العدد 2627 - السبت 14 نوفمبر 2009م الموافق 27 ذي القعدة 1430هـ

الصين وحقوق الإنسان في عالم متغير

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

قضية حقوق الإنسان أصبحت تحتل أهمية متزايدة على الساحة الدولية، نتيجة لعدة عوامل في مقدمتها:

1- تطور المواثيق والصكوك والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948م.

2- الأزمات الدولية التي تعرضت لها بعض الدول منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، خاصة في إطار سياسة الحرب على الإرهاب وما أدت إليه منذ غزو أفغانستان والعراق وتدهور الأوضاع في الصومال وحوادث سجن أبوغريب في العراق ومعتقل غوانتنامو.

3- استمرار حالة التدهور في أوضاع حقوق الإنسان خاصة حالات الطوارئ في بعض الدول وانتشار التعذيب في عدد من الدول النامية وخاصة العربية والإفريقية، واستخدام الولايات المتحدة لعلاقاتها مع بعض الدول لنقل من ترغب في استجوابهم بأساليب غير إنسانية لبعض الدول العربية أو الأوروبية بعيدا عن رقابة القانون الأميركي.

4- حالة التردي والتهميش لبعض الدول الإفريقية خاصة في عملية التنمية وانتشار الفقر وزيادته في العديد من دول العالم وعقد مؤتمر الألفية للأمم المتحدة وصدور أجندة الألفية والأهداف التي وضعتها، بما في ذلك مكافحة الفقر والأمراض الخطيرة.

5- تزايد المنظمات غير الحكومية على المستوى الدولي والإقليمي والوطني التي تراقب وتتابع ممارسات العديد من الدول وتنشر تقاريرها وتمارس ضغوطها على العديد من الدول.

6- تآكل مفهوم السيادة التقليدي وتبلور مفهوم الحقوق الإنسانية العامة منذ الربع الآخر من القرن العشرين، وتزايد ترسخ هذا المفهوم - ومفهوم الحق في التدخل الإنساني - بعد حرب الخليج الثانية التي ارتبطت بغزو العراق للكويت العام 1990م، ثم القرارات الدولية العديدة الخاصة بالعراق وكذلك الحروب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة، وما تعرضت له البوسنة والصرب بوجه خاص، وإحداث الصراع الدموي في رواندا وبوروندي وبعد ذلك الأوضاع في السودان سواء في الجنوب أو في دارفور، أضف لذلك أحداث الشيشان في روسيا والتبت وسينكياشج في الصين وغيرها من ممارسات العديد من الدول، ناهيك عن ممارسات «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحربها ضد لبنان (حزب الله) 2006م، ثم ضد غزة (بقيادة حركة حماس) 2008م.

7- استخدام السياسة الأميركية لقضية حقوق الإنسان كإحدى ركائز سياستها الخارجية منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وتزايد هذا الموضوع عبر السنوات الماضية وحتى الآن بإصدار تقارير سنوية أميركية عن حالة حقوق الإنسان في العالم، وحالة الحرية الدينية وغيرها من القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان.

في ضوء ما سبق، كان لزاما على الدول الأخرى خاصة ذات الحساسية المرتبطة بموضوعات حقوق الإنسان، أو التي يوجه لها الاتهام بانتهاك حقوق الإنسان، وفي هذا الإطار قامت الصين منذ عدة سنوات بإصدار تقارير عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، وما يشوبها من أوجه قصور لكي - على حد تعبيرها - يكون التقرير الذي تصدره الولايات المتحدة عن انتهاك حقوق الإنسان في كافة الدول كاملا لأنه لا يشير لحالة انتهاك حقوق الإنسان في أميركا.

ثم جاء التحرك الصيني الإيجابي بإنشاء جمعية الصين لدراسات حقوق الإنسان وبعد ذلك جاءت خطوة عقد مؤتمر سنوي للجمعية، حيث عقد المؤتمر الأول العام 2008م، والمؤتمر الثاني العام 2009م، والذي شاركت فيه بصفتي عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر.

كان المحور الرئيسي للمؤتمر هو (إقامة مجتمع دولي متناغم)، وفي إطاره تم تناول قضايا أخرى خاصة بحقوق الإنسان مثل حالة الفقر ومكافحته، الأمراض الخطيرة، دور المجتمع المدني.

شارك في المؤتمر خبراء ومسئولون من عدة دول مختارة من مختلف القارات من إفريقيا والعالم العربي والدول الآسيوية وأميركا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة وضم المشاركون ممثلين لمنظماتهم وبعضها من مراكز أبحاث أو منظمات غير حكومية تعمل في مجال حقوق الإنسان.

كان تركيز معظم المشاركين على القضايا الحقوقية العامة وفي مقدمتها:

- الإشادة بتطور حقوق الإنسان في الصين في المجال الاقتصادي ونجاحها في تحقيق أهداف الأقلية قبل موعدها وتمكنها من رفع أكثر من 200 مليون نسمة من حالة الفقر المدقع.

- إشارات متعددة ولكنها معتدلة حول ضرورة اهتمام الصين بالحقوق المدنية والسياسية بنفس اهتمامها بالحقوق الاقتصادية وكذلك ضرورة إتاحة المجال لمزيد من أنشطة مؤسسات المجتمع المدني.

- إبراز أهمية تكامل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الحقوق المدنية والسياسية خاصة من جانب ممثلي الدول النامية وأستراليا وبعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء، كما عرض عدة مشاركين لتطور حقوق الإنسان في دولهم.

- التأكيد على ضرورة الاهتمام بقضايا الجماعات الضعيفة أو المهمشة مثل حقوق الطفل والمرأة ومنع التمييز ضدها والمسنين والمعوقين والعمال المهاجرين والأقليات الدينية والعرقية وضرورة تطوير التشريعات الوطنية لتعكس الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان.

هذا، وقد لوحظ أن عددا كبيرا من المشاركين الأجانب كانوا متخصصين في قضايا حقوق الإنسان في الصين بوجه خاص، وفي الشئون الصينية بوجه عام، وبعضهم كان يجيد التحدث باللغة الصينية ومن ثم كان أكثر إدراكا لظروف الصين وحضارتها وتراثها.

ونسوق في الختام عدة ملاحظات كالآتي:

- الأولى: إن عدد المشاركين من الجانب الصيني كانوا يمثلون نصف المشاركين بوجه عام، وكانوا نشيطين في مداخلاتهم وعلى وعي بقضايا حقوق الإنسان في العالم بصفة عامة، وحقوق الإنسان في الصين بوجه خاص، وكان تركيزهم على شرح جهود الصين من أجل تطوير وتحقيق حقوق الإنسان الأساسية في المقام الأول مع بعض التركيز على حقوق الأقليات وخاصة الأحداث في شينجيانج، وكان وزير الأقليات أو كما يسمى في الصين القوميات والأديان (السابق) ممن ركّزوا على هذه القضية بحكم خبرته ومتابعته كوزير من 1995 حتى سبتمبر 2009م.

- الثانية: إن المؤتمرات التي تعقد أو تدعو لها الصين وتعقد على أراضيها تكون عادة منظمة بدقة بالغة، كما تحظى الوفود بعناية فائقة وهذا بخلاف ما يحدث في العديد من الدول المتقدمة، حيث تعتبر الصين أن الوفود الأجنبية ضيوفا عليها، في حين بعض الدول المتقدمة في أوروبا أو حتى في آسيا ترى في المؤتمرات صناعة وعملا مربحا للدولة ويتحمل كافة المشاركين فيه تكاليفهم ويدفعون رسوما للمشاركة في المؤتمر ويتركون وشأنهم بلا أية تسهيلات من جانب منظمي المؤتمر ربما ماعدا تسهيلات قليلة للغاية، ولعل ذلك كله مرجعه اختلاف ثقافة الصين عن ثقافة الدول الرأسمالية التي أصبحت تفكر في كل شيء بمنطق المال وعدم تحميل الدولة أية أعباء.

- الثالثة: إن متابعتي لقضايا حقوق الإنسان منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي تظهر مساهمة الدول النامية وبخاصة حركة عدم الانحياز ومجموعة السبعة والسبعين في التأكيد على ثلاثة أمور، أولها: تكامل الحقوق المدنية والسياسية مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وثانيها: بلورة الحق في التنمية، وثالثها: المساهمة والانضمام للعديد من المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. ولكن على الجانب الآخر فإن الإنجاز الفعلي في مجال الحقوق الاقتصادية أو السياسية كان ومازال محدودا. أما الدول المتقدمة فقد ركزت دائما على أن مفهوم حق الإنسان يرتبط بحق الفرد وخاصة في المجال المدني والسياسي، وترفض بوجه عام اعتبار الحقوق الاقتصادية حقوقا بل تراها نشاطا اقتصاديا ومن مسئولية كل دولة وحكومتها وأفرادها. وقد قاومت بشدة سعي الدول النامية لبلورة الإعلان ثم الاتفاقية الخاصة بالحق في التنمية.

- الرابعة: أن التقدم الاقتصادي الصيني والتغير الذي طرأ على المجتمع كان مبهرا لجميع المشاركين، ولذلك جوانبه الإيجابية والسلبية فالأولى منها ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع مستوى دخل الفرد بوجه عام، وتعزز المكانة الدولية للدولة، وعلى الجانب الآخر ظهرت الشرور مثل الفساد والمخدرات والملاهي الليلية واتساع الهوة بين الطبقات، وهذا يستدعي معالجة جادة.

- الخامسة: إن محك نجاح الصين في المستقبل هو المحافظة على معدل النمو في حدود 9-10 في المئة وتجسير الهوة بين الطبقات وتحقيق المعرفة التكنولوجية ومكافحة البطالة ومواجهة مشكلة البطالة التي يزداد تفاقما. ويلي تحقيق ذلك التفكير في الحقوق المدنية والسياسية

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2627 - السبت 14 نوفمبر 2009م الموافق 27 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً