لا شك أن ما جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية مؤكِّدا على ما يطالب به المجتمع المدني في البحرين، وهو ضرورة المحاسبة والاعتماد على أنظمة رقابية كفيلة بحماية المال العام في البلد، كما إننا لا نغفل الجوانب الإيجابية التي تتضمّنها الرقابة بشكل عام، وتقرير ديوان الرقابة المالية بشكل خاص.
إلا انه لوحظ من الردود الغاضبة من قبل بعض الجهات، بأنّ رقابة تصريحات ديوان الرقابة المالية في الصحف غير دقيق جدا، ويدل على أن هناك حلقة مفقودة بين شكل التقرير الختامي لديوان الرقابة، وبين ردود تلك الجهات على ذلك التقرير، حيث تواردت الردود من قبل الجهات التي تم التدقيق عليها كوزارة المالية وبلدية المحرق وشركة ممتلكات وغيرها من الجهات.
وما لفت انتباهي هو رد بلدية المحرق، والذي جاء مفنِّدا لما احتواه التقرير من أن البلدية غير متجاوبة مع الديوان، وخاصة أن شركة التدقيق التي أرسلها ديوان الرقابة المالية، وبشهادة شركة التدقيق (لدي نسخة من ملاحظات الرقابة النظامية للأعوام 2004-2008م).
وبحسب الملاحظات الواردة في التقرير، فإنّ البلدية قامت بتنفيذ العديد من توصيات السنوات السابقة، بالإضافة الى إن الشركة قدّمت شكر وتقدير الى المسئولين في بلدية المحرّق على حسن تعاونهم خلال أعمال الرقابة. فكيف يستقيم ذلك مع مطالبة ديوان الرقابة بمساءلة المسئولين؟!
ما جرى لبلدية المحرّق مثال حي على وجود حلقة مفقودة في الأمر، قد تكون تلك الحلقة متعلقة بالآلية التي وضعها الديوان بخصوص المخاطبات المتعلقة بإرسال الاستفسارات وتلقي الإجابات، وخاصة أن طلبات الاستفسارات تُقدم من خلال المجلس البلدي ويُرد عليها من قبل المجلس ذاته، في حين أن التدقيق يتم على الجهاز التنفيذي.
أليس من المفترض أن يستفسر الديوان مباشرة من الجهاز التنفيذي ويتلقى الإجابة والرد من الجهاز نفسه، مع إخطار المجلس البلدي بجميع المراسلات التي تتم بين الطرفين، ليبدي ملاحظاته أو تعقيبه على التقرير؟
من جانب آخر فإنّ إيجابية الرقابة على الأموال العامة للدولة لا تخفى على أحد، لما يمثّله ذلك من تدشين أسس سليمة وشفّافة لإدارة المال العام، وما 315 مليون دينارا التي ضخّتها شركة ممتلكات في إحدى شركات النقل الوطنية دونما وجود دراسات، وتمويل هذه المبالغ عن طريق السحب على المكشوف، ومنح إحدى الشركات الأجنبية 10 ملايين جنيه إسترليني، على رغم إن هذه الشركة لا تندرج ضمن الشركات التابعة لممتلكات، إضافة الى عدم التزام ممتلكات بقانون المناقصات، ووجود تعارض في المصالح، إلا دليل حي على أهمية ديوان الرقابة المالية.
هناك الكثير من الشركات الكبيرة التي لها ثقلها في البحرين، إلا أن إخضاع ديوان الرقابة لها، هو دليل قوي ومؤشّر مشجّع جدا على أهمية الرقابة المالية، وتدارك الأخطاء وتنظيم آلية العمل، لكي تنسجم مع الجهات المعنية بالتدقيق والرقابة.
مع ذلك، على مجلس النواب أن يتعاطى مع التقرير بصورة مهنية وذات حرفنة، بعيدا عن المزايدات السياسية وتصفية الحسابات والخصومات الشخصية، حيث درجنا في هذا البلد من مجلس النواب المنقسم شكلا ومضمونا، بأنّه غالبا ما يدخل الحسابات الطائفية، أو يجعل الحسابات الطائفية منطلقا لأعماله الرقابية والتشريعية.. إن هذا البلد بلد الجميع، والمال العام هو ملك للجميع
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2620 - السبت 07 نوفمبر 2009م الموافق 20 ذي القعدة 1430هـ