تجاوز الإيرانيون عُقدة الاعتراف الدولي بتخصيب اليورانيوم. اليوم قَبِلَت الدول الكبرى بمستوى 3.5 في المئة من التخصيب في المفاعلات الإيرانية. وهي عقدة قاتَلَت طهران لنيلها طيلة سبعة أعوام خَلَت في مفاوضاتهم النووية.
اليوم يُحاول الغرب التعويض عن ذلك «الاعتراف» عبر أمرين: الأول: تصفير مخزون اليورانيوم المُخصّب لدى طهران بنسبة 3.5 في المئة. فاحتياطها منه أصبح يلامس الـ 1500 كيلوغرام، والغرب يطمح بمقايضته دفعة واحدة، مقابل يورانيوم بنسبة 19.75 في المئة.
كذلك فإن ما ورائيات الاتفاق الذي تمّت مناقشته بين إيران والدول 5 + 1 والوكالة الدولية يُشير إلى أن طهران تحتاج إلى 116 كيلوغراما من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 19.75 لتشغيل مفاعلها بالعاصمة.
والمضابط الفنّية للوكالة تُفيد بأن كلّ 116 كليوغراما من اليورانيوم المُخصّب بهذه النسبة يحتاج إلى 800 كيلوغرام من يورانيوم مُخصّب بنسبة 3.5 بالمائة، والذي تُنتجه إيران اليوم.
الإشكال في ذلك يكمن في أن الطلب الغربي يُحدّد كمّية وقدرها 1200 كيلوغرام من يورانيوم مُخصّب بنسبة 3.5 لكي تتسلّم إيران يورانيوم مُخصّب بنسبة 19.75، أي بزيادة في الأول وقدرها 400 كيلوغرام على الكمية المفترضة، وهو ما يُفسّر الرفض الإيراني.
الأمر الثاني: فإن المُدّة الفعليّة لإنتاج 116 كيلوغراما من اليورانيوم هي ثلاثة أشهر، إلاّ أن الاتفاق الذي يُريد الغرب إبرامه مع طهران يُحدد مدّة زمنية تصل إلى السنة والثلاثة أشهر، أي بزيادة زمنية وقدرها أربعة أضعاف المدّة، وهو ما يدفع طهران للرفض أيضا.
إيران بدورها تستند إلى مثل هذه الثغرات في الاتفاق وتأخذها كجانب قانوني بحت له وجاهة تفاوضيّة، وهي تُساوم ضمن هذا النطاق لأن مساحة المناورة فيه مُتّسِعَة. لكن الحقيقة أن إيران تُقاتل على ساحة خصمها التفاوضيّة.
فهي في حقيقة الأمر لن تتضرّر إن ما سلّمت وقودها النووي تحت مستوى الـ 3.5 بكامله (1200 كيلوغرام)، إذا ما أخذنا ما تمتلكه عمليا في معامل التخصيب أو من خلال ما هي قادرة على إنتاجه اليوم.
فهي تمتلك سبعة آلاف جهاز طرد مركزي في مفاعل نتانز. والمعروف أن جهاز الطرد المركزي الواحد يُنتِج 0.214 من اليورانيوم في أقلّ من عام، وبالتالي فإن وجود سبعة آلاف جهاز طرد مركزي يُساوي إنتاج 1498 كيلوغراما في العام، أي مُساوٍ لمخزون اليورانيوم مُنخفض التخصيب.
الآن يتبيّن الآتي: يستطيع الإيرانيون أن يُفاوضوا على جداول تسليم اليورانيوم (سواء الكامل منه أو التدريجي) على الرغم من أنهم قادرون على الاحتفاظ (أو إنتاج) الكمية الآمنة من اليورانيوم المنخفض تحت الـ 3.5 في المئة.
فإذا كانت المدّة التي ستستغرقها عملية التسليم للبلد المحايد (روسيا/ تركيا)، ثمّ نقله إلى فرنسا لزيادة تخصيبه داخل قضبان الوقود، ثم إعادته مرة أخرى لإيران ستزيد عن السنة وثلاثة أشهر، فإن طهران قادرة على التعويض بين فترات التسليم المتزامن أو غير المتزامن في عملية الإنتاج.
فهي قادرة (ومن خلال الـ 7000 جهاز طرد مركزي، أو من خلال مضاعفتها لقوة الفصل في الأجهزة التي أعلنتها قبل أشهر) زيادة مخزونها من اليورانيوم المُخصب بنسبة 3.5 في المئة، إلى ما يزيد عن 1500 كيلوغرام، بالإضافة إلى كمية الـ 300 كيلوغرام من مُتبقّي المخزون الأصلي.
وهو ما سيُؤدي في غضون عام أو عامَيْن إلى أن تقوم إيران بتوفير كمّية اليورانيوم عالي التخصيب اللازمة (عبر مراحله الثلاث) لصنع قنبلة نووية، والتي تتطلّب 1000 كيلوغرام من اليورانيوم! وهو ما يعني رجوع ذات المخاوف حول قدرة إيران على صنع قنبلة نووية، لتبقى الأمور كما هي عليه.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2631 - الأربعاء 18 نوفمبر 2009م الموافق 01 ذي الحجة 1430هـ
تحليل دقيق ..
التحليل النهائي دقيق جداً, وهو التحليل الأكثر جدلاً بين الإفتراضات السياسية في هذا الملف.
تحليل
تحليل موفق