العدد 2328 - الإثنين 19 يناير 2009م الموافق 22 محرم 1430هـ

وطن لا يقبل التجزئة والتشطير

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

كل كلمة أو حرف أو حتى همسة عن «التجنيس»، تقابلها أقلام موتورة مستعدة أن تنبري عن بكرة أبيها لتبرر أن المتحدث عن هذا الموضوع سواء أكان نائبا برلمانيا أو كاتبا أو مواطنا بسيطا، هو مسيس ومؤدلج ويتجه في الأساس نحو مقاصد معينة لن تخرج عن خشية جماعة ما، من الإخلال بالتركيبة السكانية أو تراجع مستواها عدديا.

والمشكلة أن من يدافعون عن هذا الأرق المزمن، هم ذاتهم الذين يبررون الطفرة غير المسبوقة في حجم السكان الذي يناطح المليون نسمة، بل ويجلسون طوال اليوم ليبحثوا في معاجم الشتم واللجم والتشكيك والتفكيك، ليضيفوها إلى قائمة مصطلحاتهم التي مَلَّ الناس من تكرارها في أعمدتهم اليومية.

ومثل هذه الفئة لا تجد أقدامها طريقا إلى قسم الطوارئ في مجمع السلمانية الطبي؛ لأن أغلب المنتمين إليها لا يعرفون إلا المستشفيات الخاصة، ووفاة 23 شخصا من المصابين بالسكلر العام الماضي لا تمثل لهم أهمية، فهم يعتقدون أن الخدمات الصحية لم تتراجع في مقابل الأعداد البشرية التي تزحف كل يوم لتلقّي العلاج مجّانا، فيما الخدمات الصحية المتوافرة لم يطرأ عليها أيُّ تحديث من ناحية زيادة عدد الأسرّة وتوفير الأجهزة الطبية الكافية لاستيعاب شريحة كبيرة لا تكاد تستطيع أن توفّر قوت يومها فكيف لها أن توجد المال للمستشفيات الخاصة؟ وكيف سيكون حالها بعد أن أضيف إليها الآلاف ممن تم منحهم الجنسية في الآونة الأخيرة؟

وعلى رغم أن المشكلة بلغت ذروتها حتى وصلت إلى المدارس، فأصبح التلاميذ يحملون السكاكين في منازعاتهم، ويقذفون أهاليهم بأغرب الألفاظ والمفردات التي لم تتوقع أيُّ أسْرَة أنها ستتغلغل بين أفرادها، إلا أنهم لا يزالون يصرّون على أن كل الأوضاع طبيعية بالنسبة إليهم ولم تخرج عن نطاق السيطرة.... يفنّدون جرائم الاغتصاب وهتك أعراض الأطفال والسرقات واستخدام الأسلحة البيضاء، على أنها أمور ليست غريبة على المجتمع، وأن هناك بحرينيين متورطون في مثل هذه الأفعال، فهل إذا كان جسد المجتمع يشكو من وجع نضيف إليه أوجاعا أخرى؟ أوليس من المفترض أن نعالج مشكلاتنا بدلا من أن نفاقمها؟ أوليس من الأجدر أن نستورد العقول وأصحاب الخبرات والكفاءات لنجنّسهم بدلا من جلب غير المتعلمين ومن لا يستطيعون تكوين جملة باللغة العربية؟ أوليس هذه الأرض تهمُّنا جميعا على اختلاف انتماءاتنا وأطيافنا ومذاهبنا؟

ونسألهم هل المشكلة الإسكانية تهم طائفة أو ملة أو فئة ما لوحدها أم أنها تشمل كل رب أسرة يكتوي بنار الإيجارات ويعتصر قلبه وهو يقيم مع زوجته وأبنائه في غرفة صغيرة في منزل والديه؟ وهل لهم أن يفسروا تزايد أعداد الطلبات الإسكانية وتأخر توفير الوحدات الإسكانية لأكثر من 15 عاما؟ وهل يعتقدون أن الدولة ستكون قادرة على تحقيق خططها التنموية في ظل انخفاض أسعار النفط وزيادة أعداد السكان إلى الضعف؟

إلى متى سيبقون يدفنون رؤوسهم في الأرض كالنعام؟ ومتى يتخلصون من قواقعهم ليواجهوا الحقيقة التي يجاهدون في طمسها؟ فالشوارع باتت خانقة وتالفة لأعصاب الكثيرين ممن يحاولون ضبط أنفسهم حتى لا تخرج أفعالهم عن السيطرة، والدوائر الرسمية الخدمية باتت بحاجة إلى توسعة لاستقبال الطلبات التي تنهال عليها من كل حدب وصوب، والعاطلون كثر ولسنا بحاجة إلى زيادة أعدادهم بعد أن اقتربنا من القضاء على مشكلتهم.

أخيرا أقول إلى أولئك الذين يهوون اللعب على أوتار التشطير والتجزئة في خطاباتهم الصحافية: «الوطن هو الحاضن والراعي والملجأ والسكينة والتراب الذي اختلط بدمائنا منذ نعومة أظافرنا، ففيه نشأنا وتعلمنا جميعا على اختلاف منطلقاتنا الفكرية والمذهبية وبه نرتقي أعالي القمم».

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 2328 - الإثنين 19 يناير 2009م الموافق 22 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً