سألتُ نادِلا «صوماليا» يعمل في أحد المقاهي بدولة خليجية: ما هي أوضاع الصومال الآن؟ قال كلمة واحدة: دَمْ. قُلتُ له: هل أنت مُتَأسٍّ على أيام حُكم اللواء محمد سياد بري؟ قال: حسنا. الفارق بين ما وفّره سياد بري وما وفّره الحكم البديل هو ذات الفارق الذي يُميّز الحياة عن الموت.
ما قاله الرجل يعكس واقعا قائما. فالعديد من الشعوب التي أُرِيْدَ لها تتغيّر أنظمتها السياسية على الطريقة الأميركية المحافظة أضحت حائرة بين وَصْفِ ما هي كائِنة عليه الآن وبين ما كانت عليه في السابق تحت أنظمة تُوصف بأنها «قمعيّة».
هي اليوم تُجري جردة حساب. فَلِكَي تنتقل من حُكم إلى آخر كان عليها أن تمرّ بمجتمع انتقالي بضريبة معلومة ومعقولة ومقبولة، كما هي العادة في المجتمعات التي صَنَعَت التغيير أو دخلت في غِماره.
لكن أن تكون تلك الكُلفَة أكبر من حجم الطموح في التغيير بأثقال مضاعفة فإن الأمور تبدو خارج الجادّة. فالمُصابُ في إبهامه لا يطمح أبدا لأن تُقطع يده لكي يتخلّص من آلام الإبهام؛ لأن الخسارة في ذلك أكبر.
أن تسمع أفغانيا يترحّم على الملكيّة (ظاهر شاه). وعراقيا على البعثيّة (صدام حسين). وصوماليا على البرية (سياد بري) وربما عربيا على الاستعمار حتّى فهذه مصيبة. ليس لأن التغيير نحو الأفضل مُدان ومنبوذ من قِبَل الشعوب، وإنما اللجوء إلى الأسوأ هو المصيبة.
لم أكن أتخيّل أن أسمع صوماليا يترحّم على أيام اللواء سياد بري الذي كان يحكم الصومال بقبضة حديدية، وكان هو الرئيس وقائد الجيش وزعيم الحزب الحاكم ورئيس المحكمة العليا، وارتكب مجازر رهيبة بحقّ عدة مناطق صومالية بحجّة استرجاع إقليم أوجادين.
ولم أكن أتخيّل أيضا أن أسمع عراقيا يترحّم على صدام حسين الذي شَهِدَ حكمه أقسى أنواع القسوة والاستهتار بحقوق الناس حين انتُخِب بنسبة 100 في المئة متجاوزا نسبة إجماع البشر على حبّ خالقهم حتى.
أين تكمن المشكلة من كلّ ذلك إذا؟
إن تقديم عناوين كالحرية والديمقراطية والانفتاح وتسويقها للشعوب المغلوبة بالطريقة (اليمينية) المُشوّهة التي تصرّف بها الجمهوريون إبّان حكمهم الولايات المتحدة يجعل النظر إلى تلك العناوين هو الآخر مُشوّها.
لقد قدّم الجمهوريون في إدارة بوش الابن للأنظمة القمعيّة والمحافظة في العالمَيْن العربي والإسلامي فرصة الشرعيّة المُستَلَبَة والضائعة من أيديهم. وكان ذلك بمثابة طوق النجاة الذي كانت تبحث عنه تلك الأنظمة منذ زمن.
فهي اليوم قادرة على تعيير شعوبها بما ينتظرها من مصير إن هي أصرّت على التغيير بالطريقة الأميركية. وبالتالي فإن القبول بالسيئ أفضل من السعي لنيل الأسوأ. وكانت هذه أجزى خدمة تُسديها واشنطن لهذه الأنظمة.
هي تُدرك أن الآليّة الوحيدة للتغيير هي بالذراع الأميركية القادرة على كسر العظم وفتّه. فهي أنظمة تُسخّر جلّ ميزانيتها للأمن والتحوّط من المعارضات، سواء المدنية منها أو العُنفيّة، وبالتالي لا مجال للتغيير إلاّ بعدو أعلى كعبا.
لتبقى المفارقة هي القبول بما نحن فيه أفضل من تغيير قد يجلب لنا نظاما مشوّها في أمنه وكيانه البيروقراطي والاقتصادي وحتى الاجتماعي (وهو الصحيح في كلّ الأحوال). هذه كارثة حقيقية، بهّتت من شكل المعارضات، وجعلت حِراكها وأفقها مُقيّدا.
كان الشاعر الألماني فريدريك شيلر يقول «العدو الذي يقع يمكنه أن يعاود الوقوف، أما العدو الذي تم إرضاؤه فقد تمت هزيمته حقا». ولأن هذه الأنظمة استطاعت إرضاء شعوبها بالسيئ بدل الأسوأ فإن ذلك يعني أن رَبِحَت جولات وجولات من النزال السياسي.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2624 - الأربعاء 11 نوفمبر 2009م الموافق 24 ذي القعدة 1430هـ
هذا مصداق لقول رسول الله
قلت : يا رسول الله ! إنا كنا بشر . فجاء الله بخير . فنحن فيه . فهل من وراء هذا الخير شر ؟ قال ( نعم ) قلت : هل من وراء ذلك الشر خير ؟ قال ( نعم ) قلت : فهل من وراء ذلك الخير شر ؟ قال ( نعم ) قلت : كيف ؟ قال ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ، ولا يستنون بسنتي . وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قال قلت : كيف أصنع ؟ يا رسول الله ! إن أدركت ذلك ؟ قال ( تسمع وتطيع للأمير . وإن ضرب ظهرك . وأخذ مالك . فاسمع وأطع ) .الراوي: حذيفة بن اليمان المسند الصحيح الصفحة أو الرقم: 1847
صدام كان حامي العرب
صدام لو قلنا ظلم . معروف في ظلمة عدل .
رغم كل مساوىء صدام الناس عايشة و هناك أمان .و أعمل ما تريد لكن لا تقرب صوب صدام . فكان الأمان و الطعام أيام صدام و حتى في أيام الحصار . كم مشرد اليوم في سوريا و الأردن . و ما آلت الية البنات من تسكع في الحانات كبائعات هوى . و لكن الأسود أسود و الكلاب كلاب .
أنظروا للتطاحن و الثأرات و متى ستصفي القلوب . و هيهات . لقد لعبها الصفويون و الأمريكان صح .
و الشعب العراقي هو الخسران . فتجرعوا من كؤوس الغدر إلى الأبد .
تعبير عن حالنا
لتبقى المفارقة هي القبول بما نحن فيه أفضل من تغيير قد يجلب لنا نظاما مشوّها في أمنه وكيانه البيروقراطي والاقتصادي وحتى الاجتماعي (وهو الصحيح في كلّ الأحوال). هذه كارثة حقيقية، بهّتت من شكل المعارضات، وجعلت حِراكها وأفقها مُقيّدا.
مجال للتأمل
مرات كثيرة اتساءل عن السبب الذي يدفع انظمة هذه المنطقة لان تكون خائفة من التغيير وإذا ما جاء القدر وغيرها دفعت بالأوباش ليعيثوا في الارض الفساد والاارهاب