فتحت صناديق الاقتراع، وأعلنت نتائج انتخابات مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين، مصحوبة ببعض الاعتراضات على، أو الاستياءات من، بعض المخالفات التي تحدث عنها بعض المرشحين، التي ما يزال من آثارها ينتظر ردود لجنة الانتخابات بشأنها. وبقدر ما يستحق الفائزون التهنئة، بقدر ما يتوجب علينا شكر من لم يحالفهم الحظ في الفوز، فمشاركة هؤلاء الأخيرين، هي التي أعطت تلك الانتخابات زخمها، وهي التي أمدتها بالحيوية التي عرفها المجتمع التجاري البحريني خلال الشهرين الماضيين، وعلى وجه الخصوص، الأسبوعيين اللذين سبقا يوم التصويت. وكلمة الحق التي ينبغي أن تقال هنا، أن هناك من بين غير الناجحين من هو أكثر كفاءة وإستحقاقا للفوز، من بعض من أصبحوا أعضاء في مجلس الإدارة الجديد. لكن تحقيق الفوز عملية مركبة، تتداخل فيها، بالإضافة إلى النفوذ والخبرة، مجموعة من العوامل الأخرى من بين أهمها القدرة على نسج التحالفات بين القوى الصغيرة كي تتحول إلى كتلة كبيرة ذات ثقل وتأثير، والنظرة الثاقبة التي بوسعها القيام بحساب الأصوات على نحو دقيق، والمهارة في تركيز الأصوات من جانب، وتشتيتها من جانب آخر من أجل ضمان النتائج المرجوة.
على كل حال ليس الفوز سوى الخطوة الأولى، فبعد أن تهدأ زوبعة التنافس الانتخابي، وتنقشع غيوم التركيز على كسب الأصوات، تبدأ مرحلة أخرى أكثر تعقيدا وصعوبة، وتتطلب مهارات من طبيعة مختلفة، تتطلبها المهمات التي ينبغي أن يضطلع بها المجلس الجديد، أو بالأحرى تنفيذ البرامج التي التزم بها المترشحون الفائزون أمام من انتخبهم. وفي تصورنا أن أمام المجلس الجديد مجموعة مركزية من المهام تتوزع على ثلاث دوائر رئيسية هي:
الدائرة الكبرى، والتي تضم في أحشائها مجتمع الأعمال البحريني بجناحيه الصناعي والتجاري. لقد آن الأوان كي تنتزع الغرفة، ولا تستجدي، حقها في ربط تجديد السجل التجاري بعضوية الغرفة. وينبغي علينا هنا التمييز، وبوضوح الفرق بين المسبكين، فبينما يدفع «الاستجداء» الغرفة نحو «التسول» أمام أبواب المسؤولين كي ينعموا عليها بهذا «الحق المغتصب» وهو أمر لم يعد مقبولا في صفوف مجتمعها، الذي يتوقع منها أن تتحول إلى السلوك الثاني، فترصُّ صفوفها وتشحذ أسلحتها كي تمارس الضغوط المطلوبة التي تؤهلها لانتزاع هذا الحق أسوة بنظيراتها من غرف أخرى، ليست غرفة دولة قطر سوى إحدها. إن تراجع هذا المطلب أمام أية مطالب أخرى يفقد المجلس المنتخب الكثير من عناصر القوة التي يحتاجها كي يتحول من هيكل إداري تكميلي، إلى قوة فاعلة، يمتلك الثقة في نفسه أولا، ويؤمن بعدالة ذلك المطلب ثانيا، ويدرك أولوياته ثالثا وليس أخيرا، كي يحصد من خلال ذلك علاقات متينة مع أفراد مجتمعه، تمكنه من الدفاع عن مصالح ذلك المجتمع، بما يضمن تحول المجلس الجديد من قوة هامشية في الحياة الاقتصادية، إلى عنصر يحسب له ألف حساب عند وضع الاستراتيجيات أو تنفيذ الخطط. ترسيخ علاقة المصلحة المتبادلة بين الغرفة وأعضاء مجتمعها، ومن خلال اكتساب هذا الحق، هي الكفيلة بمد الغرفة بالوقود الذي تحتاجه للتصدي لسياسات التهميش التي مارستها القوى ذات المصلحة المباشرة في تقزيم دور التاجر البحريني، كي تستأثر، هي دون سواها، وبحكم نفوذها السياسي في المجتمع، بوضع السياسات الاقتصادية في البحرين، دون أن يكون للتاجر البحريني كلمته المسموعة فيها. ليست هناك حاجة لاستعارة الأمثلة الخليجية كي ندرك الفوارق بين المكانة السياسية - الاقتصادية المتقدمة التي يتمتع بها الآخرون في دول مجلس التعاون مقارنة بالتاجر البحريني، والغرفة هي الجهة المسؤولة مباشرة عن تدني مكانة هذا الأخير، وهي المسؤولة أيضا عن انتشاله منها.
الدائرة المتوسطة، وتشمل البنى التحتية الإعلامية التي يصعب الحديث عن وجودها في الغرفة. فباستثناء بعض الرسائل الإلكترونية القصيرة، و»الفاكسات» الدورية غير المنتظمة التي تتحدث عن هذا الاجتماع أو وصول ذاك الوفد، أو المقابلات الإعلامية المتفرقة مع بعض أعضاء المجلس القديم، ليس هناك أي شكل من أشكال الحضور الإعلامي المؤثر للغرفة. يمكن الإشارة هنا إلى مجلة الغرفة، والانطلاق من حضورها الباهت في الخطة الإعلامية، في حال وجدودها، للغرفة، إذ يعود صدور آخر عدد منها، إن لم تخني الذاكرة، إلى منتصف العام 2007. وعندما نشير إلى مجلة الغرفة، فليس المقصود إصدار مجلة تجميلية تقتصر موضوعاتها على أنشطة الغرفة، بقدر ما نطالب بصدور مجلة تخدم مجتمع الأعمال في البحرين وتعكس أوجه احتياجاته المختلفة، ضمن خطة إعلامية متكاملة تحتل المجلة موقعا متميزا فيها. بعدها ننتقل إلى حضور الغرفة على الشبكة العنكبوتية العالمية، كي نكتشف حضورا ساكنا غير حيوي لا يليق بالغرفة، ولا يعكس توجهاتها، ولا يمكنه أن يقيم أي شكل من أشكال العلاقة مع مجتمعها الذي يفترض بها أن تخاطبه من خلال هذه القناة الكفؤة، عندما يحسن بناءها. وهنا، مرة أخرى، لاينبغي أن يفهم من ذلك، على أنه نداء إلى حضور شكلي براق، بقدر ما هي دعوة إلى بناء بوابة إلكترونية تمد قنوات التعاون والخدمات مع مجتمع الأعمال البحريني وتكون بمثابة الجسور التي يعبرها ذلك المجتمع كي يضمن حضورا مجدّا على المستوى التجاري على «الويب».
الحديث هنا يتناول بنية تحتية إعلامية، تتكامل جسورها التقليدية مع قنواتها الإلكتروينة، وبالتالي فهو لايقف عند حدود ممارسات إعلامية متفرقة كتلك التي تقوم بها الغرفة اليوم. فبينما تؤسس الأولى، وهي البنية التحتية، لعلاقات لاستراتيجية راسخة واضحة المعالم، يحقق تنفيذها وضع الإطار الصحيح كي تمارس الغرفة دورها الفعال والقادر على النمو والإبداع، تحصر الثانية، وهي النشاطات الإعلامية العفوية المتفرقة، نفسها في دائرة ضيقة يصعب الحديث عن أي نتائج ملموسة ومؤثرة لها. وكل ذلك يطالب المجلس الجديد بوضع خطة إعلامية، تتولى تنفيذها لجنة إعلامية، تتمتع بالكفاءات المهنية الكفيلة بنقل الغرفة من واقعها الإعلامي الحالي إلى المرتبة التي نتحدث عنها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2630 - الثلثاء 17 نوفمبر 2009م الموافق 30 ذي القعدة 1430هـ