العدد 2624 - الأربعاء 11 نوفمبر 2009م الموافق 24 ذي القعدة 1430هـ

الحراك النضالي في مدن المنفى (خريف 1967 - ربيع 1970):

مقتطفات من كتاب «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» (4):

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

بعد اعتقال الستينيات أطلق سراح أحمد الشملان لتقرر سلطات الحماية البريطانية نفيه مباشرة خارج الوطن فقضى ثلاث سنوات متنقلا بين مدن المنفى، واكب خلالها احتضار حركة القوميين العرب وقيام تنظيمات يسارية على أنقاضها. وحينما تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل وحزبها الأم الحركة الثورية الشعبية 68 - 1969 كان أحمد الشملان أحد الكوادر الناشطة في دعم التحولات الجديدة. في نهاية العام 1968 سافر أحمد الشملان إلى العراق وانتظم طالبا بكلية التجارة في جامعة بغداد، وبعد فترة أصبح أحد العناصر القيادية على رأس التنظيم الطلابي التابع للحركة الثورية الشعبية في بغداد، ثم كان له دور في تأسيس «الطلائع الطلابية الثورية» التنظيم الطلابي للحركة وأصبح عضوا في مكتب قيادة التنظيم، كما أصبح عضوا في لجنة العلاقات الخارجية للحركة الثورية الشعبية. وفي إطار ذلك انضم في مايو 1969 لعضوية أول وفد زار الاتحاد السوفيتي ممثلا الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل.

في يونيو 1969 وفي إطار عضويته في لجنة العلاقات الخارجية للحركة الثورية الشعبية دخل أحمد الشملان المنطقة الغربية من ظفار ضمن وفد بمهمة السعي لتوحيد لجنة العلاقات الخارجية مع اللجنة السياسية للجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل.

وفي صيف العام 1969 اختير أحمد الشملان ضمن العناصر التي سافرت إلى دبي للتحضير لتفجير البؤرة المسلحة في عمان الداخل وقد وصل الشملان إلى دبي في إطار المهمة المذكورة. إلا أن الشملان الذي أجرى حوارا سياسيا وفكريا مع ذاته حول صحة استراتيجية الكفاح المسلح في عموم الخليج وحول صحة تفجير بؤر مسلحة في مناطقه قد عاش في دبي صراعا نفسيا، فكريا وسياسيا حادا أوصله لحالة مرضية، وقد اعتقل وأودع سجن «نايف» في دبي حتى نُقل مريضا للوطن في مارس 1970.


خامسا: سبعينيات القرن الماضي - تحولات كبرى في المسيرة النضالية

في البحرين تعافى الشملان بسرعة لافتة وعاد فورا إلى نشاطه السياسي والتنظيمي فانضم لقيادة تنظيم الحركة الثورية الشعبية في البحرين، ثم مثّل تنظيم البحرين في أكتوبر 1970 بالمؤتمر الثالث للحركة ببيروت وانضم للهيئات القيادية بها فأصبح عضوا باللجنة المركزية والمكتب السياسي. قال عبدالرحمن النعيمي الذي كان على رأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر: «حضر الشملان ممثلا عن البحرين في المؤتمر، وقد شكل المؤتمر لجنة مركزية أصبح الشملان أحد أعضائها، كما أصبح أحمد عضوا في المكتب السياسي الذي ضم خمسة أعضاء وأخذ لاحقا مسمى اللجنة التنفيذية التي انبثقت منها اللجنة الفكرية وتولى مسئوليتها أحمد الشملان». إضافة لذلك انضم الشملان للجنة صياغة التقارير الصادرة عن المؤتمر كما أنيطت به مسئولية متابعة أوضاع التنظيم في الكويت ومتابعة أوضاع التنظيم الطلابي لعموم الحركة ومقره في بيروت.

يقول الكويتي محمد القديري: «في الكويت دخلتُ ومجموعة من العمانيين في خلية مع أحمد الشملان وكنا ننشط سياسيا تحت مظلة الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل. كان الشملان هو المسئول عن خليتنا التي تضم حوالي أربعة إلى خمسة عناصر».

وخلال يناير من العام 1971 شارك أحمد الشملان في بيروت وفد الحركة الثورية الشعبية في أول لقاء مع جبهة التحرير الوطني البحرانية. وبتاريخ 10 يناير 1971 شارك وفدا يمثل الحركة الثورية الشعبية إذ التقى مع حزب تودة الإيراني. وفي فبراير 1971 شارك في اجتماعات الدورة الأولى للجنة المركزية للحركة الثورية الشعبية في بيروت.

مطلع مارس 1971 غادر أحمد الشملان بيروت إلى عدن في مهام تنظيمية كان من ضمنها دخول المناطق الظفارية والوصول إلى آخر البقاع المحررة في أقصى الشرق الظفاري. يتحدث أحمد عن رحلته قائلا: «غادرتُ عدن بالطائرة قاصدا «حوف» لحضور اجتماع اللجنة التنفيذية. اتجهنا بالطائرة إلى «الغيظة» عاصمة المحافظة السادسة «المهرة» باليمن الجنوبي وآخر مناطقها على الحدود العمانية، ثم غادرنا «الغيظة» بالسيارة باتجاه الحدود العمانية. وصلت السيارة إلى حد معين تنتهي بعده إمكانية استخدام أي وسيلة حديثة للمواصلات وما من وسيلة لمواصلة التقدم سوى السير على الأقدام. كانت المحطة الأولى التي وصلنا إليها هي معسكر الثورة المتاخم لمنطقة «حوف» ودور المعسكر هو تأهيل الكادر العسكري وإعطاء دورات تدريب عسكري قصيرة إلى جانب دورات التثقيف الفكري والسياسي، بعد ذلك مررت بمدرسة الثورة وتقع في منطقة «مرارة» المحاذية للمعسكر. وصلنا «حوف» القرية الأقرب إلى الحدود والتي تشكل الخلفية الأساسية لكل عمليات التموين وتواجد الرفاق الأساسيين. في «حوف» انعقد اجتماع اللجنة التنفيذية، وخلال مناقشة الأوضاع في ظفار طرحتُ على الرفاق في اللجنة التنفيذية ضرورة دراسة الوضع الاقتصادي لمنطقة ظفار وخاصة أن من طموحات قيادة الجبهة هناك القضاء على البنية القبلية في المناطق الظفارية المحررة وإقامة مجتمع المساواة والمُلكية المشاعة، واقترحتُ إجراء دراسة ميدانية حول الملكية والوضع الطبقي في ظفار وأبديتُ استعدادي لتولي المهمة، وقد أقر اقتراحي كما أقر دخولي ظفار للتصدي للمهمة».

يصف أحمد الشملان دخوله إلى ظفار حتى بلوغه آخر المناطق المحررة شرقا ملخصا رحلته التي استمرت مدة شهرين متتبعا خطوط توغل القافلة التي انضم إليها في العمق الظفاري معددا محطات العبور والتوقف، يقول:

«انضممت للفريق المغادر وبدأ دخولنا بالعبور عبر الهضاب باتجاه الساحل إلى القرى المحررة «ضلكوت» و «رخيوت»، وهي قرى ساحلية يعمل سكانها بصيد الأسماك ويملكون الماشية من الأبقار والأغنام. كانت «ضلكوت» و»رخيوت» من أكثر المناطق تعرضا للقصف الجوي وتكرار محاولات الإنزال البحري.

اتخذ خط عبورنا بعد ذلك الصعود عبر منطقة الجبال تمويها عن ملاحظة ومطاردة طيران العدو، وكانت البداية الصعود إلى مشارف جبل القمر حيث الغابات الكثيفة التي تحمي مجموعات المقاتلين، ومن هناك باتجاه «قفطوت» ثم «طيطام» مرورا عبر غابات أشجار اللبان إلى «بيت ضروب» آخر نقاط التوقف في المنطقة الغربية حيث تنتهي المنطقة الغربية وتبدأ الوسطى. اتجهنا نحو وحدة «هوشي منه» مرورا بجبل «المغسيل» وهبوطا بمحاذاة سفحه ومن هناك كنا نشرف من الأعالي على ميناء «ريسوت». شارفنا على وحدة «هوشي منه» وبلغنا وادي «غدغد» ثم بدأنا نصعد سلسلة جبال «سمحان» شديدة الوعورة ولكي نصل إلى مقر الفرقة الثانية بوحدة «هوشي منه» هبطنا شيئا فشيئا للسفح. بعد ذلك اجتزنا «هوشي منه» وغدونا نشرف على مدينة صلالة ومينائها، ومن هناك عبر المرور على «غدو» و»أتين» كنا نتجه نحو «عين جرزيز» ومنها إلى «وادي نحيز» حيث تعرضت قافلتنا للقصف من طائرات العدو المغيرة لكن أحدا من المجموعة لم يصب بأذى. شهدت المنطقة حول «وادي نحيز» اشتباكات قافلتنا مع طائرات العدو إلى جانب عملية ضد دورية للعدو في المنطقة المتاخمة. رغم ذلك أخذنا قسطا من الراحة في «وادي نحيز» وبتنا بعض الليالي استعدادا لدخول المنطقة الشرقية.

غادرنا وادي «نحيز» صعودا عبر الغابات الجبلية دخولا للمنطقة الشرقية فوصلنا إلى «صحنوت» و»عين صحنوت» ومنها نزولا إلى «عين حمران» حيث نلنا بعض الراحة، ثم صعدنا من جديد عبر المرتفعات الجبلية المشرفة على مدينة «طاقة» التي توجهنا بعدها نحو «شحيت» ومنها نزولا إلى مشارف السفح حيث «وادي دربات»، وهناك استرحنا بعض الوقت ومن على الهضاب ذات الأشجار الكثيفة التي تلي الوادي كنا نشرف على مدينة «مرباط» ونتجه شرقا نحو أعلى ارتفاع لجبال «سمحان». اجتزنا ما بقي من مرتفعات «سمحان» ومنها شرقا نحو المرتفعات المشرفة على «سدح» و»حاسك»، وبعد أن تجاوزناها كنا نتجه إلى مرتفعات أقصى الشرق الظفاري وآخر بقعة محررة لتكون تلك آخر نقطة في رحلتنا وأول نقطة لانطلاقنا في درب العودة. وقد عبرت في رحلة العودة المناطق الشرقية والوسطى والغربية برفقة المجموعة نفسها حتى بلغنا «حوف» على الحدود مع اليمن الجنوبي. ومما أذكره أني بعد استراحة لم تطل غادرت «حوف» متجها إلى «الغيظة» منفردا دون رفقة من أحد وقطعت الرحلة مشيا لوحدي طوال أربع وعشرين ساعة، ولكي لا أتوه حرصت على أن يكون خط سيري بقرب ساحل البحر».

يواصل الشملان ذكرياته عن رحلته على جبال ظفار بالقول: «طوال رحلتنا كانت الكهوف والمغارات هي ملجأنا الأول للراحة والنوم، تأتي بعدها الأكواخ التي يقيمها عناصر جيش التحرير داخل الغابات. وكان مصدر شربنا العيون التي تمتلئ بها المناطق الظفارية وكذلك البحيرات والشلالات الطبيعية المتعددة، أما بالنسبة للطعام ففي القرى الساحلية التي بدأنا منها رحلتنا وكذلك بقرب البحيرات كان طعامنا هو الأسماك التي يصيدونها بعصي مدببة يغرزونها في السمك وهو في الماء ويخرجونه حيا ونتناوله مشويا، وفي المناطق الجبلية حيث تتوفر بكثرة قطعان المواشي كان طعامنا يتكون من اللحم والأرز والحليب».

أما أهم النتائج التي توصل إليها أحمد الشملان على ضوء دراسته الاستطلاعية فيوضحها بقوله: «توصلتُ إلى أنه برغم مشاعة الأرض في المناطق الظفارية المحررة، إلا أن هناك وجودا مؤكدا لتمايزات طبقية أساسها التمايزات في ملكية الجمال والماشية (الأبقار والأغنام) كمصدر ثروة وعامل مكانة مجتمعية ووجاهة أسرية تُبنى على أساسها السلوكيات والتقاليد المجتمعية كتقاليد الزواج، كما وجدت أن التمايزات الطبقية تتعزز بالتمايز القبلي بما يحويه من تراتبيات متعددة».

ويذكر أحمد الشملان أنه خلال رحلة البحث والاستكشاف قدّم - في إطار مهمة الإرشاد السياسي - عددا من المحاضرات وتناقش مع بعض القيادات وعقد مجموعة من اللقاءات مع المقاتلين في جيش التحرير في أكثر من موقع. في تلك اللقاءات طرح بعضا مما خرج به من نتائج دراسته الاستكشافية للوضع الطبقي في ظفار فوجد رفضا للنتائج التي توصل إليها وتمسكا بأن المجتمع الظفاري في ظل الثورة هو مجتمع المشاعة واللاطبقية.

يقول الشملان: «بالإضافة لذلك طرحت مع القيادات الميدانية رأيي حول وضع ومستقبل الثورة المسلحة في ظفار وجدية الصعوبات التي تواجهها، وفهمي للقوى الثورية التي تنضوي للمعسكر الاشتراكي وحركات التحرر الوطني والديمقراطي في العالم ورأيي حول مقولة الكفاح المسلح من ظفار إلى الكويت ومناهضتي لفكرة تفجير بؤر ثورية مسلحة على الطريقة الجيفارية في مناطق الخليج التي لا يناسب العنف الثوري المسلح لا ظروف تطورها السياسي ولا طبيعتها الجغرافية».

لم تتوافق بعض الآراء والاستنتاجات التي طرحها أحمد الشملان مع وجهات النظر السائدة وقتها في صفوف غالب القادة والمقاتلين الذين مر بهم وتناقش معهم.

كان هناك موقف لدى عدد من الرفاق من القادة والكوادر الظفارية حول نتائج الدراسة أساسه عدم القبول والتهكم والسخرية، وكان هناك اتهام للشملان بالانحراف عن الخط السياسي الاستراتيجي والفكري العام للجبهة واتهام بالتحريفية على ضوء ما طرحه في الاجتماعات واللقاءات وفي المحاضرات التثقيفية التي قدمها.

العدد 2624 - الأربعاء 11 نوفمبر 2009م الموافق 24 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً