هوس يجتاح وسائل الإعلام العربية اسمه «العثمانيون الجدد»، في إشارة الى الحكومة التركية وتحركاتها التي باتت حديث المراقبين في الدول العربية والشرق الأوسط والعالم.
ومبعث الهوس، عند العرب على الأقل، هو أن يجدوا دولة تدافع عن كرامتهم المهدورة أمام «إسرائيل» التي استمرأت العدوان إن كان على لبنان العام 2006 أو على غزة العام 2008، أو اعتداءاتها على الحقوق في استلاب أراضي الفلسطينيين وتدنيس مقدسات العرب والمسلمين، وخصوصا بعد أن يئست الشعوب من قياداتها في إعادة الحقوق، أو حتى الحفاظ على ما تبقى من تلك الحقوق.
هنا لا نريد الخوض في قضية «العثمانيون الجدد»، فإخوتنا في المهنة أشبعوا المعنيين بهذه التسمية وأقصد هنا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بكل أنواع الغزل السياسي والخطابي. بل نريد الخوض فيما بات مصطلحا سياسيا وإعلاميا مبتكرا تصطبغ به التيارات المبتعثة للحياة تحت مسمى «الجدد».
نعرف أن كلمة «الجدد» ارتهنت بالنازيين ومن ثم بات الصحافيون والكتاب وحتى السياسيين يطلقونها على تيارات أخرى يرونها مستحدثة فصار هناك «الشيوعيون الجدد» و«المحافظون الجدد»، و«الخمينيون الجدد» وغيرها من التيارات المؤثرة في نطاقها.
أمام هذه التيارات العالمية الناهضة (سلبا أو إيجابا) لم نجد أمامها ما يماثلها من تيارات عربية يمكن أن نطلق عليها مثلا «العرب الجدد»، وهو مسمى إن وجد على لسان بعض الكتاب أو على صفحات الصحف إلا أنه لا وجود له في الواقع، فالعقلية والخطاب العربيين مازالا برغم كل التغيرات المتسارعة والمفصلية التي يشهدها العالم يتموضعان في دفاعاتهما الفكرية خلف خطاب سلفي قديم أو ليبرالي مكتسب من تيارات فكرية أخرى نابعة من مجتمعات مختلفة اجتماعيا وعقائديا عن البيئة العربية.
عمليا العرب قادرون على تحديث خطابهم وتجديده من خلال الاستفادة من الانتكاسات والهزائم المتلاحقة التي مرت بها دول وشعوب ليست قليلة داخل محيطنا العربي، ولاسيما أن معظم دول أصحاب تيارات ما يسمون بالجدد في العالم هم بالأصل قد مروا بانتكاسات مشابهة أو أكبر من العرب لكن نهوضهم كان أسرع من نهوض الفكر العربي الذي مازال مشغولا في خلافات بعضها قديمة تمتد لمئات السنين.
الأتراك عرفوا طريق نهوضهم بعد أقل من مئة عام من أول انتكاسة تاريخية لهم لينتجوا بعدها تيارا جديدا يحمل فكرا مستحدثا عرف كيف يعيد لبس عمامة السلطنة، دون أن يجبر الأتراك على نزع القبعة التي ألبسهم إياها أتاتورك.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2625 - الخميس 12 نوفمبر 2009م الموافق 25 ذي القعدة 1430هـ
شكرا جزيلا
شكرا لك يا كاتبنا والله يعطيك العافية