إن الذين صاروا يزايدون اليوم من السياسيين القدامى في زمن الانفتاح والشفافية ممن انحسر وجودهم في مرحلة قانون أمن الدولة ويظهرون كأبطال على منابر الأندية والمراكز الثقافية ويتحولون إلى مرشدين سياسيين ويحاولون أن يلعبوا دور المرشد في توجيه الناس أصبحت لعبتهم مكشوفة للمواطن الحصيف الذي تابع الحركة الوطنية منذ الستينات وهو اليوم لا تنطلي عليه هذه المزايدات وإن كان يسكت تأدبا أو من منطق أن هذه الفئة لا تستحق الرد.
إن العناصر التي تحاول هذه الأيام لبس خوذة المقاتل لم يجدهم المواطنون محاربين في مرحلة المواجهة الساخنة.
والسياسي الناضج هو الذي يخدم المواطن والوطن أكثر من السياسي المتهور. فالاعتقاد أن مرحلة الحرية والشفافية تعطيه الحق في أن يبرز عضلاته ويفرض ما يريد ويقول ما يشاء ويختلق معارك وهمية ليُعَرِّف الشعب بمكانته وصلابته فهذا لن يحقق مكاسب لشعبه بقدر ما يفرض على القيادة الحذر والخوف من الاصلاح والتغيير.
إن أسوأ سياسي ذلك الذي يحاول طعن اجتهادات الآخرين وإلغاء دورهم والاعتقاد بأنه على حق والآخرين على باطل والتاريخ يكشف لنا كيف أن السياسيين كانوا ينزلون عند رغبة الجماعة حتى عند إحساسهم بأنهم على حق، ألم يوافق الإمام علي (ع) على رغبة جنوده في التحكيم على رغم أنه كان يدرك أن الجماعة على خطأ.
فالسياسي الناضج والسياسي الديمقراطي والسياسي الذي لا يلغي الرأي الآخر هو الذي لا يطعن في وجهات نظر الآخرين حتى لو اعتقد أنه على صواب كما فعل الإمام علي (ع).
لا أود أن أذكر المواطنين بموقف أحد أبطال مرحلة الانفتاح حين زاره أحد المعارضين في دمشق ترجاه أن يخرج بسرعة لأن السفير في زيارة له ولا يريد أن يراه مع معارض فيظن به الظنون.
ولا أريد أن أذَكّر المواطنين بأن أحد أبطال اليوم هو ذلك الذي رفض أن يبيع الدواء واحتياجات علاج مصابي الانتفاضة في العام 5691.
ويبدو أن البطولات أصبحت وقفا على مواسم من دون مواسم أخرى.
العدد 394 - السبت 04 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ
