دعا إمام جامع الخير بقلالي الشيخ صلاح الجودر في خطبته أمس الأمة الإسلامية إلى رص الصف بينها وتوحيد الكلمة وترك الفرقة، فالأمة الإسلامية لم تُهزم يوما بسببِ قوةِ عدوها، ولا بما يملكهُ من عتادٍ وسلاحٍ، ولكن كانت هزائمُ الأمةِ حينما تفشت بينها أدواء التنازع والتفرق والخلافِ، لذلك فإن من أعظمِ المصائبِ التي ابتلينا بها في هذا العصر هو تفرقُ الكلمة، وتشتتُ الصف، واختلافُ الموقف.
وحذر الجودر من التنازع والتفرق والخلاف، وقال: قال تعالى في كتابه: «ولا تنازعوا فتفشلُوا وتذهب رِيحكُم واصبِرُوا إن اللهَ مع الصابرين» (الأنفال:46). فالمولى يحذرنا من هذه الأدواء والسموم، التنازعِ والتفرقِ والخلافِ التي هي بداياتِ الفشلِ والسقوطِ والضعفِ وذهابِ القوةِ والريحِ، فما نعانيه هذه الأيام وما تشهده أمتنا ليس بسببِ قوة العدو الصهيوني ولا بقدراتهِ العسكريةِ، وإمكانياته المادية، ولا بسبب الدعمِ من قوى الغرب، ولكن السبب فينا، وبيننا، ومنا، «إن اللهَ لا يُغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد:11)، بسبب تفرقنا وتشتتنا وانقسامنا، حتى أصبحنا كنتوناتٍ سياسيةٍ ممزقة، وطوائفَ وفرقَا وجماعاتٍ وحركاتٍ وأحزابا متفرقة «كل حزب بما لديهم فرحون» (الروم:32).
وتطرق الجودر إلى ما يحصل من عدوان على غزة من قبل «إسرائيل»، وقال: إن العدو الصهيوني – كما تنقله وسائل الإعلام - يعكس أبشعَ صورِ الإرهابِ والإفسادِ في الأرض، فمنذ 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي (2008م) وهو يبيدُ الشعبَ الفلسطيني في قطاعِ غزة، الأسبوعَ الرابعِ على التوالي وآلةَ الحربِ والدمارِ الصهيونية تعربدُ في قطاعِ غزة، برا وبحرا وجوا، الشهداءُ بلغو 1070 والجرحى قرابة خمسة آلاف، وغيرهم من المشردين والمهجرين من منازلهم، حتى موظفو الإغاثة (الأنوروا) ورجال الإعلام لم يسلموا من تلك الهجماتِ البربريةِ الشرسة، صواريخَ مدمرة، وقنابلَ محرمة، وغازاتٍ محرقة، هي لغةُ الإدارةِ الصهيوينةِ عبر تاريخها، فالقرن الذي يتحدث عن الأمنِ والاستقرارِ والحريةِ والديمقراطيةِ وحقوقِ الإنسانِ نرى الإدارةَ الصهيوينة وهي تصمُّ الآذانَ بأصواتِ المدافعِ وأزيزِ الطائرات، ونشاهدُ صورَ القتلِ والدمارِ والخراب،ِ فهل هذه هي المرحلةَ التي تحدثت عنها اتفاقياتُ السلامِ مع «إسرائيل»؟، وهل هذا هو المشروعُ الموعودُ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ الجديد؟. نحتاجُ في هذه الأحداثِ المأساوية إلى التذكيرِ بعقليةِ الإدارةِ الإسرائيليةِ، فهي عقولٌ لم تتغير ولم تتبدل، فمع كل العهودِ والوعودِ والمواثيق التي قطعتها على نفسها لتعزيز أمنِ المنطقةِ فإنها تأبى إلا أن تكون عقليةُ إرهابٍ وتدميرٍ وقتلٍ، بدءا من اتفاقية كامب ديفيد وانتهاء بقمة أنابولس، هي عقليةٌ واحدة، عقليةُ الدمارِ والخرابِ والإرهابِ، هذه العقليةُ لا تتحدث عن سلامٍ، ولا عن حوارٍ، ولا عن حقوقِ إنسان.
ولفت الجودر إلى تهديدات الكيان الصهيوني عبر خطابات الحكومة الإسرائيلية، وقال: «تأملوا معي في خطاباتِ الحكومةِ الإسرائيليةِ من بداية العدوانِ وحتى يومنا هذا جميعها خطاباتٌ عسكرية، تهديدٌ ووعيدٌ وتخويفٌ، لم يخرجَ علينا تصريحٌ سياسي واحد يدعو إلى السلامِ أو الحوارِ أو حقنِ الدماءِ»، مردفا أن المشروعِ الصهيوني في المنطقةِ لا يتحققُ إلا بهذه العقليةِ الهمجية، العقليةُ التي تستمتعُ بدماءِ الأبرياءِ وأشلاء الضحايا، فتذكيرٌ لدعاة السلام في المنطقة بأن المجازرَ والمذابحَ التي يرتكبها الكيانُ الصهيوني منذ العام 1948م حتى يومنا هذا لهو أكبرُ دليلٍ على استمرارِ العقليةِ الإرهابيةِ في الإدارةِ الإسرائيلية حتى ولو حضرت ألف قمة، ووقعت ألف معاهدة. لم يكن جنرالاتِ الحربِ في الكيان الصهيوني ليتجرأوا ويشنوا عدوانهم على قطاعِ غزة لولا حالة الشتاتِ والضياعِ التي تعيشها الدولِ العربية، حالةٌ لم يشهد التاريخ لها مثلا، فانظروا إلى الدول التي تتذرعِ بقمةٍ عربيةٍ، متى، وأين، ومن يشارك فيها؟، وكأن القضية في إقامةِ قمة!، فكم هي القممُ العربية التي أقيمت؟، وما هي نتائجها؟، وما تأثيرها على الإدارة الإسرائيلية؟، خلاصتها مزيدٌ من التشرذمِ والشقاقِ والخلافِ، لذلك فإننا لا نرجو من أية قمة عربية خيرا، فقمة لا توقفُ العدوان، ولا ترفعُ الحصار، ولا تفتحُ المعابر، ولا تقطعُ العلاقات، ولا توقفُ التطبيع، ولا تنهي معاهدات السلامِ مع «إسرائيل» هي قمةٌ فاشلة، فاشلة، قمةٌ لا خير فيها، فالصمت المطبق خير من قمة تبرر للعدوان وتدين الضحية.
وأوضح الجودر في خطبته أمس قائلا: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياةَ لمن تنادي، فقائدٌ من قادةِ المسلمين، وقف يوما باكيا يرتعد، فلما سئل، قال: «والله لو عثرت بغلةٌ في أرضِ الفراتِ لخفتُ أن يسألني الله عنها يوم القيامة لمَ لم أسوِِّ لها الطريق»، هذه هي الكلمة المأثورة التي أطلقها الملهم، فاتح بيت المقدس، ونصير الضعيف والمرأة والطفل والشيخ الكبير والحيوان والطير والجماد، الذي عزز التسامح الديني والتعايش الاجتماعي في دولته، إنه الفاروقُ عمر بن الخطاب، يخشى اللهَ أن يسألهُ عن ناقةٍ تعثرت بأرض العراق. وإليكم مقولةٌ أخرى لقائدٍ آخر من قادةِ المسلمين، قائدٌ بطل، قائد فذ، قائد يدافع عن المظلوم، قائد يحبهُ الله ويحبُ الله، يقول لولديه: «كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا»، إنها مقولةَ الإمامِ علي بن أبي طالب، واليوم نشهدُ شعبا بأسره تحت الظلمِ والقهرِ والموتِ ولا نصيرَ ولا معين.
ودعا الجودر إلى الوحدة بين الأمة، ففي ظلِ الظروف الصعبةِ والأحداثِ المأساوية التي يشهدها قطاع غزة تشتدُ الحاجةُ إلى وحدةِ الأمة وتماسكها، بين الحكامِ والمحكومين، بين العلماءِ والعامةِ، بين قادةِ الرأي والفكرِ وأصحابِ القرار، بين الطوائفِ والأحزابِ والفرقِ والجماعاتِ، يجب أن ترص الصفوفُ وتتوحدُ الكلمة، بمثل هذا المسلكِ تنتصرُ الأمةُ وتعودُ حقوقُ شعبها، لذلك تتجددُ الدعوةُ لنصرةِ الإخوةِ في قطاعِ غزة، بكل ما نملك من مالٍ ودواءٍ وغطاءٍ ودعاءٍ، وندواتٍ وخطبٍ ومقالاتٍ، كل على قدرِ استطاعتهِ، ونذكر في هذا اليوم المبارك وهذا المكان الشريف بما يقدمه أبناءُ هذا الوطن باختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم من دعمٍ لإخوانِهم في فلسطين، بدءا بمبادرةِ عاهل البلاد بتشكيلِ لجنةِ إغاثةِ للشعبِ الفلسطيني، ومرورا بالدورِ الكبير الذي تقوم به الجمعيات والصناديق الخيرية وانتهاء بالمتبرعين.
على صعيد آخر، تطرق الجودر إلى المسيرات السلمية، وقال: «إن الخروج في المسيرات السلمية أمر مقرر في الدستور والقوانين الدولية، ولكن يجب التحذير من عدة أمور، ومنها عدم المساس بالممتلكات أو إغلاق الشوارع أو الإضرار بمصالح الناس، وكذلك عدم التعدي على الأديان الأخرى ومعتقداتهم، فلكل كرامته من المولى، فلا يتعدى على أنبياء الله ولا على كتب الله وشرائعه المنزلة، فما يحدث في غزة إنما هي ممارسات صهيونية بشعة، لذلك يجب الحذر والتحذير من الوقوع في المحظورات الشرعية، وعليكم بالمطالبة بفك الحصار وفتح المعابر ورفع العدوان.
العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ