العدد 2627 - السبت 14 نوفمبر 2009م الموافق 27 ذي القعدة 1430هـ

كلفة الصراع في الشرق الأوسط (3)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

ُ التاريخ الدامي للشرق الأوسط وصراعاته المحلية والاقليمية له كلفة، وهذا ما يشرحه اليه تقرير Cost of Conflict in The Middle East ، الصادر عن موسسة Strategic Foresight Group، ومقرها الهند، بالتعاون مع حزب العدالة والتنمية التركي، ووزارة الخارجية السويسرية، ووزارة الخارجية النرويجية، ومؤسسة قطر. ونواصل شرح جوانب من الكلف الذي تعرض لها التقرير.

خطر مهاجمة محطات التحلية

تعتمد دول مجلس التعاون اعتمادا شديدا على المياه المحلاة من البحر للشرب وغيره (السعودية 41 في المئة) والكويت والإمارات (36 في المئة) وباقي دول الشرق الأوسط (23 في المئة) كما تعتمد هذه البلدان على مياه الصرف الصحي المعالجة كمصدر للري (سورية 31 في المئة) و(السعودية 34 في المئة) وباقي البلدان (35 في المئة) ولذلك فإن أي أضرار تلحق بنظام التحلية ونظم المعالجة سيخلف كارثة للسكان أولا والصناعة والزراعة ثانيا.

التلوث الكاربوني في حروب المستقبل

تعاني مدن الشرق الأوسط أصلا من ارتفاع كبير للتلوث الكاربوني الناتج عن عوادم السيارات والمصانع وغيرها، والذي هو في ازدياد وسيترتب على أية حرب قادمة مضاعفة ذلك.

فقدان التنوع البيئي

ترتب على حروب الخليج إلحاق أضرار جسيمة ببساتين النخيل والشعب المرجانية وتلويث المياه والتربة وباطن الخليج وخلجانه كذلك الأمر بالنسبة للحروب العربية الإسرائيلية حيث ألحقت أضرارا بالأراضي الزراعية وسواحل لبنان والشعب المرجانية.

وقد ترتب على ذلك خسائر جسيمة في التنوع البيولوجي في النباتات والحيوانات والأسماك والحشرات وغيرها البرية والبحرية.

3-8 الإضرار بالزراعة

كانت الزراعة والتي هي مصدر نسبة كبيرة من السكان وعماد النظام البيئي من الحروب التي تعرض لها لبنان والأراضي المحتلة والخليج العربي، لكن الآثار استمرت بعد توقف الحروب بسبب تلوث التربة والمياه الجوفية ونزوح المزارعين. إن هذه المنطقة تعاني أصلا من عجز غذائي وسيتفاقم الوضع بشكل لا سابق له في حالة نشوب حروب في المستقبل.

الثمن الاجتماعي والسياسي

إن استمرار الصراعات في الشرق الأوسط، وعدم استإصال مصادر هذه الصراعات وحلها حلا عادلا ودائما، يجعل من المنطقة مسرحا للتوتر والإرهاب والحروب المحتملة ويحول دون تطورها وازدهارها. ورغم أن تنظيم القاعدة المسئول عن هجمة 11 سبتمبر/ أيلول ووجودها في أفغانستان أساسا، فقد اختارت الولايات المتحدة أن تشن الحرب على العراق غير السؤال عن ذلك، وبذلك فاقمت من ظاهرة الإرهاب. حققت دول الخليج العربية تقدما اقتصاديا واجتماعيا باهرا بما توفر لها من عوائد النفط والاستقرار السياسي حيث هذه المنطقة واحة للازدهار وسط محيط مضطرب. إن المناخ الذي تخلقه الحروب واستمرار النزاعات يخلق بيئة من عدم الاستقرار والتوتر والتطرف وينعكس سلبا على الاستقرار السياسي والتماسك المجتمعي ويدفع أفضل الكفاءات إلى الهجرة.

انهيار العلاقات الإنسانية

ظلت منطقة الشرق الأوسط موحدة على امتداد أربعة قرون تقريبا 1517-1917 رغم حروب الدول فقد ظلت العلاقات ما بين العائلات والمجموعات السكانية مزدهرة ولكن هذه العلاقات قد تمزقت الآن. وهناك عدة شواهد على ذلك منها الحجر على السفر ما بين الإسرائيليين من ناحية والعرب وإيران من ناحية أخرى، وحتى التفاعل فيما بينهم وغياب أية خطوط مباشرة ما بين «إسرائيل» من ناحية والعرب وإيران بما في ذلك الدول المتصالحة مع «إسرائيل» الأردن ومصر، وحتى مواطنو البلدان الأخرى يستطيعون السفر المباشر ما بين «إسرائيل» ودول الشرق الأوسط، ولا يوجد هناك أي تبادل ثقافي ما بين «إسرائيل» ودول الشرق الأوسط.

وهو ما لم تفعله الدول المتصارعة قبل الهند وباكستان أو الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (سابقا).

الدين في السياسة

ساعدت النزاعات في الشرق الأوسط المجموعات والأحزاب السياسية لتعبئة الجماهير باستخدام الدين حيث تراوحت سلطة رجال الدين على الدولة بشكل متفاوت من سيطرة مطلقة كما هو في إيران أو بالتواكد مع السلطة الحاكمة كما في السعودية، أو من خلال المؤسسة التشريعية.

أسهمت الصراعات في الشرق الأوسط من تمكين التنظيمات السياسية وخصوصا الإسلامية من تعبئة الجماهير مستخدمة الدين بحيث ارتفع تمثيلها في المجالس التشريعية رغم تدخل السلطات الحاكمة، وتظل إيران دولة ثيوقراطية (دينية) خالصة منذ انتصار الثورة الإسلامية في 1979، في حين أن تركيبة السلطة في السعودية هي شراكة بين أسرة آل سعود الحاكمة وأسرة آل الشيخ الدينية منذ تأسيس الدولة حيث رئيس مجلس الشورى المعين من آل الشيخ.

حرب الصحافة

تحتل دول الشرق الأوسط ما بين المكانة المتوسطة (حرة نسبيا) والمتدنية (ليست حرة) . رغم أن تقييد أو إطلاق حرية الصحافة مناطة بالسلطة الحاكمة، غير أن النزاعات توفر مسوغا لتقييد وسائط الإعلام، فمثلا هناك رادع للتغطية الخبرية في العراق بعمليات الانتقام إلى الحد الذي جعل السلطات الأميركية توصي الصحافيين الأميركيين بضمان الحماية من قبل القوات الأميركية وتفرض عليهم ضوابط عما يكتبون.

تقييد الحريات المدنية

تتسبب النزاعات في خلق بيئة مواتية للاستبداد ومسوغا للحاكم بتقييد الحريات المدنية واستدامة حكمه رغم وجود أسباب وظروف عديدة وراثية للاستبداد، إلا أنه بالنسبة للشرق الأوسط فقد مكنت النزاعات الأنظمة الاستبدادية من سن قوانين وتكريس ممارسات مفرقة في استبداديتها ومصادرتها للحريات.

إذا ما تمعنا في الجدول المذكور فإننا سنرى بأن الجزء الأكبر من الاختلالات في الحياة السياسية والمدنية والقيود المفروضة عليها والتمييز تبعا لاعتبارات قبلية أو مذهبية أو دينية أو قومية والتهميش والتمييز بحق الأقليات، هو نتيجة تركيبة من العوامل التاريخية والمجتمعية وطبيعة الأنظمة الحاكمة، لكن بعضها استجد والبعض الآخر تفاقم بنقل النزاعات بدرجاتها المتفاوتة ومصادرها ففرض الأحكام العرفية كما تم في سورية ومصر في أعقاب حرب يونيو 1967 والقوانين التعسفية في إيران بعد حربها مع العراق 1981-1987 وأن القوانين والاجراءات المقيدة للحريات الدينية والأكاديمية والاعلامية والسياسية والنقابية، وتحول الأنظمة الجمهورية بشكل خاص إلى أنظمة استبدادية يحكمها الفرد أو حزب الحاكم أو الحزب الواحد وانتهاء تداول السلطة والتوريث مرتبط بالحروب الأهلية والنزاعات الخارجية والداخلية كما في العراق والسودان ولبنان وسورية كما انعكست الأزمة في صورة صراع مع قوميات وأقليات قومية كما في السودان والعراق، أو أقليات دينية كما اليمن ومصر، كما شهد لبنان حربا أهلية بدت سياسية ثم تحولت إلى حرب فيما بين الطوائف اللبنانية أهدرت حقوق جميع الطوائف والشعب اللبناني ككل واللاجئين الفلسطينيين والعمالة السورية.

وحتى البلدان التي لم تشهد نزاعات مسلحة فقد انسكبت إليها التوترات من جوارها مثل السعودية التي شهدت في مرحلة أولى توترا مع الشيعة نتيجة تفاعلات الثورة الإسلامية الإيرانية ثم تنظيم «القاعدة» نتيجة الحرب في أفغانستان والغزو الأميركي الأطلسي لها، وكذلك الكويت والإمارات وإن على نطاق أضيق، وخلص التقرير إلى ما يلي بخصوص:

مصر كرست القوانين والتشريعات التمييز ضد المرأة، تتحكم الدولة بالصحافة والاعلام.

وفي إيران يحرم على المسلمين التحول لديانات أخرى بالإعدام، أعلى عدد من اعدامات الأحداث، تمييز ضد المرأة في الأهلية والحقوق.

وفي العراق استهدف العنف المجموعات الدينية، و قتل النساء بداعي الشرف.

وفي «سرائيل» تنكيل و قمع شديد بحق الفلسطينيين، و تمييز ضد عرب 1948.

وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة قيود شديدة على الانتقال تحت الاحتلال، ومصادرة أراضي الفلسطينيين للمستوطنات الإسرائيلية.

وهكذا هي الحال في الدول الأخري التي يتمون منها الشرق الأوسط، وهو ما يؤشر الى ان كلف الصراع ليست محدودة في جانب معين او في بلد محدد فقط، وانما هو داء يشمل جميع الدول تقريبا. ... وللحديث صلة

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2627 - السبت 14 نوفمبر 2009م الموافق 27 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً