العدد 2630 - الثلثاء 17 نوفمبر 2009م الموافق 30 ذي القعدة 1430هـ

إرث أوسلو

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بدأ الاحتفال الرسمي في تمام الحادية عشرة صباحا في حديقة البيت الأبيض. أعلن عريف الحفل حضور الرئيس كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي رابين والرئيس الفلسطيني عرفات. وقفْتُ متجاهلا قوانين الإتيكيت على كرسيّ لأرى أبطال اليوم بصورة أفضل.

كشخص شارك في العملية التي أدت إلى تلك اللحظة منذ البداية، وكإسرائيلي لم يكن باستطاعته قبل شهور قليلة فقط تصوّر إمكانية منظر كهذا، اجتاحتني العواطف. صعد الثلاثة المنصّة لتوقيع اتفاقية تاريخية بين الحركة الوطنية الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية.

عندما صافح رابين عرفات انفجر الجمهور بالهتاف والتصفيق وصرخ الحضور: «برافو». سيطر خطاب رابين على الحدث: «نرغب بفتح فصل جديد في الكتاب المحزن لحياتنا معا، فصل من الاعتراف المتبادل، والحوار الجيد والاحترام المتبادل والتفاهم».

اختار رابين وبيريز التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية لأنه كانت لهما رؤية بعيدة المدى. كانا مقتنعين بصورة كاملة أن ذلك هو الأمر الصحيح الذي يجب عمله لصالح الصهيونية وأمن «إسرائيل».

بعد نحو شهرين تقريبا من التوقيع اعترف رابين أن «أصعب لحظة في فترتي كرئيس للوزراء كانت عندما حان وقت اتخاذ القرار فيما إذا كان يجب عليّ العمل مع منظمة التحرير الفلسطينية أم لا».

جَرَت تلك المقابلة يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1993. بعد سنتين بالضبط، اغتيل رئيس الوزراء على يد قاتل سياسي كريه، يهودي متدين من اليمين، كان مقتنعا أنه باغتيال رئيس الوزراء سوف ينجح في وقف العملية السياسية. وسوف يقول التاريخ كلمته فيما إذا كان قد نجح بذلك أم لا.

كانت الفكرة التي أبرزت عملية أوسلو ضرورة حل النزاع وليس إدارته. من مصلحة «إسرائيل» الحيوية الحاسمة عدم وقف جهودها حتى للحظة واحدة إلى أن يتم التوصل إلى اتفاقية سلام، دون الإضرار بمصالحها الحيوية الحقيقية.

كان المبدأ العملي الذي أرشد عملية أوسلو ترك حكمة الخاسر والرابح التقليدية، ومحاولة تحقيق أكبر عدد ممكن من حالات الفوز للجميع. بعد سنوات قليلة، ساد جو من العداء مرة أخرى وأعيد تكريس حكمة الرابح والخاسر. استُبدِلَت الثقة بانعدام الثقة وتلاشى الأمل.

بوجود العنف والإرهاب وتنامي المعوقات من جانب الفلسطينيين وسلوك عرفات الغريب وعديم الثقة أحيانا، أظهر تحليل لفترة ما بعد أوسلو أن الدور الإسرائيلي في تداعي العملية والفشل في تطبيقها والتوصل إلى اتفاقية الوضع النهائي، هو أمر هائل ولا يقف بالتأكيد عند مسئولية الفلسطينيين عن ذلك الفشل.

تكمن مساهمة «إسرائيل» في فشل المعاهدات بالدرجة الأولى في حقيقة أنها رفضت منذ البداية تعريف أهدافها السياسية بوضوح (دولتان على أساس حدود العام 1967). كذلك تظهر مساهمتها في زيادة عدد المستوطنات والمستوطنين وتدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الفلسطينية، وهذه عمليات تجعل من هدف إنشاء الدولة الفلسطينية أبعد من أي وقت مضى.

الأخبار الجيدة هي أنه رغم التراجع الهائل، إلا أن المرساة ما زالت مربوطة في قاع البحر، وما زالت هناك آلية سياسية تمسك جميع مكونات العملية معا. وتستمر العلاقات بين الحكومتين بالعمل داخل الإطار الذي وضعته اتفاقية أوسلو، حتى في لحظات الأزمة. فقط عندما يخطف مبدأ إدارة النزاع مبدأ حلّه، ويرتكب أحد الطرفين الخطأ الاستراتيجي بأن يقرر أنه لا توجد فرصة للسلام (ويتخذ ذلك القرار نيابة عن الطرف الثاني كذلك) وقتها فقط تتوقف اتفاقية أوسلو وعناصرها عن كونها المادة التي تحافظ على عدم الخروج عن السيطرة بشكل يُعرّض المنطقة بل والعالم كله للخطر.

يريد الجمهور على الجانبين السلام، ومعظم الناس على جانبي الخط الأخضر مستعدون لقبول اتفاقية واقعية عملية يمكن أن تكون كذلك مقبولة من الطرف الآخر. لقد أثبتت استطلاعات الرأي العام التي تُجرَى بشكل منتظم منذ سنوات أن الرجل العادي يريد حلا سلميا وأن المتطرفين على الجانبين لا يشكّلون سوى مجموعة صغيرة نسبيا.

شكلت معاهدة أوسلو حسب اختبار الزمن وما زالت تشكل إنجازا لا سابق له، فقد عنت بالدرجة الأولى الاعتراف المتبادل بين الحركتين الوطنيتين.

يعترف الفلسطينيون بدولة «إسرائيل» وتعترف «إسرائيل» بمنظمة التحرير الفلسطينية على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وأن لها حقوقا شرعية. إضافة إلى ذلك وبعد مئة سنة من الكفاح، اتفق الطرفان على تقسيم الأرض والتخلي عن مطالبهما التاريخية بكامل الأراضي، وهي مطالب كانت حتى الآن السبب الجذري للنزاع. إضافة إلى ذلك ولأن الطرفين اختارا الحل السياسي للنزاع، تم إيجاد آلية لتنفيذ الاتفاقية على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 242، إضافة إلى الاتفاق على القضايا الجوهرية قيد البحث. وقد وفّر هذا التطور كذلك رسالة مهمة، بحيث يجري استبدال لغة الوطنية أو الأصولية الدينية، وكلاهما ترتكزان على عقلية «نحن أو هم»، بمنطق السياسة الواقعية.

في حالتنا لا يوجد يمين مقابل يسار أو ديني مقابل علماني، وإنما مبدأ مشترك يخدم كل طرف وكذلك كلا الطرفين معا. هناك خيار واحد فقط في نهاية المطاف: دولتان على أساس حدود العام 1967، وعاصمتان في القدس، جنبا إلى جنب؛ ما يمكّن كلا الأمّتين من تحقيق تقرير المصير.

* المدير العام لمركز بيريز للسلام، وقد لعب دورا حاسما في إيجاد المسار السرّي لمفاوضات أوسلو غير الرسمية وعمل نتيجة لذلك عضوا في الوفد الإسرائيلي الرسمي المفاوِض تحت قيادة رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2630 - الثلثاء 17 نوفمبر 2009م الموافق 30 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً