العدد 2631 - الأربعاء 18 نوفمبر 2009م الموافق 01 ذي الحجة 1430هـ

أَطْعِمُوا أطْفَالَكُمْ خُبْزَ الحُرِيَّة!

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

عشرون ربيعا مرَّ على إقرار زعماء الأرض بحاجة الأطفال في شتى أنحاء المعمورة لـ «اتفاقية حقوق الطفل»، والتي تعدُّ بمثابة الصك القانوني الدولي الأول، والذي يلزم الدول الأطراف من ناحية قانونية بدمج السلسلة الكاملة لحقوق الإنسان (الحقوق المدنية والسياسية/ الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية)، ونعني بالأطفال هنا ـ حسب توصيف منظمة اليونسيف UNICEF ـ الأشخاص دون الثامنة عشرة.

كم هي مناسبة مهمة أن نحتفل باليوم العالمي للطفل (20 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام)، ولكن الأهم الإيفاء بحقوق الطفولة النابعة من الاتفاقية الدولية، والتي تؤكد وبطريقة لا لَبْسَ فيها أن حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان من العالم هي: عدم التمييز، والحماية من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال، والمشاركة الكاملة في الأسرة، وتضافر الجهود من أجل المصلحة الفضلى للطفل، والحق في الحياة، والحق في البقاء، وحق احترام رأي الطفل وما إلى ذلك.

التجربة البحرينية مع الاهتمام بالطفولة تجربةٌ تسترعي النظر، خصوصا وأن البحرين انضمت إلى حزمةٍ من الاتفاقيات الدولية المعنية بالطفولة، كاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل بموجب المرسوم الأميري رقم 16 لسنة 1991م، كما وانضمت إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لسنة 1999م بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها، وذلك بمرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2001م.

إن الاحتفال الحقيقي بيوم الطفولة هو الاحتفاء بما تحقق من جهد رسمي وأهلي في رعاية هذه الشريحة العمرية المهمة، ولهذا الغرض لنا أن نعرج قليلا على مؤسسات بحرينية عدة تأتي في صدارتها «دار رعاية الطفولة» عام 1984، وهي مؤسسة اجتماعية تعنى برعاية الأطفال مجهولي الوالدين والأيتام وأطفال الأسر المتصدعة حتى سن الخامسة عشرة، وكذلك دور «رعاية الفتيان» التي تأسست للتخصص في رعاية الأيتام مجهولي الأبوين الذين تربو أعمارهم على الثانية عشرة، و»وحدة الحضانة الأسرية» والتي تقوم بترتيب إجراءات احتضان الأطفال والمتابعة المستمرة للأسر والأطفال المحتضنين، وفي أبريل/ نيسان 2007 تمَّ افتتاح «مركز البحرين لحماية الطفل»، وهو مؤسسة حكومية تعنى بحماية الأطفال حتى سن 18 سنة من كافة ألوان العنف وسوء المعاملة والإهمال، هذا إلى جانب تخصيص جناح خاص لهؤلاء الأطفال بـ «دار الأمان» للإيواء المؤقت.

كما كان لافتا القرار الصادر عن مجلس الوزراء رقم (46) لعام 2007 بتشكيل اللجنة الوطنية للطفولة من ممثلين عن الوزارات والمؤسسات الرسمية والمنظمات الأهلية المعنية بالطفولة، والتي من مهامها إعداد الاستراتيجية الوطنية للطفولة، ليتم تحديد الإطار العام لخدمات الطفولة في كافة مجالاتها ومراحلها، كما صدر الأمر الملكي رقم 33 لسنة 2007 بإعادة تنظيم المؤسسة الخيرية الملكية، والتي تضطلع بمهمات عدة أبرزها رعاية الأيتام من الأطفال وتأهيلهم. أما على المستوى الأهلي فإن هناك ثمة جمعيات ومراكز معنية برعاية وتنمية الطفولة، وأخرى متعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة وهي فاعلة إلى درجة كبيرة.

ولكن غاية ما في الأمر أننا بحاجة إلى فهم الطفل بشكل نحترم عقله، وبأنه مشروع إنسان، فهو ليس ساذجا بحيث يستقي معلوماته من الأساطير والحكايات التي تفتقد إلى العقلنة، فوسائل الإعلام لا زالت دون الطموح من حيث البرامج المقدمة، والتي من المفترض أن تعزز قيم الحرية لديهم، كما أن الأطفال أكثر تأثرا بالإعلام، وأكثر ذكاء في التعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، خصوصا مع مطالبة بعض الخبراء في سلامة الأطفال بضرورة تصنيف الأفلام الكارتونية حسب أعمار الأطفال، من أجل حمايتهم من كافة أشكال العنف التي تظهر في بعض المسلسلات مثل: باتمان والرجل الوطواط وسكوبي دو وإكس من وبين تين وما إلى ذلك، فهي مفعمة بحركات بهلوانية وخرافية لها نتائجها السلبية، إذ توصلوا إلى بعض الدلائل التي تشير إلى أن الأطفال الذين يشاهدون جلّ هذه الأنواع من الأفلام الكارتونية يقومون بتقمُّص شخصياتهم وممارسة السلوك نفسه، وهو الأمر الذي يؤدي بهم إلى إيذاء أنفسهم أو جلد الذات.

ما يثير الاستغراب حقا هو تزامن الاحتفال بيوم الطفولة مع بروز قضية رياض الأطفال على المستوى الإعلامي، لنكتشف جوانب القصور والإهمال في التعاطي مع هذا الملف، فبدل أن نسعى لجعل التعليم في مرحلة رياض الأطفال مجانيا وإلزاميا تماما كالتعليم الأساسي، باعتبار أن السنوات الخمس الأولى تعد حاسمة لكي يكتسب الطفل خمس لغات على الأقل، ولو رجعنا إلى دولة كألمانيا ـ على سبيل المثال ـ نجد أن فرص الحصول على وظيفة مدرس في المدارس أو في الجامعة أسهل من الحصول على وظيفة مدرس في رياض الأطفال!

وبدل أن تُكرس الجهود لتأهيل المعلمين والطاقم الإداري للارتقاء بمستوى أدائهم، أصبحنا نتحدث عن تسريح معلمات رياض الأطفال، ووضع حد أدنى لرواتبهم، لأن شريحة العاملين في رياض الأطفال تنتظر تآزرا اجتماعيا عريضا حتى تقترب ساعة نهاية معاناتهم.

ويستوجب على المعنيين بالطفولة المبادرة إلى خلق فضاءات تنمِّي لدى الأطفال قيم الحرية في اتخاذ القرارات ومعرفة تبعات كل قرار وتأثيره على مسيرة حياته، والقدرة على حل المشكلات؛ لأن الحرية تمنح الطفل الثقة بالنفس، وتوجهه نحو آفاق أرحب من خلال تفعيل مهارات التفكير النقدي، والابتعاد عن أسلوب التلقين الذي يلازم الطفل من البيت: افعل كذا ولا تفعل كذا، بلغة فوقية من غير أن يكلِّف الأب نفسه بأن ينحني ولو قليلا إلى الأسفل ليوحي إليه بأنه يخاطب إنسانا تماما كالأشخاص الذين هم في مستواه، وإلى المدرسة حيث الاستبداد من قِبَل المعلم والإدارة المدرسية اللاديمقراطية، إلى أن يلتحق بالجامعة ويتخرج منها من غير أن ينفتح على أبسط مفردات الحرية الأكاديمية.

من الواضح أننا نعاني من ازدواجية في التعامل مع مفهوم الطفولة، ففي الوقت الذي يتحدث فيه الكثيرون عن منح الطفل مساحة من الحرية للتعبير عن أفكاره وتطلعاته، تراهم أنفسهم يصادرون حقه في المنزل وفي الشارع وفي المدرسة وفي دور العبادة وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، لنكتشف بأن من ينادي بضرورة منح الطفل هذا الحق تجده يمارس الاستبداد وآليات القهر، كما عبر عن ذلك العالم البرازيلي (باولو فريري) في قوله «تعليم المقهورين».

حان الوقت لأن نغذي أطفالنا خبز الحرية!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2631 - الأربعاء 18 نوفمبر 2009م الموافق 01 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:03 ص

      جميل

      شكراً استادي على المقال

    • زائر 1 | 4:47 ص

      Nice Article

      Megal Jameel

    • العشق الالهي | 1:31 ص

      حقوق معروفة ولكن ..

      أشكر الأخ فاضل على هذا الموضوع القيم .. ولكن هل هناك آذان صاغية .. هل هناك آباء وأمهات ومعلمين يستمعون وينفذون هذه الحقوق ؟ .. هنا تكمن المشكلة في عدم التطبيق على الرغم من وجود المعرفة .. كثير من الآباء والأمهات والمعلمين حتى أعرفهم لا يطبقون أبسط حقوق الطفل وهو الاحترام , الحوار , والحب .. هل هذا كثير على عليه .. من كم يوم فقط تلميذة أصيبت بالصرح نتيجة غباء معلمة .. هل هذا عدل في حق الطفل ؟ .. أنا شخصيا أقوم بنصيحة بعض الأخوات بأن الطفل يحتاج ال 3 كلمات فقط : الحب, الاحترام, لحوار .. ولكن

اقرأ ايضاً