في قمة الألفية في سبتمبر/ أيلول 2000 اجتمعت الأسرة الدولية في مقر الأمم المتحدة، واتفقت على البدء بخطوة الانطلاق بمشروع إصلاح متكامل في العديد من أجهزة المنظمة الدولية ووضع خطط عالمية جديدة للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتدليل الفقر ومحاصرة الكوارث البيئية وتطوير التنمية وتحمل أعباء صنع السلام ومسئولية حفظه، تنتهي بحلول العام 2015، حيث أقنع المجتمعون أنفسهم، بأنه في استطاعتهم تحقيق تلك الأهداف على مدى تسع سنوات وفق نماذج التطورات الجديدة في القرن الواحد والعشرين.
فمنذ ذلك الوقت ظل خبراء الأمم المتحدة، يتحدثون عن ضرورة إصلاح أجهزة المنظمة البالية وعديمة النفع وتقوية دورها لمواجهة حميع التحديات الصعبة، وبخاصة توسيع نطاق مجلس الأمن الدولي من 15 عضوا إلى ما لا يقل عن 24 عضوا وفق أولويات النظام العالمي الجديد، الذي يطمح الجميع بأن يكون مختلفا عن كل ما شوهته سنوات الحرب الباردة ما بين النصف الثاني من عقد الأربعينيات وحتى نهاية الثمانينيات الذي قيل بأنها هي وحدها السنوات التي منعت بشكل رئيسي مؤسسات الأمم المتحدة، منذ انبثاقها في العام 1945 من القيام بمهماتها على الوجه الأكمل، والسير بخطوات ثابتة في مناخ تغيير قواعد السلوك الدولي وأساليب معالجة المنازعات بين الدول والتصدي للإرهاب وتطوير التنمية وزيادة المساعدات المالية والعينية المقدمة للدول النامية والفقيرة، بوصف المنظمة أنها المقياس والمؤشر للتحركات السياسية والاقتصادية والإنسانية والقانون الدولي.
إن عملية إصلاح الأمم المتحدة، كانت بمثابة حلم راود جميع الرؤساء «الأمناء العامين» الذين تعاقبوا على تسلم مقاليد المنظمة الدولية، وانشغلوا بمشكلاتها ومسئولياتها الواسعة والمعقدة على المستوى العالمي، ولكنهم بالرغم من كل اهتماماتهم وأمانيهم نحو تحقيق حلم التغيير والإصلاح، اصطدموا بعدم قدرتهم على اتخاذ القرارات التنفيذية بسبب السيطرة التي تقوم بها القوى العظمى على مختلف أجهزة المنظمة الدولية؛ ما جعلها تخسر عوامل أساسية وحيوية من سلطاتها وبالتالي من شرعيتها كمنظمة مستقلة.
إن الأمم المتحدة بالرغم من أنها استطاعت أن تحل بعض المظاهر الإيجابية في الأوضاع والسياسات الدولية المتعلقة بدعم بعض الدول المستقلة حديثا وانتقالها إلى الديمقراطية، إلا أنها في مقابل ذلك ظلت عاجزة تماما عن استيعاب أبرز القضايا السياسية والاقتصادية الساخنة والحساسة وبخاصة الأزمات والأحداث في مناطق الاضطراب الفقيرة، بفعل ضآلة دورها الذي لا يكاد يمتلك من النفوذ ما لا يزيد على إصدار قرارات ليس لها أكثر من قيمة التوصيات والحبر على الورق.
فالمنظمة الدولية التي رست عليها قاعدة حكم القوي على الضعيف منذ إعلان وجودها في العام 1945، لم تعصف بها حتى الآن رياح التغيير، ولم يشهد العالم برمته الاستقرار والسلام والأمن الموعود، والذي لايزال بعيد المنال، بسبب تآكل بنيات معظم مؤسساتها الحيوية والتي تم تطويعها بالكامل لصالح توجهات وسياسات الولايات المتحدة الأميركية والدول الكبرى السائرة في فلكها.
فلم تعد المنظمة الدولية بعد كل هذه الإخفاقات، قادرة على حفظ السلام والأمن الدوليين، ولا حتى تطويق المنازعات والحروب والتوترات حول العالم، ولم تستطع بسبب قيود «الفيتوات» أن توقف الدمار الذي يحل على البشرية بسبب ازدياد الأزمات السياسية والاقتصادية والجوع وتفشي الأوبئة وأمراض سوء التغذية والخطيرة والمعدية، فبشعارات توسيع نطاق الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وجدت الدول الكبرى نفسها قادرة بشكل متزايد على القيام بمهام الهيمنة على مقدرات الشعوب الضعيفة تحت ضغط الظروف الصعبة، وبذريعة تكريس وتعزيز السلام والأمن الدوليين، تنتهك سيادة واستقلال الدول وربطها بقيود التبعية السياسية والاقتصادية المذلة، وبواقع تنشيط برامج التنمية الإنمائية، التي لم تحقق إلا القليل من حاجات الشعوب الفقيرة، تنفق الأمم المتحدة سنويا على مختلف وكالاتها وصناديقها ومشاريعها الإنمائية أموالا طائلة تقدر بنحو 13 مليار دولار أميركي، ونحو 1,3 مليار دولار سنويا تكاليف الأنشطة والموظفين في جميع مؤسساتها حول العالم، وذلك من دون مخصصات عمليات حفظ السلام والأمن التي لها موازنة مستقلة.
ويبدو من الصعب جدا على المنظمة الدولية التي تعيش هي نفسها صعوبات بالغة في تخطي القيود والعقبات الكبيرة، تحمل أعباء صنع السلام ومسئولية حفظه بحسب كل ما أظهرته الدلائل والبراهين حتى اللحظة.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 2626 - الجمعة 13 نوفمبر 2009م الموافق 26 ذي القعدة 1430هـ