العدد 2623 - الثلثاء 10 نوفمبر 2009م الموافق 23 ذي القعدة 1430هـ

الاقتصاد الصيني على مفترق الطرق (2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحت هذه المظاهر الصحية التي بات يتمتع بها الاقتصاد الصيني اليوم، تختفي مجموعة مختلفة من المشكلات والتحديات والصعوبات التي تواجه ذلك الاقتصاد الناشئ (Emerging Economy)، وتحاول أن تجره نحو الخلف، والتي من بين أهمها:

1. احتمالات تراجع معدلات النمو الاقتصادي عن التوقعات الرسمية، وهو ما حذر منه الخبير الاقتصادي الصيني المستقل اندي اكسيي، الذي قال في صراحة غير معهودة إنه «على الرغم من عدم تأثر الصين بالأزمة المالية الحالية فإن على الحكومة الصينية البحث عن أسواق أخرى في العالم للحفاظ على نموها الاقتصادي في المستقبل».

2. انعكاس سلبي بسبب تدهور أسعار الدولار، فمن المعروف أن لدى الصين اليوم ما يربو على 1.8 تريليون دولار من العملة الصعبة، يشكل الدولار نسبة عالية منها.

كما قامت الصين، في السنوات الأخيرة بإقراض الولايات المتحدة وبالدولار أيضا. هذا يضع هذه المبالغ الصينية الضخمة تحت رحمة العملة الأميركية التي تشهد تدهورا متواصلا منذ أن ضربت الأزمة العقارية الاقتصاد الأميركي.

ومن هنا فإن نسبة عالية من قيمة تلك الاحتياطيات النقدية والديون، يمكن أن تبخرها تراجعات قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، بما فيها اليوان الصيني، الأمر الذي يفقد الصين الكثير من قدراتها الاقتصادية، ناهيك عن تأثر استثماراتها الخارجية في الدول النامية، جراء ذلك التراجع في أسعار الدولار.

3. ضعف بعض مكونات البنية التحتية، وخاصة شبكات المواصلات، الناجم عن ترامي أطراف الدولة من جهة وقساوة تضاريسها وتنوعها من جهة ثانية، الأمر الذي يرفع من كلفة تشييد بنية تحتية كفؤة، ويقود إلى اختلال توازن الخطط التنموية الشاملة على مستوى عموم البلاد.

كما يمكن أن ينجم عن ذلك نمو سريع لبعض المقاطعات، على حساب المقاطعات الأخرى؛ ما يؤدي إلى صعوبة التكامل الاقتصادي المنشود على المستوى القومي. يشهد على ذلك تباين النمو الإقليمي الواضح بين الواجهة الشرقية والمناطق الداخلية وسط البلاد وغربها، وانعكاسه على التناسق في الاستقرار البشري بين مختلف مناطق البلاد.

هذا الاتساع والتنوع لم يوفر للصين، بشكل متناسب، طاقة زراعية كافية، إذ لا تتجاوز نسبة الأراضي المزروعة 11 في المئة من المساحة الكلية للبلاد، وهي مهددة أيضا بالفيضانات.

4. التوسع العشوائي في قطاع العقارات، على حساب الجودة، وفي فترات قصيرة نسبيا، الأمر الذي غلب العرض على الطلب؛ ما أدى إلى ظهور حالات كساد نسبي في بعض المقاطعات مصدرها زيادة حدة المنافسة بين المؤسسات المنتجة لمواد البناء؛ ما قلّص هوامش الربح لديها، وقاد إلى إفلاس بعضها.

واضطرت من جراء ذلك، بعض البنوك الاستثمارية إلى إيقاف عمليات الإقراض ومنح التسهيلات المالية. لكن هناك بعض المقاطعات الأخرى التي شهدت نموا سريعا في سوق العقار، أدى إلى ارتفاع أسعاره، كما أوردت بعض المصادر، «بنسبة 14.4 في المئة في العام 2004 ، وارتفعت مرة أخرى بنسبة 12.5 في المئة في الربع الأول من العام 2005»؛ ما ولد مشكلات مالية، مثل ارتفاع معدلات التضخم، واجتماعية من نمط اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء وفي فترة قصيرة نسبيا، لاتزال الدوائر الحكومية حتى اليوم تحاول تلافي ذيولها.

5. احتمالات الارتفاع، غير المسيطر عليه، في معدلات التضخم التي حذر منها بيان الاجتماع التنفيذي لمجلس الدولة المنعقد في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2009، ودعا، على هامش جلساتها رئيس مجلس الدولة ون جيا باو إلى العمل من أجل «ضمان نمو اقتصادي مستقر وسريع نسبيا وتعديل البنية الاقتصادية والتعامل مع توقعات التضخم».

ونوّه أثناءها عميد كلية الاقتصاد في جامعة رنمين الصينية يانغ روي لونغ إلى تزايد «توقعات التضخم في الصين من خلال متابعة مؤشري سعر المستهلك وسعر المنتج والكم الهائل من الإقراض المصرفي»، مؤكدا أن «الزيادة في توفير المال تتجاوز النمو الاقتصادي للصين بـ 20 نقطة مئوية، وأن هذه الزيادة عادة ما تؤدي إلى زيادة عرض النقود، وتقود أيضا إلى زيادة في الأسعار وتسبب تضخما».

6. عدم الاستقرار في النمو المتوقع للاقتصاد، وهو أمر حذر منه كبير اقتصاديي المكتب الوطني للإحصاءات ياو جينج يوان، حين قال - كما نقلت عنه صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية - إن «قاعدة التعافي الاقتصادي الصيني لاتزال غير مستقرة وثمة الكثير من أوجه عدم التيقن، لذا لا ينبغي لنا أن نتفاءل بصورة عمياء إذ إن قاعدة التعافي الاقتصادي الصيني لا تزال غير مستقرة».

ولم يُخفِ هذا القلق أيضا رئيس وزراء الصين وين جياباو عندما حذر، في أغسطس/ آب 2009، من أن «بلاده تواجه مشكلات جديدة، لكنها ستتمسك بخطة الحفز الاقتصادي التي تنفذها لأن تعافي الاقتصاد لايزال يفتقر إلى القاعدة الصلبة».

7. صعوبة الانتقال التدريجي من الاقتصاد الشمولي الذي تسيره الدولة إلى الاقتصاد الحر الذي تتحكم فيه قوانين السوق الحرة وفق آليات العرض والطلب رغم مطالبات الدوائر الحكومية المستمرة بدعم القطاع الخاص في وجه المؤسسات المملوكة للدولة. لكن ذلك يلقى معارضة في صفوف بعض دوائر صنع القرار من جهة، والخوف من انعكاساته الاجتماعية، فيما لو طبق بشكل عشوائي أو سريع من جهة ثانية.

هذا الحديث لا يشمل مشاكل الاقتصاد الصيني كافة، لكنه يلقي بعض الضوء على الأهم منها، تماما كما كان الحديث عن مظاهر الصحة والتعافي التي ينعم بها ذلك الاقتصاد. هذا الصراع بين هذين القطبين، يضع الاقتصاد الصيني اليوم على مفترق طرق وعرة، ويجعل الدوائر الحاكمة في الصين أمام خيارات صعبة ومعقدة من أجل الحفاظ على المكاسب التي حققتها الإصلاحات الجذرية التي أقدمت عليها تلك الدوائر منذ ما يزيد على ثلاثين سنة، وشملت إلى جانب الاقتصاد، جوانب أخرى سياسية واجتماعية أوصلت الصين إلى المكانة الدولية المرموقة التي تحتلها اليوم بكفاءة عالية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2623 - الثلثاء 10 نوفمبر 2009م الموافق 23 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً