تقرير Cost of Conflict in The Middle East ، الصادر عن موسسة Strategic Foresight Group، ومقرها الهند، بالتعاون مع حزب العدالة والتنمية التركي، ووزارة الخارجية السويسرية، ووزارة الخارجية النرويجية، ومؤسسة قطر يطرق بابا جديا في الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية من خلال قياس وتقدير الكلف التي تسببها فيها الصراع المستمر في الشرق الأوسط، ونستعرض المزيد مما ورد في التقرير.
يعتبر الأطفال أكثر الفئات تضررا بسبب النزاعات المسلحة ويسوق التقرير نماذج لمعاناة الأطفال في كل من العراق وفلسطين. وهكذا نلاحظ أن الأطفال وهم أكثر الفئات السكانية ضعفا وقلة حيلة هم أعلى نسبة من ضحايا القتل والجرحى والاعتقال والنزوح.
تعتبر بلدان الشرق الأوسط الأكثر في فرض الخدمة العسكرية وتصنف إلى ثلاث فئات:
-1 بدون خدمة عسكرية (دول مجلس التعاون الست)
-2 خدمة تطوعية (الأردن والعراق في ظل الحكم الجديد)
-3 خدمة إجبارية (مصر، إيران، إسرائيل، لبنان، ليبيا، سورية).
وتعتبر «إسرائيل» الأكثر دقة وشمولا للخدمة الأجبارية حيث يجبر الرجال لمدة ثلاث سنوات والنساء سنتين، ويستثنى عرب «إسرائيل» ومن لديهم ممانعة دينية من الخدمة العسكرية.
وقد تسببت الحروب الخارجية والداخلية في المنطقة وخصوصا الحروب العربية الإسرائيلية والحرب العراقية الإيرانية في التوسع في التجنيد العسكري، وبقاء المجندين سنوات طوال في الخدمة العسكرية أو المرتبطة بالجهاد العسكري، وحدوث خسائر بشرية واسعة في أوساطهم، وإلحاق أضرار بليغة بالاقتصاد الوطني والتنمية نتيجة التجنيد الواسع لقوى العمل.
عمقت الحروب والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط من النزاعات المذهبية والدينية بعضها مستمر والبعض الآخر متواتر أو من وقت لآخر. فهناك التوتر الإسلامي القبطي في مصر، والشيعي السني في العراق ولبنان وعدد من دول الخليج والجزيرة العربية، والشيعي البهائي في إيران. لكن الأخطر هو ما يجري في العراق حيث تتسبب النزاعات الدينية والمذهبية والعرقية وخصوصا التفجيرات الانتحارية في خسائر جمة في الأرواح والممتلكات ونزوح واسع.
ومن أفدح الخسائر التي لحقت بالعراق تلك التي لحقت بالتراث الحضاري بالعراق والذي يعتبر مهد الحضارات في المشرق. فقد نهبت المتاحف والمكتبات الغنية بالآثار والمخطوطات والكتب النادرة ودمر كثير منها وهرب الكثير كما لحقت بالمواقع الأثرية القديمة مثل أور دمار وفجرت المساجد والكنائس التاريخية. هذه الخسائر لا تعوض وهي خسارة للبشرية كلها ويسرد التقرير كشفا يبين هذه الخسائر
ورغم الكلفة الباهظة للنزاعات في الشرق فإن الرؤية في العديد من بلدان اوروبا العالم رؤية نمطية لا تستوعب تعقيداتها ومسئولية الغرب عنها، أما في أميركا فإن هناك انحياز فاضح إلى جانب «إسرائيل».
أما بالنسبة إلى رؤية الرأي العام الغربي لإيران فهي نظرة سلبية لكن أسوأ ما خيم على العلاقات ما بين الغرب والبلدان العربية هي أحداث 11 سبتمبر / أيلول 2001 كما يتبين من خلال استبيان للرأي العام.
وتعكس استطلاعات الرأي العام هذه مصادر عديدة للتوتر ما بين المنطقتين ومظاهر لعدم الثقة واحداثا خطيرة مثل القيود الشديدة على تأشيرات دخول العرب لأوروبا وأميركا ومنع دبي من تملك فروع شركة في الموانئ الأميركية وتكرس صورة نمطية سلبية للغرب في الاعلام الغربي، والرسوم الكرتونية الدنماركية المسيئة للنبي محمد (ص).
تسبب الحصار الغربي الذي فرض على العراق بأثر غزوه للكويت في 1990 في تدهور مختلف أوجه الحياة في العراق وخصوصا الصحة والتعليم، ثم جاءت كارثة الغزو الأميركي للعراق والتي أدت إلى اشتعال حرب أهلية وفوضى لا سابق لها، لتطيح بمنجزات مهمة للعراق في التنمية والتعليم والصحة والخدمات الأخرى ويقدم التقرير أرقاما ذات دلالة في العدد
1970- نصيب التعليم من الناتج الوطني العام 5.2 %
1981- هبوط نصيب التعليم في الناتج الوطني العام إلى 3.3 % وهبوط الالتحاق بالتعليم الابتدائي إلى 47 %
2000- نسبة الالتحاق بالدراسة الثانوية 38 %
2003- حرب الخليج الثانية
- نسبة الالتحاق بالدراسة الابتدائية 89 % رغم تدهور رواتب المدرسين لمعدل 5 $ - 40 $ شهريا
2006- هبوط نسبة الالتحاق بالدراسة الابتدائية إلى 46 % وتدهور نسبة الدوام في جامعة بغداد إلى 5 %
2007- اغتيال الاكاديميين على نطاق واسع
2008- بقاء ما بين 30 % و40 % من طلبة الجامعة في البيوت خوفا من الاغتيال أو التفجيرات
- هجرة ما لا يقل عن 3 آلاف أكاديمي البلاد
- ارتفاع نسبة الأمية إلى 40 % مقارنة بـ 30 % في 2003
ألحقت الحرب الإسرائيلية ضد لبنان خسائر جسيمة في البنية التحتية والمؤسسات المدنية الخدمية وخصوصا المستشفيات والمدارس حيث تم تدمير 50 مدرسة بالكامل و300 مدرسة بشكل جزئي وتعطل 40 ألف تلميذ وتلميذة عن الدراسة. لكن الأخطر هو الآثار بعيدة المدى التي خلفتها الحرب على نفوس الأطفال ماديا ونفسيا بحيث أدت إلى انحطاط أدائهم الدراسي وستظل صورة الحرب تلاحقهم طوال حياتهم.
على خلاف المجتمعات السوية التي تسعى إلى الاندماج والسلام والثقة والصداقة، فإن المجتمعات - التي تسودها ثقافة العنف تعاني من أمراض جماعية وتردي أهمها سواد الانتهاكات المادية والجسدية، والترويع والاختطاف والاغتصاب والانتقام والتعذيب والمتاجرة في البشر والعنف الأسري وتسودها ثقافة التعصب والانغلاق ومصادرة الحريات والتطرف وعدم التسامح وانهيار المؤسسات... وللحديث بقية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 2629 - الإثنين 16 نوفمبر 2009م الموافق 29 ذي القعدة 1430هـ