بعد كوريا الشمالية التي تملك أسلحة نووية وانشغال إيران في بناء برنامج نووي سلمي، تسعى دول أخرى وبصورة متزايدة للحصول على «الخيار النووي».
وبعد صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، كتب مدير فريق أبحاث سياسة الأمن في مؤسسة الأبحاث والسياسة الدولية أوليفر ترانرت وهي مؤسسة تعتبر مطبخ أفكار السياسة الخارجية الألمانية، في صحيفة «دي فيلت» الصادرة في برلين يشير إلى أنه تجري مناقشة هذا الخيار على أعلى المستويات في الرياض بعد أن وضعت ورقة استراتيجية ترتكز على ثلاثة خيارات:
ــ الحصول على كمية من الأسلحة النووية لتكون وسيلة للردع.
ــ التحالف مع قوة نووية لضمان أمن المملكة.
ــ العمل لجعل منطقة الشرق «الأدنى» و«الأوسط» خالية من أسلحة الدمار الشامل.
لا يبدو أنه تم التوصل إلى قرار يتعلق بالسعي للحصول أو بناء برنامج نووي لكن الحكومة السعودية تشعر بالقلق حيال تطورين:
ــ التباعد المتزايد الحاصل بين المملكة والولايات المتحدة.
ــ البرنامج النووي الإيراني الموازي للبرنامج النووي الإسرائيلي.
وعلى رغم أن الكثير من السعوديين لا يشعرون أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديدا مباشرا لأمن بلدهم لكنهم يتساءلون إلى متى تستمر السعودية في التخلي عن امتلاك أسلحة نووية لغرض الردع. ويأتي نشر هذه المعلومات قبل أيام قليلة على الزيارة التي سيقوم بها المستشار الألماني غيرهارد شرودر إلى ثلاثة بلدان عربية وستكون السعودية محطته الثانية إذ سيجري مباحثات مع ولي العهد الأمير عبدالله. وقالت مصادر دبلوماسية في برلين إن المستشار الألماني الذي تواجه حكومته خطر الانهيار في حال فشل برنامجه الإصلاحي وهدد بالاستقالة من منصبه إذا لم يحصل على تأييد نواب حزبه الاشتراكي الديمقراطي ونواب حزب الخضر، يريد التأكيد على موقف بلاده في فرض الاستقرار في العراق وحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى جانب تعميق العلاقات الاقتصادية مع العالم العربي.
لا يأتي الحديث عبر وسائل الإعلام الألمانية عن مسعى السعودية للحصول على أسلحة نووية محض مصادفة وليس بأية حال مفاجأة من وجهة نظر الخبراء. منذ وقت تتداول أجهزة الاستخبارات معلومات تتحدث عن تعاون سعودي/باكستاني وتفيد أن الرياض ساهمت في تمويل البرنامج النووي الباكستاني. وفي العام 9991 قام خبراء في وزارة الدفاع السعودية بالسفر إلى باكستان إذ اجتمعوا مع مهندس القنبلة النووية الباكستانية عبدول خان الذي أطلعهم عن معلومات عن البرنامج النووي الذي أنشأته اسلام آباد.
وجاء في تقرير ترانرت أنه علاوة على ذلك سبق وأن اشترت السعودية من الصين في منتصف الثمانينات ما يتراوح بين 05 و06 من الصواريخ (طرازCSS-2 ) بقيمة ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار ويستطيع كل رأس نقل كمية 0052 كلغ من المتفجرات مما يجعل هذه الصواريخ قادرة على نقل حمولة نووية. وفقا لتقدير الخبراء بوسع هذا الطراز من الصواريخ ووفقا للكمية التي يحملها بلوغ هدفه على بعد أربعة آلاف كلم.
يسود الاعتقاد عند مصادر في الولايات المتحدة أن السعوديين جهزوا هذه الصواريخ بأسلحة كيماوية. لكن ليس هناك ما يؤكد صحة هذه التكهنات. لكن السعوديين رفضوا أكثر من مرة طلب الأميركيين أن يقوموا بزيارة مواقع الصواريخ الصينية. ويعتقد أن هذه الصواريخ أصبحت قديمة لأنها من الصواريخ التي أنتجها الصينيون في مطلع السبعينات. في الآونة الأخيرة تحدثت شائعات عن عزم السعودية شراء مجموعة من الصواريخ الصينية من الطراز الحديث لكن هذه المعلومات أيضا لم تؤكد.
يعتقد بعض الخبراء أن السعودية قد تصبح أول دولة لا تعمل بنفسها في إنتاج أسلحة نووية لكنها ستقوم بشراء رؤوس نووية جاهزة يمكن إطلاقها بواسطة الصواريخ الصينية من طرازCSS-2 . ويعتقد أن باكستان ستقوم بعملية تزويد السعودية بهذه الأسلحة. لكن الخبراء يشكون بإمكان قيام اسلام آباد ببيع السعوديين أسلحة نووية ويجدون في تحليلاتهم احتمال عقد اتفاق مشترك بين البلدين عن التعاون النووي. كما يعتقد الخبراء أن باكستان قد تلجأ إلى تخزين رؤوس نووية داخل الأراضي السعودية وتحتفظ اسلام آباد بحق فرض رقابة عليها.
إن هذا التعاون لا يشكل خرقا لمعاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما هو نسخة طبق الأصل عن التعاون النووي القائم بين الولايات المتحدة وألمانيا. خلال «الحرب الباردة» قام الأميركيون بنشر صواريخ في ألمانيا من طراز لانس ومن طراز بيرشينغ كي يستخدمها الأميركيون عند الحاجة وإلى اليوم تملك ألمانيا طائرات «تورنادو» التي تستطيع رمي أسلحة نووية أميركية. وتحتفظ الولايات المتحدة بحق الإشراف على هذه الأسلحة. إنه المثال الذي تستطيع باكستان بناء عليه تجهيز السعودية برؤوس نووية.
مقارنة مع المناهضة المتشددة التي تبديها الولايات المتحدة تجاه البرامج النووية في كوريا الشمالية وإيران، سيكون من الصعب على واشنطن وضع استراتيجية فعالة في مواجهة احتمال امتلاك السعودية أسلحة نووية. على العكس من كوريا الشمالية أو إيران فإن السعودية ليست واحدة من «الدول المارقة»، كما ليس بوسع الأميركيين التوقف عن حمايتها وإلا فإنهم سيزيدون اهتمامهم في الحصول على أسلحة نووية. كذلك فإنه من الصعب أن تمارس إدارة جورج بوش ضغطا سياسيا بسبب حاجتها إلى النفط ولانه ليس في مصلحة واشنطن زعزعة الاستقرار.
إذا ثبتت هذه المعلومات سيزيد في القريب عدد الدول التي تملك أسلحة نووية بصورة غير رسمية مثل الهند وباكستان و«إسرائيل» وكوريا الشمالية وربما إيران والسعودية وذلك إلى جانب الدول النووية وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا.
هل سيقوم المستشار الألماني شرودر بالتطرق إلى هذا الموضوع حين يزور السعودية بعد أيام قليلة في إطار جولته الشرق أوسطية التي ستقوده إلى مصر ثم السعودية ويختتمها بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة؟
العدد 394 - السبت 04 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ