من سيصدّق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في إعلان قراره عدم الترشح لولاية ثانية في الانتخابات المقبلة في يناير/ كانون الثاني المقبل؟

الولايات المتحدة رغم اعترافها بأنه «رجلٌ تاريخيٌ وشريكٌ حقيقي»، حاولتْ أن تُظهر عدم اكتراثها بالموضوع، فإذا ذهب عباس فهناك ألفُ عبّاسٍ وكبّاس، يمكنه أن يقدّم تنازلاتٍ أكثر منه، تماما كما قدّم هو تنازلاتٍ لم يقدّمها سلفه ياسر عرفات.

«إسرائيل» لم تصدّق أيضا، ولكنها لم تخفِ عدم ارتياحها من القرار، فقد اتصل به رئيس الكيان شيمون بيريز قبل يوم من إعلان قراره، وحاول إقناعه بالعدول عنه، ما يدلّ على معرفتهم المسبقة به، بل وربما يكشف عما بلغه مستوى الثقة والتعاون والتنسيق في عهده. والمضحك أن بيريز خاطبه بقوله: «إذا تنحيت فسيفقد الفلسطينيون فرصتهم في الحصول على دولة مستقلة»! وأضاف: «سيتدهور الوضع في المنطقة، فابقَ من أجل مصلحة الفلسطينيين»، فأحد «أبطال» مجزرة غزة، أصبح حريصا جدا على مصلحة الفلسطينيين وإعطائهم دولة محترمة!

عباس الذي طالب الآخرين بأن يتفهموا رغبته وقراره غير القابل للنقاش، «هدّد» بـ «خطوات أخرى سيتخذها في حينه»، فتنحيه عن منصبه سيعني وقوع كارثةٍ في الشرق الأوسط! وبعض الإسرائيليين جاروه في أحلامه فأعربوا عن قلقهم لأن عدم ترشحه سيمثل عائقا أمام عملية السلام، بينما لم يكترث به آخرون، فالمهم عندهم ألاّ يؤدي ذلك إلى تدمير «جهود إطلاق المفاوضات والتوصل لاتفاق سلام»!

عربيا، طالبَ أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، فخامة الرئيس عباس العودةَ عن قرارِه، فنحن قومٌ لا نتنازل عن كراسي الرئاسة مهما كان حجم الضغوط والتضحيات الشعبية، ولا يجوز لحاكمٍ منا أن يخلع قميصا ألبسه الله إياه... فهذا القميص لا ينزعه إلاّ ملك الموت عزرائيل عليه السلام!

لقد دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة حاسمة وتاريخية بإعلان عباس عدم الترشّح، فهو سيترك فراغا سياسيا ودبلوماسيا وجيوبوليتيكيا كبيرا، ولذلك فنحن مقبلون على عدة سيناريوهات سيئة، وقى الله العرب والمسلمين شرّها!

ولأن المنطقة العربية لا تتحمل مثل هذه القرارات الفردية، من استقالات والتخلي عن الرئاسات وترك الكراسي فارغة، فإن السيناريو الأقرب لطبيعة المنطقة جيوبوليتيكانيا، هو أن تدعو الجامعة العربية إلى عقد مؤتمر قمة طارئة لمناقشة تداعيات هذه الاستقالة الخطيرة، ويصدر عنها بيانٌ يدعو الرئيس عباس إلى التعقّل والابتعاد عن الخطوات غير المدروسة، والبقاء في منصبه بعيدا عن الانفعالات والمغامرات!

فلسطينيا، ستبقى «حماس» و«الجهاد» في غزّة على إصرارهما بأن الاستقالة لا تعنيهما في شيء، فهي مجرد عتاب من عباس لأصدقائه الإسرائيليين والأميركيين. أما في الضفة فالمتوقع أن تصر اللجنة المركزية على اعتبار عباس المرشّح الأوحد لمنصب الرئاسة. وسيُصدر المجلس الثوري فتوى شرعية تحرّم منافسته أو مناقشته أو الاعتراض على أيٍّ من قراراته الرئاسية، وإلاّ سيكون نصيبه الفصل من جانب الفصائل التابعة للرئيس!

على المستوى الشعبي، سيتم تنظيم مؤتمرات جماهيرية وعقد ندوات سياسية، تدعو إلى تنصيب عباس في الرئاسة إلى الأبد! فنحن قومٌ اختصنا الله من دون بقية شعوب الأرض برؤساء يرِثون الأرض ومن عليها ويورّثونها لأنجالهم، مع الالتزام التام بكافة الإجراءات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان