أكد تقرير الحرية الاقتصادية للعام 2009 والصادر عن مؤسسة «هيريتاج فاونديشن» وصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركيتين إلى استمرار سيطرة اقتصادات الدول الواقعة في منطقة جنوب شرق آسيا على مؤشر الحرية الاقتصادية. فقد حصلت مقاطعة هونغ كونغ (الصينية) على المرتبة الأولى تلتها مباشرة سنغافورة في التقرير الأخير.
يعتمد التقرير على عشرة متغيرات تنصب في مجال الحرية الاقتصادية وهي: تأسيس الأعمال، ممارسة التجارة، السياسة النقدية مثل مستوى الضرائب والاقتراض الحكومي، السياسة المالية مثل السيولة ومعدلات الفائدة، التدخل الحكومي في الاقتصاد، الاستثمارات الأجنبية، النظام المصرفي والتمويل، حقوق الملكية، الفساد المالي والإداري، وتوظيف وتسريح العمال.
قيم محافظة
تؤمن كل من مؤسسة «هيريتاج فاونديشن» وصحيفة «وول ستريت جورنال» ذات التوجهات المحافظة بضرورة تحديد دور الحكومة في الشئون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها. بالمقابل يقتضي الصواب منح مؤسسات القطاع الخاص الدور الرئيسي في الاقتصادات المحلية. ومرد ذلك أن الشركات الخاصة تهتم بتحقيق الربحية ما يعني ضرورة منح الزبائن قيمة مقابل أموالهم؛ الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية في نهاية المطاف.
ويتمثل اعتقاد المؤسسة والصحيفة بأن تواجد القطاع العام في الاقتصاد يعد أمرا سلبيا في حد ذاته، وفي العادة يكون على حساب الحرية الممنوحة للقطاع الخاص. على سبيل المثال، يشكل حصول الحكومة على قرض من البنوك مزاحمة للأفراد والشركات في الحصول على التمويل. كما أن من شأن التدخل الحكومي الحصول على تسهيلات مصرفية الأمر الذي قد يدفع بمعدلات الفائدة إلى الأعلى ولو بشكل نسبي.
أفضل وأسوأ النتائج
كما أشرنا سلفا، حققت اقتصادات منطقة جنوب شرق آسيا أفضل النتائج على مستوى العالم فيما يخص مفهوم الحرية الاقتصادية. فقد حافظت هونغ كونغ على موقعها كأفضل كيان لممارسة النشاط الاقتصادي؛ إذ يعد اقتصادها حرا بأكثر من 90 في المئة. كما استمرت سنغافورة في المحافظة على المركز الثاني دوليا؛ إذ يعد اقتصادها حرا بنحو 87 في المئة. إضافة إلى ذلك، تضم قائمة أكثر الاقتصادات تحررا كلا من أستراليا وأيرلندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة وكندا على التوالي. الرابط المشترك بين هذه الاقتصادات هو تبني نظام السوق ما يعني تشجيع المنافسة وبالتالي تنشيط الدورة الاقتصادية.
بالمقابل، حل السودان في قاع المؤشر ربما بسبب نقص المعلومات المتوافرة. ويلاحظ حصول بعض دول الاتحاد الأوروبي على مراتب متأخرة نسبيا؛ إذ نالت ايطاليا المركز رقم 76 على مستوى العالم نتيجة سيطرة المذهب الاشتراكي على الاقتصاد فضلا عن وجود دعم من الحكومة لبعض القطاعات الحيوية مثل الطيران. وخلافا للمتوقع، تراجع ترتيب فرنسا في عهد الرئيس نيكولاي ساركوزي من المرتبة 48 في تقرير العام 2008 إلى المرتبة 64 في التقرير الأخير ما يعكس الحاجة إلى تقليص دور القطاع العام لصالح القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي.
البحرين الأولى عربيا
حافظت البحرين على سجلها كأفضل دولة في مجلس التعاون الخليجي على مؤشر الحرية الاقتصادية؛ إذ حلت في المرتبة رقم 16 على مستوى العالم ما يعني تحسن ترتيبها بواقع 3 مراتب في غضون سنة واحدة.
يعد الاقتصاد البحريني حرا بنسبة (74,4 في المئة) متقدمة بنسبة 2,6 في المئة عن العام 2008.
وقد حصلت البحرين على نقاط معيار السياسة النقدية كافة (نحو 100 في المئة) بسبب عدم وجود ضرائب على الدخل والأرباح. أما أسوأ نتيجة (50 في المئة) فكانت من نصيب الفساد ما يعكس وجود الحاجة إلى تعزيز ثقافة محاربة أشكال الفساد المالي والإداري كافة في المعاملات الرسمية.
من جهة أخرى، جاء في التقرير بأن الحكومة تحصل على أكثر من 70 في المئة من إيراداتها من القطاع النفطي فضلا عن المؤسسات الأخرى التابعة إلى الدولة (في إشارة إلى الشركات التابعة إلى شركة ممتلكات الحكومية) وعليه هناك اعتماد كبير على المؤسسات التابعة إلى القطاع العام فيما يخص دخل الخزانة ما يعني أن الاقتصاد البحريني واقع تحت رحمة تصرفات القطاع العام (أي ليس حرا بحد الكفاية).
كما نبه التقرير إلى تواجد نسبي كبير للحكومة في الاقتصاد ما يعد أمرا سلبيا؛ إذ تشكل مصروفات الحكومة أكثر من ربع الناتج المحلي الإجمالي.
حقيقة القول، بمقدور الحكومة الحصول على مزايا مثل تأخير عملية دفع الفاتورة وربما الإصرار على الحصول على خصومات لأسباب مختلفة منها قوتها الشرائية. كما من شأن التدخل الحكومي الحصول على تسهيلات مصرفية؛ الأمر الذي قد يدفع بمعدلات الفائدة إلى الأعلى ولو بشكل نسبي.
عُمان في المرتبة الثانية
بدورها حلت عُمان في المرتبة 43 على مستوى العالم. وفيما يخص الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، فقد حلت كل من الكويت والإمارات والسعودية في المراتب 50 و54 و59 دوليا على التوالي.
في المحصلة لم تحرز دول مجلس التعاون (باستثناء البحرين) مراتب متقدمة في مؤشر الحرية الاقتصادية. وتكمن المشكلة الرئيسية في الدور الكبير الذي يلعبه القطاع العام في جميع الاقتصادات الخليجية على حساب القطاع الخاص. أيضا هناك ظاهرة عدم وضوح بعض القوانين فيما يخص عملية الاستيراد؛ الأمر الذي يشكل انتقاصا لمبدأ الشفافية. المطلوب من دول مجلس التعاون الخليجي دراسة ما جاء في التقرير والوقوف عند نقاط الضعف لغرض وضع حلول ناجعة لها.
بمقدور دول المجلس تحسين تصنيفها العالمي وذلك بتحرير المزيد من القطاعات الاقتصادية وفتحها أمام المنافسة الإقليمية والدولية.
ختاما لا بد من الإشارة إلى بعض سلبيات التقرير مثل اعتماده على المصادر الثانوية مثل تقرير مدركات الفساد الصادر من قبل منظمة الشفافية الدولية. بمعنى آخر، يفتقر التقرير إلى منهجية واضحة بسب اعتماده على تقارير مختلفة ومتباينة بدل القيام بدراسة ميدانية ما يعني وجود معضلة فيما يخص انسجام المعلومات.
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 2328 - الإثنين 19 يناير 2009م الموافق 22 محرم 1430هـ