ما إن علم الدكتور ونيبو بوجود محاضرة لامرأة بحرينية، حتى أسرَع في الاتصال بجامعة منسوتا، فيأخذ موعدا لمقابلتي، وقد استغربت بصراحة إصرار هذا الرجل على المقابلة.

وتمّ ترتيب المقابلة بيني وبين الدكتور ونيبو، الذي عرّف نفسه بأنّه كان مديرا لمدرسة البحرين الخاصة لمدّة 20 عاما، وانّه منذ أن تقاعد كانت البحرين في قلبه وفي كيانه.

أوّل ما سألني هذا الدكتور العجوز كان عن البحرين وعن أهل البحرين، وعن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الذي كان تلميذا في يوم من الأيّام لديّه، وأخبرني أنّه كان يحبه حبّا جما، لشخصيته المرنة، التي تذكّره بجدّه المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.

ثمّ راح يسألني عن بعض الشخصيات التي كانت تدرس عنده، فأخبرته بأنّ فلانا هنا وفلانا هناك، وكان يسأل كذلك عن تطوّر البحرين من الناحية الاقتصادية، وغيرها من الأمور التي تجعلك تظن بأنّ الدكتور ونيبو خرج بجسده من البحرين، إلا أن الحنين إليها كان شديدا جدا.

أليس جميلا أن تجد في الغربة من يقود سيّارته لمدّة 3 ساعات، حتى يلتقي بك لأنّك من أهل البحرين، ويكون اللقاء لمدّة ساعة فقط، ليرجع أدراجه مرّة أخرى، ومقصده فقط الحب لوطنك!

لقد كان اللقاء بهذا الدكتور ذا معاني وأبعاد، يجعلك تعرف بأنّ البحرين لها مكان في قلب من دخلها، وحتى إن خرج منها، فإنّه ليس سهلا عليه نسيانها، وكان إصرار هذا الرجل على اللقاء بي أحد الأمثلة.

أوصاني الدكتور ونيبو أن أوصل السلام الحار لولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وإلى كل أهل البحرين، كما كرّر كلامه عن أهمّية الاهتمام بالعلم وبالجيل الجديد، للنهوض بالبحرين في شتّى الأصعدة.

وقد تأثّرت تأثرا شديدا من وجود مدير مدرسة البحرين الخاصة سابقا بين ضيوف المحاضرة، فلقد كان رجلا كبيرا في السن، وله من الخبرة والذكريات الكثير الكثير، وقد شاركنا برغبة منه على إيصالها الى أهلي وبحريني.

لا أخفي عليكم أنّ الدكتور بكى بكاء شديدا عندما رآني أحاضر وأعرض علم البحرين، وذكّرني بأنّ هذا العلم كانت قيمته في حب أهل الوطن للأرض، ولمن يحكم هذه الأرض.

لقد شاركنا الدكتور ونيبو حب البحرين، وأسعدني أن ألتقي به وأن أفخر بوجود أمثاله، من يكنّون لوطني هذا الحب الى الآن، وبعد غياب عنها استمرّ 19 عاما.

فحب الوطن لا يتبعه حب، أما حب وطن آخر لا يأتي إلا عندما يشعر الفرد بأنّه ليس غريبا عن هذا الوطن، بسبب الناس والبيئة والمحيطين، الأمر الذي جعل إنسانا مثل الدكتور ونيبو يصر على ملاقاة واحدة من أهل البحرين.

فهل وصل سلامه الى البحرينيين؟ وهل عرفنا قيمتنا عند الآخرين؟