذلك يعني أنها تحصل على 400 دولار شهري.

كما أنّه قام بزيادة رواتب المتقاعدين أكثر من 30 بالمائة. وإذا ما عُرِفَ أن العمل لمدة ثلاثين سنة في إيران يُعطي الموظف حقّ الحصول على راتب كامل، فهذا يعني أن الزيادة التي طرأت هي على أصول الرواتب وليس على نسبتها.

وهي ذات الدواعي التي دفعت ما نسبته تسعين بالمائة من الخمسة وعشرين مليون إيراني (من الأقاليم البعيدة والأرياف ممن يحقّ لهم التصويت) لأن تعطيه رأيها في الانتخابات.

كلّ هذه الأمور جعلت من الخطط الموضوعة والتي هي محلّ جدل، لأن تتطلّب توافقا أكبر بين المحافظين وهم يقودون إيران في هذه المرحلة. خصوصا وأن موضوع الدعم لا يحظى بدعم قطاع كبير من المحافظين فضلا عن غيرهم في مجمع التشخيص.

في الموضوع القضائي فإن مجيء آية الله آملي لاريجاني في فترة حسّاسة من أوضاع إيران الداخلية، تجعله أمام اختبار صعب، وهي الظروف التي جاء فيها آية الله هاشمي شاهرودي في العام 1999 عندما كان الصراع محتدما بين المحافظين وجبهة الثاني من خرداد.

فالسلطة القضائية عليها أن تتعامل مع ثمانية ملايين ملف حقوقي موجود في أروقة المحاكم بشتّى درجاتها. وبعد الانتخابات وما جرى من عَبَث سياسي بات عليها أن تُضمّن عملها جانبا سياسيا أيضا نظرا لظروف المرحلة الحسّاسة.

اليوم وحين يجتمع رؤساء السلطات الثلاث في مقرّ السلطة القضائية، فمعنى ذلك أن الترتيب القادم في إيران هو ترتيب حقوقي. وسيضطلع رئيس السلطة القضائية بدور محوري في تسويات الداخل نظرا لمكانته عند المرشد وعند عموم المحافظين.

وهو ومنذ مجيئه لرئاسة السلطة القضائية قام بتعيينات جديدة في هياكلها تتناسب والمرحلة التي سيقودها. فقد عيّن عباس جعفري دولت آبادي مدعيا عاما جديدا في المحاكم العامة ومحاكم الثورة في طهران، ومحسني إيجي مدّعيا عاما لإيران.

وعيّن حجة الإسلام أحمد شفيعي في منصب المدعي العام لمحكمة القضاة، وحجة الإسلام أحمد واعظي جزئي مساعدا لرئيس السلطة القضائية لشئون التدريب القضائي، وآية الله غركاني رئيسا للمحكمة العليا.

ولأن أحمدي نجاد كان طرفا رئيسيا في موضوع الخلاف السياسي ما قبل وما بعد الانتخابات، وعلي لاريجاني كذلك، وهما يتسنّمان سلطتين رئيسيتين فإن العمل معهما ومن خلالهما يُصبح ضرورة.

هناك اتّهامات خطيرة قِيْلَت في الفترة الأخيرة بحقّ شخصيات سياسية متقدّمة، وضد أحزاب سياسية، وهذا الموضوع إمّا أنه يأخذ جانبا من المعالجة السياسية أو الجنائية. وفي كلتا الحالتين يتطلّب الأمر توفير أجواء مناسبة لاتخاذ القرار الحاسم.

في المُحصّلة فإن إيران ستشهد تطورات على مستوى الداخل. صحيح أن الملف النووي الإيراني مُهيمِن على صورة المشهد الإقليمي، لكن الأكيد أن أمورا ستحدث في الداخل في المدى القريب وستُحدّد بوصلة السياسة الإيرانية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2635 - الأحد 22 نوفمبر 2009م الموافق 05 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:45 م

      إلى الأمام

      رغم كل شيئ قافلة الجمهورية الإسلامية تسير وتسير ودائماً إلى الأمام والمستقبل لإيران وللإسلام وغداً لناظره قريب .
      شكراً جزيلاً لكاتبنا المتخصص في الشؤون الإيرانية وننتظر منه المزيد .

    • زائر 1 | 7:46 ص

      رد على أبو ولاية وعلى الكاتب

      ياريب تقولون هذا الكلام للشباب الطائف الذي يخرب منشآت البلد ويروع الامنيين. المعارضة في إيران معارضة دينية ولدت من نفس البطن الذي ولد منه الحاكمين وهي معارضة مشروعة هدفها هدف وطني على عكس ملالي إيران الذين يستحوذون على ثروات ومكتسبات ايران وهذا ليس كلامي ولكن كلام الايرانيون في الخارج الذين هربوا من بطش و خبث الملالي الذين يتخفون وراء العمائم ولباس التدين وهم ..... نأمل أن تتحرر إيران من قبضة هؤلاء .....الذين يكنون العداء للآمة العربية والاسلامية لأنهم ....هذه المة.

    • أبو ولايـة | 6:15 ص

      حفظ الله الجمهورية وقائدها ..

      أحسنت أبو عبدالله على هذا التحليل المفصل عن الجمهورية .. وهو يدلل على بدأ السيطرة على الشارع بالكامل في الجمهورية من دون ترك مجال للقوى التخريبية للعبث في أمن الجمهورية .. حفظ الله الجمهورية من كل سوء وحفظ قائدها الهمام السيد القائد الخامنئي ..

اقرأ ايضاً