العدد 2629 - الإثنين 16 نوفمبر 2009م الموافق 29 ذي القعدة 1430هـ

محطة لمعالجة مياه الصرف أم تشرنوبل مصغرة؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أبريل/ نيسان من عام 1986 وقعت أكبر كارثة بيئية شهدها العالم بسبب خلل فني في إحدى مولدات مفاعل تشرنوبل لتوليد الطاقة في مقاطعة كييف الأوكرانية.

الخلل نجم عن خطأ تقني وزيادة الضغط على المفاعل الذي تسبب في انفجار هائل.

في غزة المحاصرة أفادت محطة الـ BBC أن كارثة بيئية وصحية على الأبواب بسبب تحويل مياه الصرف الصحي النصف معالجة إلى البحر المتوسط.

في مملكة البحرين تبرز ظاهرتان جديرتان بالاهتمام في خليج توبلي، الأولى في تغير لون مياه البحر إلى اللون الأسود بما يشبه لون النفط الخام، وأحيانا إلى لون حليبي قد يكون مرده ضخ مواد لتذويب رواسب مخلفات المجاري والتخفيف من حدتها.

والثانية تتمثل في انبعاث روائح كريهة تغطي المنطقة بأسرها ومقززة للسكان وللعابرين على الشارع العام، تصحبها موجة من نفوق الأسماك بسبب التلوث ونقص الأوكسجين الذي طالت آثاره منطقة ميناء سلمان.

خليج توبلي البائس قصة طويلة، ففي عام 1997 تم اعتباره ضمن قائمة المناطق الرطبة ذات الأهمية الدولية بحسب اتفاقية رامسار التي تضع على الحكومات مسئولية حماية الخصائص البيئية للمناطق الرطبة والتي انضمت إليها مملكة البحرين في فبراير من العام 1998. وقد استجابت مملكة البحرين لشروط هذه الاتفاقية من الجانب التشريعي حين وافقت على مقترح بقانون قدمه كاتب هذا المقال مع عدد من أعضاء مجلس الشورى باعتبار خليج توبلي محمية طبيعية، وصدر القانون رقم 35 في أغسطس من عام 2006 وذلك تفعيلا لما جاء في الفصل الثالث من ميثاق العمل الوطني، وفي المادتين التاسعة والحادية عشر من الدستور. وفي العام 1995 أصدرت الحكومة قرارات عدة لحماية الخليج باعتباره منطقة محمية طبيعية من الفئة (ب). فإلى أي حد تم تنفيذ بنود القانون والقرارات الحكومية؟

لحماية الخليج من كارثة محدقة اتفقت جميع الأطراف المعنية كالهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية، ووزارة البلديات والزراعة، والمجالس البلدية،ووزارة الأشغال، والمجلس الوطني بغرفتيه على وجوب حماية الخليج، ويمكننا إيجاز هذا في ما يلي:


السلطة التشريعية

دعا أعضاء من المجلس التشريعي الى تنفيذ قانون اعتبار الخليج محمية طبيعية، فالنائب ابراهيم بوصندل مثلا استغرب من وجود أراضي معروضة للبيع في خليج توبلي بعد صدور القانون الذي حدد مساحته بـ 13.5 كيلومتر مربع، والذي ألزم الحكومة بتحديد معالمه ومساحته خلال فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر. كما نبّه النائب حسن الرميحي إلى أن الخليج تهدده كارثة ودعا الحكومة إلى البدء في تحديد الخط النهائي للخليج تفعيلا للقانون.فهل توقفت جهود أعضاء السلطة التشريعية عند هذا المستوى؟


الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئية والحياة الفطرية

بحسب القانون يقع الخليج تحت إشراف هذه الهيئة التي ترصد وضع الخليج بصورة مستمرة وتقيس مستوى التلوث. ففي مذكرة رفعت الى مجلس الوزراء في تسعينيات القرن الماضي أشارت المذكرة إلى أن مستويات تركيز المواد المعدنية التي تقذفها محطة المجاري في الخليج كبيرة جدا مما أوجد ظاهرة المد الأحمر المسببة لنفوق الأسماك، وأن مياه المجاري المتدفقة في الخليج تحتوي على تراكيز عالية من البكتيريا.

سمو الشيخ عبدالله بن حمد رئيس الهيئة يبذل جهودا حثيثة، فقد اجتمع في يونيو/ حزيران الماضي بالمسئولين في وزارتي الأشغال والبلديات لتفعيل القرارات الصادرة لتأهيل الخليج ووقف الكارثة.

لجان مشتركة تنعقد، وشركة استشارية تقدم دراسة لمشروع تنظيف الخليج، وأخرى تقدم تصورا لمعالجة مياه الصرف الصحي، ويتوقف الأمر عند الخيارات المتاحة لتمويل المشروع وهنا يكمن مربط الفرس.

بوادر الفرج لاحت بعد أن أعلن سمو رئيس الهيئة عن مشروع إعادة تأهيل الخليج، حيث وافق مجلس الوزراء على الشركة المعنية بتنظيف الخليج وأوكلت لوزارة الأشغال متابعة ملف المجاري في حين أوكلت لوزارة البلديات متابعة أعمال فتح قنوات المياه وتوسعتها وتحديد خط الدفان وذلك وفقا لما صرح به مدير عام الهيئة السيد عادل الزياني،وستتولى الهيئة متابعة أمور التنظيف وإعادة التأهيل وإزالة الترسبات التي بلغت 1500 متر مكعب.

وزارة الأشغال صرحت بدورها في يونيو الماضي أنها شرعت في اتخاذ الترتيبات اللازمة مع وزارة المالية لإسناد وتنفيذ مشروع تطوير محطة توبلي إلى القطاع الخاص، حيث تأمل أن تنتهي من طرح المشروع للمناقصة قبل نهاية هذا العام 2009.

مدير عام الهيئة صرح مؤخرا بأن الشركة من المفترض أن تبدأ أعمالها قريبا لإيقاف أكثر من 80 ألف متر مكعب تضخ من دون معالجة في الخليج.

الضغط يولد الانفجار، فالضغط وضعف مستوى الصيانة الذي فجر كارثة تشرنوبل هو ذات المشكل الذي تعاني منه محطة توبلي، وهذا ما حدا بفعاليات بيئية للتعبير عن تخوفها من أن تعطل المحطة قد يتسبب في حدوث كارثة بيئية في سواحل البحرين المحيطة.

لقد استخدم الخليج لسنوات عدة كمتنفس لمحطة المجاري حتى بلغت نسبة الحياة الفطرية والكائنات الحية فيه إلى الصفر، فأطلق استغاثة جادة للمسئولين لإنقاذ المنطقة من خطر محدق.

فإذا كان أمر الخليج لا يهم أحدا بالمستوى المطلوب فإن تدهور حالة المحطة لا بد أن يكون مصدر قلق على الإنسان والبيئة وعلى سمعة مملكة البحرين التي تلوثها الروائح الكريهة المنبعثة من المحطة والخليج لتعم منطقة شاسعة في قلب العاصمة ذات كثافة سكانية عالية وتقطنها طبقات اجتماعية مختلفة وجهات رسمية محلية وأجنبية.

من جهة اخرى فإن احترام البيئة مؤشر حضاري ومسئولية وطنية، فالبيئة هي الوطن الحاضن لنا جميعا، والمحافظة عليها مؤشر على حب الوطن الذي لا يكتمل إلا باحترام بيئته.

خليج توبلي لم يعد يتحمل أوزار محطة المجاري، فالضغط يولد الانفجار، فهل يقنع هذا الوضع المزري من بيدهم الحل بضرورة تفعيل القانون؟

أم سيبقى القانون حبرا على ورق لينحسر ولاؤنا لهذا الوطن فيتحول إلى مجرد أنشودة لا تتعدى شفاه أطفالنا في المدارس؟ سؤالا تكمن الإجابة عليه في وقف مسببات التلوث بجميع أنواعها وأشكالها. فلا عذر أو مبرر لمن يتسبب في تلويث بيئة الوطن.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2629 - الإثنين 16 نوفمبر 2009م الموافق 29 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً