العدد 2622 - الإثنين 09 نوفمبر 2009م الموافق 22 ذي القعدة 1430هـ

الرجل الأكثر شعورا بالعزلة في العالم

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

ربما يكون الدكتور عزالدين أبوالعيش الرجل الأكثر شعورا بالعزلة بعد أن فقد ثلاث بنات له عندما ضربت قذائف إسرائيلية منزله في غزة قبل يومين من سريان وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وحماس. ويبدو أنه آخر من بقي في هذه المنطقة من الشرق الأوسط ذات التصنيف الكبير بين «نحن» و «هم» ممن يرفض أن يكره الآخر.

التقينا به في مستشفى قريب من تل أبيب حيث يعمل فيه بصورة غير دائمة، لا بصفته معالجا ولكن بصفته أبا لابنته المصابة «شذا» ذات الـ 17 ربيعا التي اقتلعت قذيفة عينيها من محجريهما وبترت عددا من أصابعها. وقبل ذلك بأربعة أشهر بالضبط كانت زوجته قد فارقت الحياة إثر إصابتها بسرطان الدم وتركت وراءها ثمانية أطفال.

أيُّ كلمات عزاء يمكن أن تقال في موقف هكذا؟ بكيت معه.

قال: «سألني العديد من الناس: لماذا لم تهرب؟ أخبروني عن مكان واحد آمن في غزة كان يمكن أن ألتجئ إليه!».

كانت ابنته دلال ذات الـ 19 عاما توزع الحلوى فرحا باستعادة ابنته شذا وعيها بعد الجراحة، بينما واصل والدها الحديث: «لماذا ينبغي علي مغادرة منزلي؟ كم مرة في حياتنا يتوجب علينا نحن الفلسطينيين مغادرة منازلنا؟ ولماذا؟ كان الأبناء يملؤون بيتي، وكذلك الآمال وحب العلم، ليعيشوا ويسهموا في بناء المستقبل».

نجا الدكتور أبوالعيش من الموت لأنه كان قد غادر الغرفة قبل القصف بثوان وهو يحمل بين ذراعيه ولده الصغير. وعندما عاد كانت بناته بيسان (22 عاما) وميار (15 عاما) وآية (14 عاما) قد قتلن.

حدثني وقد أجهش بالبكاء: «خاطبني أصغر أبنائي حمد: أبي لا تحزن فقد استدعتهم أمي لينضموا إليها فهي تريدهم».

ابنة أخته نور ذات الـ 14 عاما هي الأخرى قتلت، فقد التحقت بأسرته قبل أيام قليلة بعد أن غادرت مخيم اللاجئين الذي كانت تعيش فيه برفقة أمها وأشقائها.

قال الدكتور أبوالعيش إنها كانت قد قالت: «أفضل الموت هنا على البقاء في المخيم، فنحن لم نستحم منذ عشرة أيام، ولم يكن يتوفر طعام لنا، وهنالك 30 إلى 40 شخصا في الغرفة... فأي حياة هي تلك؟ أفضل الموت هنا معكم». أضاف الدكتور أبوالعيش: «جاءت لتلقى حتفها».

كانت آهات وأشجان الدكتور أبوالعيش وهو يتحدث بالعبرية عن فقدان بناته في بث حي للتلفزيون الإسرائيلي قد حركت الدموع في عيون مقدمي البرنامج. فحتى ذلك الوقت كان معظم الإسرائيليين يشاهدون حربا مختلفة تماما تركز على الجنود الإسرائيليين المرسلين لإيقاف هجمات صواريخ حماس على جنوب «إسرائيل» طوال ثمان سنوات، دون التطرق إلى معاناة المدنيين في غزة.

هل تكره «إسرائيل»؟ أجاب الدكتور أبوالعيش: «أبدا. أنا لم أكره أحدا في حياتي ولن أكره أو أدع أبنائي يكرهون أحدا. أنا أكره أفعالا كالقتل وأكره الجريمة، ولكنني لا أكره أي شخص، فالكراهية مرض».

الدكتور أبوالعيش فلسطيني يتعامل مع الإسرائيليين ندا لند، فهو ليس عاملا أو بستانيا أو عامل نظافة، بل أخصائيا بالطب النسائي تدرب في مستشفيين في «إسرائيل» وعالج حالات العقم لدى الإسرائيليات وأشرف على ولاداتهن. وهو ناشط سلام معروف سبق وأن شاركت بناته الفقيدات في مخيم سلام خاص بالأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين. كما أنه أكاديمي أجرى دراسات عن تأثيرات الحرب على أطفال غزة و»إسرائيل». وقد زادت مأساته الشخصية من اهتمامه بأبحاثه في هذا الميدان.

أخبرني أنه شعر بالضيق لأن الجنود الإسرائيليين في معبر إيريتز كانوا أول الإسرائيليين الذين رآهم أبناؤه بعد مغادرة غزة في طريقهم إلى تل هاشومر لإجراء الجراحة اللازمة لابنته شذا. وأضاف: «أردت أبنائي أن يروا الإسرائيليين الطيبين ذوي النزعة الإنسانية وأن يعرفوا أن هناك طيبين في كلا الجانبين».

وقد أخبرني غادي كيني - وهو ناشط سلام إسرائيلي أخذني ليعرفني بالدكتور أبوالعيش - أن هذا الطبيب الفلسطيني يمكن أن يكون شخصية مماثلة للمهاتما غاندي، أو نيلسون مانديلا، أو مارتن لوثر كينغ، وهو ما نحن بحاجة ماسة إليه.

لقد أصبح الدكتور أبوالعيش حقا مثار جدل بالنسبة للإسرائيليين الذين احتاروا في حرب يدعي كل طرف فيها تحقيق الانتصار على الآخر، والتي تعكس فيها أعداد الضحايا حالة التباين: 1300 فلسطيني بينهم 700 مدني على الأقل، وعشرة جنود مع ثلاثة مدنيين في الجانب الإسرائيلي.

وضع بعضهم اللوم على الدكتور أبوالعيش، ففي مؤتمر صحافي في المستشفى قبل أيام من لقائنا، صرخت امرأة إسرائيلية تدعى ليفونا ستيرن شارك ثلاثة من أبنائها في القتال بغزة في وجه الطبيب الفلسطيني قائلة: لابد وأنه كان قد أخفى أسلحة في منزله، أو أن حماس قد استخدمت منزله لإطلاق الصواريخ منه على الإسرائيليين، لكنه أنكر تماما تلك التهم.

وبالنسبة لآخرين، أثارت مصيبة الدكتور أبوالعيش أسئلة متباينة حول موقف الإسرائيليين من الفلسطينيين. فقد طرح الملحق الأسبوعي لصحيفة تل أبيب هائير تساؤلا: «متى وكيف ولماذا أصبحنا مجردين من التعاطف الإنساني هكذا؟ إن ما فعلته ليفونا ستيرن لم يكن هجوما على الطبيب أبوالعيش، بل كان دفاعا عن نفسها لأنه يمثل تهديدا لآرائها المتمثلة باعتبار الفلسطينيين إرهابيين».

ويوم التقينا، كان الطبيب أبوالعيش ومن نجا من أبنائه محاطين بمجموعة من الأصدقاء الفلسطينيين والإسرائيليين، وكان هو جسرا يجمع الطرفين حتى خلال مأساته.

قال لي: «أتمنى أن تكون هذه آخر مأساة. نريد تحصين أبنائنا بالحب والاحترام والكرامة والمساواة. هذه هي الوصفة التي نحن الطرفين بأمس الحاجة إليها».

* محاضرة حول القضايا العربية والإسلامية في الولايات المتحدة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2622 - الإثنين 09 نوفمبر 2009م الموافق 22 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً