أربعة ملايين دينار أردني كانت قيمة الأرباح الصافية التي حققتها صحيفة «الرأي» الأردنية عن الأشهر التسعة الأولى للعام 2009 في الوقت الذي تطحن فيه الأزمة المالية قطاع الصحافة والإعلام في المنطقة العربية وتعلن عدد من المطبوعات إفلاسها وتلجأ بعض الفضائيات لتسريح عشرات من موظفيها.
وبالرغم من انخفاض إيراد الإعلانات والمبيعات في السوق الأردنية إلا أن مجموع الإيرادات التشغيلية «للمؤسسة الصحفية الأردنية» بلغ 20.8 مليون دينار واستطاعت أن تعوض المبالغ الفاقدة من انخفاض الإعلان والمبيع بإصدار صحيفة «الرأي» الإعلانية، مرة كل أسبوع وكانت الحصيلة 15.9 مليون دينار أضيفت لموازنة المؤسسة بعد خصم العمولات والرسوم والضرائب.
تأتي هذه الخطوة في ظل حفلة «ترشيق» لحجم الصحف اليومية الثماني بتقليل عرض الصفحة من 38 سم إلى 35 سم أي بمعدل 3 سم؛ ما ساعد على خفض فاتورة الورق بنسبة 8 في المئة وساهم بضبط كلفة الإنتاج كما جاء في تقرير للزميلة نسرين منصور في صحيفة «الحياة» يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2009 وهو ما أقدمت عليه صحيفة «الاتحاد» في أبوظبي التي ظهرت بحلة وتبويب جديدين، إضافة إلى القياس الجديد المماثل لقياس الصحف الأردنية.
هذا يعني أن هناك صحفا عربية استطاعت تجاوز الأزمة ولم تقف عند حدود الاستجابة الفورية السريعة بالاستغناء عن الموظفين وتخفيض الرواتب والنفقات وشد الأحزمة والمبالغة بالإعصار المالي والذي حط رحاله في هذا القطاع، بل اتخذت مبادرات نفذت على الأرض كان من شأنها تعويض الخسائر وإيجاد مصادر بديلة للدخل يذكر أن الحكومة تساهم برأس مال الصحيفة بنسبة 63 في المئة عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي وهو ما يوفر لها قاعدة عريضة من «الموظفين الحكوميين» والإعلانات التي تسقط عليها دون جهد أو منافسة بل تأتيها من فوق، وهي الأقرب إلى السلطة ويضعونها في خانة «صحيفة الدولة».
سجلت «الرأي» أرقاما قياسية بالتوزيع، حيث تطبع كل يوم أحد ما بين 70 إلى 75 ألف نسخة تقريبا وهو أول يوم عمل في أيام الأسبوع.
ينظر إليها رجل الشارع والقارئ عموما بأنها صحيفة تتسم بالمصداقية ولذلك هناك نحو 15 في المئة من القراء يقبلون على شرائها فقط من أجل صفحات الوفيات، فالقول الشائع أنه من لم يذكر اسمه بوفيات «الرأي» كأنه لم يمت وهي في ذلك تشبه «الأهرام» في مصر أيام عزها وانتشارها أي في عهد الأستاذ محمد حسنين هيكل الذي جعل منها الصحيفة الأولى في العالم العربي.
معلوم أن هناك ثماني صحف يومية تصدر في الأردن ولعدد من السكان يصل إلى نحو 6 ملايين نسمة وأكثر، وهم بحسب الترتيب وحجم الانتشار ووفق الاعتراف السائد: «لرأي، الدستور، الغد، العرب اليوم، السبيل (الإخوان المسلمين)، الأنباط، الديار» وأخيرا «جوردان تايمز» التي احتفلت بعيدها الرابع والثلاثين يوم 27 أكتوبر 2009، حيث صدر العدد الأول منها في 27 أكتوبر 1975 الوحيدة التي تصدر باللغة الإنجليزية في المملكة.
أجواء المنافسات أشعلتها صحيفة «الغد» منذ صدورها ومازالت، وهي صحيفة متجددة وناشئة فرضت نفسها على السوق اعتمادا على سياسات تحريرية وتسويقية متجددة، بعد أن سحبت قراء من «الرأي» و «الدستور» ولجأت إلى أساليب مبتكرة بالتسويق؛ ما زاد لديها اشتراكات المنازل التي تتراوح ما بين 25 و30 ألفا كما هي التقديرات المتداولة ودفع عدد من الشركات إلى الاستعانة بها لترويج بضائعها كما فعلت عندما وزعت على ربات البيوت أكياس برسيل مجانا مع كل نسخة، أو كما كررتها مع مؤسسة أرادت الترويج للتفاح الأميركي بأن أعطت لكل مشترك تفاحة إلى جانب الصحيفة وأوصلتها له إلى البيت لتؤسس لنوع جديد من الدعايات المجانية والمفيدة وهو ما جعل القراء يتحينون مطلع كل شهر لمعرفة ماذا ستحمل إليهم «الغد» من مفاجآت.
تجربة «الغد» جعلتها تحتل المركز الثالث بعد «الرأي» و «الدستور» والأخيرة من الصحف ذات الأقدمية وكانت إلى جانب الرأي الشقيقتين اللتين تتسيدان الساحة الإعلامية في الأردن، والتي تبلغ نسبة مساهمة الحكومة فيها عن طريق مؤسسة الضمان الاجتماعي نحو 36 في المئة.
وكعادة الصحف العربية على العموم من الصعب أن تحصل على أرقام صحيحة عن أرقام التوزيع والمبيع والمرتجع والإعلان، لذلك تبقى التقديرات التي يمكن أن تبني عليها هو ما يتردد بين العاملين في الصحف والمطابع والإعلان، فـ «الرأي» تطبع ما بين 70 و75 ألف نسخة، تليها «الغد» ما بين 50 و55 ألف نسخة، ثم «الدستور» ما بين 40 و50 ألف نسخة ثم «العرب اليوم» وأنت نازل!
لا تمارس الرقابة الرسمية على الصحافة الأردنية قبل الطبع وإن كانت تتفق فيما بينها على عدم الاقتراب من مجموعة خطوط حمر، يلتزم بها كل رؤساء التحرير والعاملين في الصحافة يأتي على رأسها الحكم الملكي والأسرة الهاشمية التي يمنع الحديث عنها إلا بما يصدر بشأنها من بيانات عن الديوان الملكي وهي حالة قائمة منذ أيام الملك حسين، فالملك مصون ولا يجوز الاقتراب منه أو جعله مادة للتحليل والإشاعات ثم يأتي الدين والجنس والوحدة الوطنية التي تعرضت لاهتزازات وانتكاسات خاصة عندما تثار مسائل الوطن البديل للشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال، وقد تنضم إلى تلك القائمة موضوعات يعلن عنها لكن تتم برقابة محكمة وناعمة من مؤسسات الدولة... ولاسيما في الشأن المحلي وما يتصل به من قضايا تمس الأمن الوطني والاستقرار السياسي للدولة.
كما حال الصحف في العالم العربي، باستثناء السعودية التي نجحت بخلق صحف يومية تنتشر في كل المدن والعواصم العربية من الناقورة إلى طنجة في المغرب، مع صباح كل يوم تجد صاحبة اللون الأزرق ضيفة على الصحف اليومية، وأعني بها صحيفة «الشرق الأوسط» ثم «الحياة»، فالصحف الأردنية حدود المنافسة عندها تنتهي عند معبر الرويشيد وبشكل بسيط داخل السوق السورية، لكن بالعموم تبقى طابعها محلي إذا احتسبنا الشأن الفلسطيني امتدادا للشأن المحلي لم تخرج من دائرة جغرافية الأردن وهذا ما ينسحب على الصحافة الكويتية واللبنانية إلى حد كبير وباقي الدول العربية، ما عدا الحالتين القائمتين وهما السعودية ومصر، فـ «الأهرام» و «الأخبار» تصدران طبعات صباحية في معظم مدن الخليج العربي، وقد يكون أحد الدوافع هو الوصول إلى الجاليات الموجودة خارج مصر وفي المحيط العربي بخلاف المشروع السعودي الذي تعدى ذلك ليكون ضمن رؤية وتخطيط ودور يعكس حجم وثقل المملكة العربية السعودية السياسي والاقتصادي.
تشكل المادة المحلية أكثر من 70 في المئة من مجمل المواد الصحافية في معظم المطبوعات اليومية، وهو مؤشر على تراجع الاهتمام بالقضايا الدولية والعربية والحاجة إلى وجود مراسلين متفرغين لهذه الصحيفة أو تلك، بل يتم الاكتفاء بما تبثه وكالات الأنباء مثل كل الصحف في العالم إضافة إلى مصادر أخرى إلكترونية وإن كانت الجبهتان الفلسطينية والإسرائيلية والجبهة العراقية هما أكثر ما يشغل الرأي العام الأردني فالهم الفلسطيني لا يعلو عليه أي هم يليه الهم العراقي وتداعياته، إضافة إلى الشأن الخليجي والسعودي بالدرجة الأولى حيث احتلت هذه المنطقة مساحة واسعة من المتابعة والعناية بحكم الانفتاح الذي حصل بعد سقوط نظام صدام حسين والصفحة الجديدة التي فتحت في عهد الملك عبدالله تجاه كل بلدان مجلس التعاون الخليجي.
العدد 2630 - الثلثاء 17 نوفمبر 2009م الموافق 30 ذي القعدة 1430هـ