العدد 2629 - الإثنين 16 نوفمبر 2009م الموافق 29 ذي القعدة 1430هـ

في الكويت... حل الأزمة بشكل جذري أفضل من حل المجلس بشكل دوري

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تقترب الكويت من فوهة بركان يغلي وينذر بانفجار أزمة سياسية جديدة بين الحكومة والمعارضة، قد تؤدي إلى حل مجلس الأمة كي تدخل الكويت مرة أخرى في نفق يصعب التكهن بالزمن الذي تحتاجه كي تخرج منه، وبأقل الخسائر الممكنة.

سبب الأزمة يعود، كما تناقلته أجهزة الإعلام، إلى «تقدم النائب الاسلامي الكويتي فيصل المسلم بطلب رسمي لاستجواب رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر محمد الصباح بتهمة هدر المال العام، (بالإضافة إلى) اتهامات لمكتب رئيس الوزراء بارتكاب تجاوزات مالية وهدر اموال عامة تقدر بعشرات ملايين الدولارات خلال الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات مايو/ آيار 2008».

وبحكم منصبه، أكد رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي استلامه طلب الاستجواب، مشيرا إلى انه «أبلغ رئيس الوزراء بهذا الاستجواب الذي أدرج في جدول أعمال جلسة 8 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، معربا عن أمله في أن يتمكن المجلس من إنهاء مثل هذه المواضيع بالاخوة والمحبة».

الملفت للنظر فيما يجري في الكويت خلال السنوات الثلاث الماضية، هو تكرار حل المجلس وإعادة إجراء انتخاباته المبكرة، فمنذ مايو 2006، حل البرلمان ونظمت انتخابات مبكرة ثلاث مرات على التوالي، مما يشير إلى وجود أزمة حقيقية في ساحة العمل النيابي الكويتي من جهة، وفي الأطر التي باتت تنظم العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة ثانية.

وتجدر الإشارة هنا إلى ان الشيخ ناصر الصباح ذاته قد شكل في السنوات الثلاث الماضية ست حكومات برئاسته جراء نتائج تمخضت عنها حالات مشابهة كالتي يشهدها المجلس اليوم، وكانت الحالة الاستثنائية الوحيدة، هي جلسة برلمانية عقدت في يونيو/ حزيران 2009، عندما حاز الشيخ جابر الخالد الصباح على ثقة البرلمان كوزير للداخلية، كي ينهي بفضل جهود مكثفة بذلها حينها الخلاف حول الملف الذي كان من الممكن أن يقود البلاد إلى أزمة جديدة.

قراءة متأنية لما جرى سياسيا في الكويت خلال هذه السنوات الثلاث من إجراءات حل المجلس وما يعقبها من إجراءات تأليف الحكومة يكشف عن مشكلة بنيوية باتت تحكم العلاقة بين المعارضة الكويتية وحكومتها، فمن جهة لم تعد الدولة الكويتية متقدمة في سلوكها السياسي على المعارضة، كما كانت عليه الحال في فتراتها الذهبية ابان حكم الأمير الراحل عبدالله السالم، وبالمقابل، لم تعد المعارضة الكويتية تتمتع بالمرونة السياسية، وتمتلك المهارات البرلمانية التي كانت تنعم بها في منتصف الستينيات وحتى مطلع السبعينيات. وفوق هذا وذاك لم تكن هناك الأزمة المالية العالمية، والتذبذب في أسعار النفط، وانعكاس ذلك سلبا على الوفرة المالية التي كانت بحوزة الدولة الكويتية، والتي كانت تضع بتصرفها هامشا من حرية التصرف المالي أوسع من الذي بحوزتها اليوم. كما لا ينبغي أن نغفل العوامل «التأزيمية»، التي زرعها في الكويت غزو قوات صدام لها في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

لا ينبغي أن نستخلص من ذلك ما ينتقص من دور المعارضة، أو ما يشير إلى تجريد الحكومة الكويتية من قنواتها التحكمية، أو إفلاس خزينتها المالية، لكننا بالقدر ذاته، علينا أن نرى أن محصلة تطور الكويت: حكومة ومعارضة ودخلا وطنيا، وغزوا «صداميا»، أدى في نهاية الأمر إلى أن تصل العلاقة التي تسير الحياة السياسية إلى ما آلت له اليوم، كي تجد الكويت نفسها أمام طريق مسدود، يضعها أمام خيارت محدودة في غاية الصعوبة.

أول تلك الخيارات هو ان تضيق الحكومة ذرعا بهذا «الإزعاج» الذي تسببه المعارضة، وترغمها على المراوحة عند مكان واحد، وتعتقد، أي الحكومة، أن أفضل الحلول هو حل البرلمان بشكل نهائي، والاستغناء عنه كسلطة تشريعية، كي تعود الكويت إلى سابق عهدها، أي إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، وما سبق إنجازات عصر عبدالله السالم، «أبو دستور الكويت»، ووالد مسيرتها الديمقراطية. وفي هذه الخطوة إرجاع للمجتمع الكويتي برمته نصف قرن إلى الوراء، والزج بالكويت في أتون نظام ديكتاتوري، يفقد الكويت الكثير من المكاسب السياسية والاجتماعية، بل وحتى الاقتصادية، التي حققتها خلال تلك الفترة، والتي ضخمت صورة الكويت، بشكل إيجابي، وعززت من حضورها على المستويين الإقليمي والدولي، وكانت أحد الأسباب الرئيسية التي مدت الكويت بالتعاطف الذي حظت به الكويت في معركة تحريرها ضد الاحتلال «الصدامي».

ثاني تلك الخيارات هو الاستمرار في دوامة حل البرلمان، وإجراء الانتخابات في وقت مبكر، يتبع ذلك تشكيل حكومة جديدة، وهكذا دواليك. هذا الخيار سينهك الطرفين، وينعكس سلبا على مشروعات التنمية، ويزرع عناصر الاضطراب وعدم الاستقرار. ويدفع المجتمع الكويتي برمته نحو دوامة من الاضطرابات، يدور الجميع أفقيا في حلقاتها دون أن يحقق أي طرف أي تقدم باتجاه أي من الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها.

ثالث تلك الخيارات، هو جلوس الطرفين: معارضة وحكومة على طاولة المفاوضات، وإجراء حوار صريح يستند إلى دراسة شفافة وعلمية للواقع السياسي الكويتي والتطورات التي عرفها منذ الاستقلال وحتى اليوم، والخروج بصيغة جديدة تعالج الأزمة وتضع الحلول المناسبة لها بدلا من الاكتفاء بحل المجلس، الذي لا يعدو كونه دواء عفويا اعتباطيا للأعراض دون سبر أغوار الأسباب.

ربما آن الأوان كي يعترف الجميع، وفي مقدمتهم الدولة، أن هناك حاجة ماسة للبحث عن مخرج جديد، تماما كما فعل، وبكل جرأة الشيخ عبدالله السالم، لا يتخطى المشاكل، بقدر ما يقف عند أسبابها، ولا يهمل العقبات، بقدر ما يفحص العوامل التي أوجدتها.

ولعل أول خطوة على هذه الطريق، هو استعداد الطرفين، المعارضة والدولة لتقديم بعض التنازلات لبعضهما البعض، بعيدا عن أي عنتريات غير ضرورية، أو انتقامات قبلية لم تعد مقبولة في هذا العصر من أجل حل المشكلة السياسية بشكل جذري عوضا عن حل المجلس النيابي بشكل دوري.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2629 - الإثنين 16 نوفمبر 2009م الموافق 29 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً