العدد 2622 - الإثنين 09 نوفمبر 2009م الموافق 22 ذي القعدة 1430هـ

كلفة الصراع في الشرق الأوسط (1)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يُعتبر قياس الكلفة الاقتصادية للصراع منهجا جديدا في الدراسات الاستراتيجية ويعتبر الشرق الأوسط بتاريخه الدامي وصراعاته المحلية والإقليمية من أكثر مناطق العالم ساحة لهذه الصراعات ومن أكثرها كلفة، هذا ما أشار إليه تقرير

Cost of Conflict in The Middle East. ويرصد التقرير الصادر عن موسسة Strategic Foresight Group، ومقرها الهند، بالتعاون مع حزب العدالة والتنمية التركي، ووزارة الخارجية السويسرية، ووزارة الخارجية النرويجية، ومؤسسة قطر، جذور الصراع في منطقة الشرق الأوسط الممتدة من مصر حتى الخليج العربي، منذ نكبة فلسطين في 1948، حيث الصراع العربي الإسرائيلي هو المحرك الرئيسي لهذا الصراع الأطول في تاريخ الصراعات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن التقرير لا يكتفي بالصراع العربي الإسرائيلي وتبعاته وتفرعاته بما في ذلك الحرب الأهلية اللبنانية، والصراع على الساحة الأردنية، بل يغطي أيضا حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة، والتي جرّت إليها أطرافا إقليمية ودولية.

وبلغة الأرقام فإن منطقة الشرق هي الأعلى في الصراعات المسلحة الرئيسية قياسا بمناطق العالم الأخرى، حيث تشكل هذه 25 في المئة من الصراعات التي شهدها العالم خلال الفترة الممتدة طوال 60 عاما (1948 - 2008). كما أن الكلفة الاقتصادية لهذه الصراعات خلال الفترة ما بين 1990 و 2008 تقدر بـ 12 تريليون دولار.

التقرير نوعي في تحديده للكلف من مختلف أوجهها، ويقدر الكلفة الاقتصادية من حيث الخسائر والأضرار المباشرة، والخسائر الناجمة عن فقدان النمو الاقتصادي في ظل التهديدات، والخسائر الناجمة عن الفرص الاقتصادية الضائعة في الاستثمار والتجارة الاقليمية وخسائر غير مباشرة أخرى. وخلافا للكثير من مناطق العالم فإن منطقة الشرق الأوسط تمتلك أساسيات ومتطلبات الازدهار الاقتصادي لولا الأجواء المضطربة.

ويشير التقرير الى ان منطقة الشرق الأوسط تفتقر إلى اتفاقية شاملة للتبادل الحر على رغم وجود مجلس التعاون الخليجي والسوق العربية المشتركة. كما يشير الى الفرص الضائعة للسلام في المنطقة.

لقد مثّل مؤتمر مدريد واتفاقية أوسلو - بحسب التقرير - فرصتين كبيرتين لتأمين السلام والتعاون في الشرق الأوسط، وكان بالإمكان لو جرى استثمارها بإخلاص لأمكن أن يخلق شرق أوسط جديد وبالتالي أوضاعا اقتصادية مختلفة كليا عما هو الآن. وقد بينت تجربة فترة السلم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن تحقيق نمو في الناتج العام المباشر قدره 6 في المئة سنويا لكن ترتب على الفشل في تحقيق السلام الثابت تدني نسب النمو لبلدان المنطقة وفجوة كبيرة بين ما هو ممكن وما سيحدث مستقبلا، تتفاوت ما بين بلد وآخر، تبعا لدرجة المخاطر وحجم الاقتصاد. وتقدر الخسائر الناتجة عن الفرص الضائعة بـ 12 تريليون دولار، خلال الفترة ما بين 1991 و2010. وبالطبع فإن لكل حرب أطرافها الخاسرة والتي تتباين خسائرها ومداها الزمني، كما تتباين هذه التقديرات تبعا للمصدر.

التقرير قدر خسائر العراق نتيجة الحرب مع إيران ما بين 1980 و1987 بحسب مكتب الكونغرس للموازنة والتي ترتفع مع مرور الزمن من 25 مليار دولار العام 2002 حتى 3 تريليونات بحلول العام 2017. وترتب على الغزو الأميركي للعراق أزمة لاجئين لا سابق لها في المنطقة فقد أضحى 5 ملايين عراقي لاجئين، إما داخل العراق أو خارجه وهو ما يتجاوز أعداد اللاجئين الفلسطينيين على مدى 66 عاما، وتتسبب ظاهرة اللجوء والنزوح خسائر جمة للعراق وللبلدان المستقبلة للاجئين. فالعراق يتكبد خسائر مادية وبشرية نتيجة النزيف البشري، والبلدان المستقبلة مثل الأردن ولبنان يتحملون أعباء مادية لاستقبالهم اللاجئين العراقيين والفلسطينيين كما ينعكس ذلك سلبا على التركيبة الديمغرافية ويؤدي إلى توترات داخلية كما في الأردن ولبنان بل إنه في حالة العراق فقد تحولت حالة عداء ضد الفلسطينيين أدت إلى ترحيل غالبيتهم، وعداء ضد النازحين العراقيين لاعتبارات مذهبية وقومية ودينية، ما فاقم من مشكلة الهجرة إلى الخارج.


الصراعات والنفط

باستثناء السعودية التي ظلت بعيدة نسبيا عن ميادين الصراعات والتي ارتفع إنتاجها بشكل مطرد من النفط خلال 1972 - 2007 فإن دول النفط المطلة على الخليج عانت من تدني إنتاجها خلال الفترة 1972 - 1992، ثم ارتفاعه نسبيا ولكن دون المستوى المطلوب بسبب حلول النفط السعودي أو لعدم القدرة على تطوير حقول النفط كما في العراق وإيران بسبب الاضطراب الداخلية كما في العراق أو إجراءات الحصار كما في حال إيران. حيث قدرت خسائر إيران بـ 18 مليار دولار ما يعادل 4 في المئة من الناتج العام المباشر في حين قدرت خسائر العراق بـ 36.5 مليار دولار أي ما يعادل 80 في المئة من الناتج العام المباشر في الفترة ما بين 1972 و2007 باحتساب سعر البرميل بمستواه الأدنى العام 2008.

وترتب على الحرب الإسرائيلية ضد لبنان في يونيو/ حزيران 2007 إلحاق خسائر جسيمة في الجانب اللبناني ولكن ولأول مرة في الحرب الإسرائيلية ضد العرب، فقد ألحق حزب الله وهو ليس جيشا نظاميا خسائر في العمق الإسرائيلي وخصوصا شمال فلسطين المحتلة (إسرائيل). وقدرت الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية بـ 1.6 مليار دولار أي 1.5 في المئة من الناتج العام المباشر، بالطبع فقد تكبد الجانب اللبناني خسائر اقتصادية جسيمة نتيجة الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية، وتوقف قطاعات اقتصادية حيوية وخسائر بشرية جمة حيث قدرت الخسائر الاقتصادية بـ 3.6 مليارات دولار وهو ما يعادل 8 في المئة من الناتج العام المباشر.

ويشير التقرير الى ان المقاطعة العربية لـ «إسرائيل» منذ العام 1948 ألحقت خسائر جسيمة للاقتصاد الإسرائيلي حيث قدرتها غرفة تجارة وصناعة «إسرائيل» بـ 10 في المئة من صادرات «إسرائيل» وتقدر قيمتها بما يتراوح 30 - 50 مليار دولار للفترة ما بين 2001 و2010 وتشكل فاتورة النفط الإسرائيلية ما يتراوح من 5 إلى 15 مليار دولار سنويا وعلى رغم انتهاء المقاطعة من قبل مصر والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة وتراخيها من قبل الدول العربية الأخرى، إلا أن المقاطعة العربية الإيرانية لـ «إسرائيل» تلحق بها أضرارا اقتصادية ومن هنا أهمية إمداد مصر لـ «إسرائيل» للنفط والغاز بأسعار تفضيلية.

تشمل الصراعات في الشرق الأوسط، صراع الدول العربية مع «إسرائيل» وصراع الدول العربية مع قوى خارجية (أميركا وبريطانيا) والنزاع ما بين «إسرائيل» وإيران، والخصومات ما بين بعض الدول العربية وإيران والنزاعات الداخلية العربية، وتتراوح الصراعات ما بين أعمال الإرهاب ودرجة متدنية من الحرب وحرب أهلية واعتداءات من قبل دول تتحول إلى حرب واسعة وحروب، وتعبئة للقوات دون الوصول إلى حرب.

أما الخسائر فتشمل الخسائر في أرواح العسكريين والمدنيين والخسائر في المعدات والمنشآت والتجهيزات العسكرية والخسائر في البنية والمنشآت المدنية، والخسائر المادية المترتبة على التعبئة العسكرية وتعطل العمل الإنتاجي.

ويعتبر الشرق الأوسط المنطقة الأكثر تسلحا وعسكرة في العالم بكل المعايير بما في ذلك نسبة الإنفاق العسكري من الناتج العام المباشر (GDP) ونسبة الشباب المنخرط في مهمات الدفاع والأمن ونسبة الخسائر البشرية من السكان. وتتراوح بالطبع الخسائر البشرية من بلد لآخر ومن حرب إلى أخرى، كما تتفاوت فداحة هذه الخسائر تبعا لحجم السكان.

وتعتبر الحرب العراقية الإيرانية أكثرها دموية حيث حصدت 750 ألف ضحية يليها الغزو الأميركي للعراق (254 ألفا) ثم الحروب الإسرائيلية ضد لبنان والحرب الأهلية اللبنانية (162 ألفا) ثم غزو العراق للكويت وحرب التحالف ضد العراق (196 ألفا) ثم حرب الأيام الستة في 1967 (30 ألفا) ثم حرب أكتوبر/ تشرين الأول المجيدة (26 ألفا)، ثم الحرب العربية الإسرائيلية في 1948 (14 ألفا) وتليها حروب «إسرائيل» الصغيرة ضد الفلسطينيين وضد جيرانها الأردن وسورية ولبنان.

ونستنتج من ذلك أنه على رغم أن الصراع الرئيسي هو صراع العرب مع «إسرائيل» إلا أن الخسائر البشرية الأفدح ترتبت على حروب ما بين الإخوة كالحرب العراقية الإيرانية والغزو العراقي للكويت، وحروب ونزاعات أهلية كما في لبنان والأردن، وكذلك تداعيات الغزو الأميركي للعراق تتسبب في صراعات دموية أهلية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2622 - الإثنين 09 نوفمبر 2009م الموافق 22 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً