العدد 2628 - الأحد 15 نوفمبر 2009م الموافق 28 ذي القعدة 1430هـ

المسار البديل في العلاقات الإيرانية الروسية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أكثر ما لَفَتَ الانتباه خلال الأسبوعَيْن المنصرفيْن في التصريحات الإيرانية هو تصريح عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، ودعوته إلى «عدم ربط استراتيجية إيران بتكتيك روسيا المتغير»!.

التصريح جاء ليعكس هَمْسَا داخليا في إيران يقول به عدد من السياسيين مفاده بأن نظرة موسكو لطهران «ليست استراتيجية» وبالتالي «لا ينبغي على طهران أن تُضحّي باستراتيجيتها من أجل تحقيق أهداف سياسية».

هذا الموقف تَبِعَتْه عدّة تصريحات مماثلة (أو مُنتقِدة) للموقف الروسي بشأن تلكّؤ موسكو عن تزويد طهران بمنظومة صورايخ إس 300 رغم توقيع البلدان لاتفاقية مُسبقة بهذا الشأن.

التصريحات المماثلة صَدَرَت عن كل من وزير الخارجية منوشهر متّقي والدفاع أحمد وحيدي ومن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي، لكن أبرزها هو التصريح المنسوب لرئيس هيئة الأركان الإيرانية اللواء حسن فيروزآبادي.

فقد دعا فيروزآبادي روسيا «إلى أن تأخذ بنظر الاعتبار ضمن استراتيجياتها أهمية موقع إيران بالنسبة إلى أمن روسيا، وهو أمر يشجعها لأن تُسْرِع في تسليم منظومة الصواريخ الدفاعية (إس 300) لإيران».

هنا وقبل أن ندخل في تفصيل التصريحات والمواقف يجب أن نُشير إلى أهمية هذيْن التصريحيْن بالنسبة للسياسة الإيرانية. فأعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني يُوازون أعلى مستويات اتخاذ القرار في إيران.

فهم يضطلعون بدور رئيسي فيما يخصّ الملف النووي الإيراني، وموضوع البروتوكول الإضافي. وفي السابق كانت لهم حظوة الحضور الدائم في محادثات إيران مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن العراق. وفي الداخل الإيراني كانوا ضمن المدار الذي أدار الأزمة التي أعقبت الانتخابات العاشرة.

فيما يتعلّق باللواء فيروزآبادي فهو أحد أهم القادة العسكريين في إيران. فهو يحظى بثقة خاصة لدى المرشد الأعلى. وهو عضو رئيسي في مجمع تشخيص مصلحة النظام، وأيضا ضمن الدائرة الأمنية الضيقة.

وفي الأمر الذي أصدره المرشد لوزير الداخلية مُؤخرا لمنحه جزءا من صلاحيات القائد الأعلى الأمنية، ضمّن المرشد أمره بعبارة «وستبلّغ وزارة الداخلية باللائحة التفصيلية للصلاحيات عبر رئاسة هيئة الأركان» التي يرأسها فيروزآبادي.

على أيّة حال. فإن التصريحات الإيرانية حامِلَة لوجهَيْن. الأول: أنها تأتي كتشكيل لمسار سياسي خارجي باتت تختطّه طهران في علاقاتها مع موسكو. والوجه الثاني للتصريحات: أنها نوع من ممارسة الضغوط على روسيا في ظل حاجة الأخيرة للاستيلاء على عدد من الملفات الهامّة في الإقليم.

فيما خصّ الوجه الأول للتصريحات، فإن الإيرانيين لا يُريدون أن يتحوّلوا إلى مخزون من «المصالح المُجزّأة» في يد الروس (أو غيرهم)، ويتم المقايضة بهم وعليهم في صفقات كبرى ذات طابع براغماتي أحادي على حساب مصالحهم.

وهم يتذكّرون في ذلك موضوع ملفهم النووي الذي وافَق الروس على جميع القرارات الأمميّة الأربعة التي صدرت بشأنه، باستثناء بعض التحسينات التي طُولِب بها لتعديل تفصيلات القرارات كي لا يُؤثّر على العلاقات التجارية بين موسكو وطهران.

كذلك فهم كانوا يراقبون بحذر كيف ستتم تسوية مشكلة الدرع الصاروخي الذي كان مُقرّرا نشره فوق الأراضي البولندية والتشيكية لاعتراض صواريخ باليستية عابرة للقارات، وهل أنها ستتم على حسابهم، رغم أن الموضوع قد تّمت تسويته لدواعٍ أمنية دولية بالدرجة الأولى.

وهم اليوم يتخوّفون أيضا من أن تتراجع موسكو عن تسليمهم منظومة الصورايخ المضادة (إس 300) المتطورة. وهم يُراقبون الموقف الروسي الذي يُلاحق أيّة ملفات إقليمية أو دولية بحاجة إلى تسوية عبر موسكو لكي تتم المقايضة بشأنها.

وبالتالي فهم (أي الإيرانيون) يدفعون بأن تتحوّل علاقاتهم مع موسكو من مسار استراتيجي يخرج من طهران إلى موسكو، ثم يرتدّ من موسكو إلى طهران بمسار تكتيكي، إلى مسار متماثل في خطّيه الأول والثاني.

فيما خصّ الوجه الثاني للتصريحات، فإن طهران قد تهدف من تلك التصريحات إلى الضغط على موسكو وتذكيرها بعدد من الملفات التي تعتبرها روسيا مهمّة بالنسبة لها، وتمسّ مستقبل القوقاز المجاور لها، ويتعلّق بالأمن والطاقة.

في موضوع الطاقة (وهو الأهم) يطمح الروس في إعاقة مشروع نابوكو الذي يبدأ من آذربيجان ويمّر عبر تبليسي بجورجيا (متحاشيا المرور بالأراضي الروسية)، ثم ينحرف صوب تركيا مرورا ببلغاريا ورومانيا وهنغاريا وصولا إلى النمسا، ومنه إلى أوروبا الغربية.

والروس يُصرّون على إقامة خط ساوث ستريم الذي يخرج من روسيا ثم البحر الأسود مرورا ببلغاريا واليونان وصولا لإيطاليا، وخط آخر نحو صربيا وهنغاريا وسلوفينيا وصولا للنمسا، وبالتالي إبقاء ثلثي حاجة أوروبا من الغاز على روسيا كما هو حاصل اليوم.

إذا، ما هي حاجة روسيا لإيران في هذا الموضوع؟ باختصار فإن الروس (ولإعاقة مشروع نابوكو) دأبوا على شراء معظم الغاز الأذربيجاني لكي تظل باكو عاجزة عن تلبية احتياجات الخط الجديد من الغاز والذي يدفع به الأوروبيون ومن خلفهم الأميركيون.

وعليه، فإن موسكو تطلب من طهران شراء أكبر كميّة من الغاز الأذربيجاني كبديل عن الغاز التركمانستاني الذي تشتريه طهران اليوم، لكي تُمسِك بخناق نابوكو أكثر، وتتفرّغ هي لشراء بقيّة الحصص والأسهم في شركات الطاقة الأوروبية في إيطاليا والنمسا وألمانيا.

فآذربيجان مُطالبة بتوفير 283 مليار قدم مُكعّب من الغاز في السّنة، أي ربع الكميّة التي تمرّ على الخط، وبالتالي فإذا دخلت طهران كزبون دولي طموح فإن باكو ستكون عاجزة تماما عن تلبية احتياجات الخط الجديد.

اليوم يُقايض الإيرانيون الروس حول هذا الموضوع. وقد قاوموا التسعيرة المُضافة التي فرضتها تركمانستان عليهم في يناير من العام 2008 لإبقاء الأخيرة مصدرا بديلا عن آذربيجان حتى تتمّ تسوية الأمر مع موسكو ضمن سلّة مصالح أكثر اتساعا، بينها تسوية بحر قزوين.

في المحصّلة فإن كلّ شيء في العلاقات الدولية مدخور للصفقات الكبرى والمتوسطة والمصالح ذات السقف العالي. وإذا ما استطاع الإيرانيون إقامة نوع من السياسات النّدّية بشكل أكبر، فقد يُؤدي ذلك إلى حالة من التوازن السياسي لصالحهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2628 - الأحد 15 نوفمبر 2009م الموافق 28 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:33 م

      شكراً لك

      كالعادة مقال متخم بالمعلومات السياسية , شكراً للأستاذ محمد . ليلى علي

    • زائر 2 | 7:39 ص

      شكرا

      هذا الدب الروسي يوم يأكل منك ويوم يعضك

    • زائر 1 | 5:38 ص

      تحليل رائع

      لقد استفدت من قراءة هذا المقال الرائع، شكراً للكاتب.

اقرأ ايضاً