العدد 391 - الأربعاء 01 أكتوبر 2003م الموافق 05 شعبان 1424هـ

الغطرسة الإمبريالية والآراء المقولبة الذميمة عن العرب

إن الامبراطوريات الحديثة العظيمة لم يتم السيطرة عليها بالقوة العسكرية فقط. فقد حكمت بريطانيا الأراضي الشاسعة في الهند ببضع آلاف من الضباط والجنود كان الكثير منهم من الهنود. وقد فعلت فرنسا الشيء نفسه في شمال افريقيا والهند الصينية وهولندا في اندونيسيا والبرتغال وبلجيكا في افريقيا.

كان العنصر الأساسي يتمثل في المنظور الامبريالي: النظر إلى واقع أجنبي بعيد وإخضاع هذا الواقع إلى نظرة الدولة الامبريالية وتشكيل تاريخ الدول المستعمرة من وجهة نظر الدول الاستعمارية والنظر إلى شعوب هذه الدول كرعايا يمكن تحديد مصيرهم حسبما ترى الجهة الاستعمارية التي تدير شئونهم. ومن هذه المناظير المتعمدة تتطور الأفكار بما في ذلك النظرية التي توحي بأن الامبريالية شيء لطيف وضروري. وقد نجحت هذه النظرية لبعض الوقت إذ اعتقد الكثير من القادة المحليين - خطأ - أن التعاون مع السلطة الامبريالية هو المخرج الوحيد.

ونظرا لأن المناقشة بطريق الحوار بين المنظور الامبريالي والمحلي قد تكون عدائية وغير دائمة يصبح النزاع في مرحلة ما بين الحاكم والمحكوم أمرا لا يمكن احتواؤه ويتسع ليصبح حربا استعمارية كما حدث في الجزائر والهند.

إننا لانزال بعيدين عن مثل هذه السيطرة الأميركية في الوقت الراهن على العالم العربي والإسلامي لأن المصالحة التي قام بها حكام محليون غير محبوبين في القرن الماضي قد نجحت حتى الآن. ومنذ الحرب العالمية الثانية ظلت السياسة الأميركية قائمة على استراتيجية المصالح الأميركية في الشرق الأوسط المتمثلة أولا في ضمان إمدادات النفط وثانيا ضمان قوة وسيطرة «إسرائيل» على جيرانها بكلف باهظة.

وعلى أية حال فإن كل امبراطورية تخبر نفسها والعالم أنها تختلف عن الامبراطوريات الأخر وأن مهمتها ليست السلب والسيطرة بل التعليم والتحرير. وليس بالضرورة أن يكون لدى سكان هذه الامبراطوريات هذه الأفكار نفسها ولكن هذا لم يمنع أبواق الدعاية والسياسة الأميركية من فرض منظورها الامبريالي على الأميركيين الذين يستقون معلوماتهم عن العرب والمسلمين من مصادر غير وافية بشكل مؤسف. لقد أصبحت عدة أجيال من الأميركيين تنظر إلى العالم العربي على أنه مكانا خطرا ومرتعا خصبا للارهاب والتطرف الديني يتم فيه غرس الشعور بالعداء للأميركيين في الشباب من قبل رجال دين أشرار معارضين للديمقراطية ومعادين للسامية بشدة.

وقد أصبح العرب في الولايات المتحدة عرضة للهجوم. فإذا تحدثت العربية أو أبديت تعاطفا مع التقاليد الثقافية العربية الكثيرة فإنك تظهر في أعينهم مصدر تهديد «لإسرائيل».

إن وسائل الإعلام هناك تشن حملات بذيئة عنصرية متشابهة ضد العرب. فيمكنك على سبيل المثال قراءة المقال الذي كتبته سنثيا أوزك في مجلة «وول ستريت» والتي تتحدث فيها عن الفلسطينيين أنهم قد ربّوا أطفالا يختلفون عن أي أطفال آخرين مجردين من التقاليد والسلوكيات العادية. وتقول سنثيا عن الثقافة الفلسطينية إنها ذميمة وأن المذهبية فيها ارتقت إلى روحانية شريرة.

ويبدو أن الأميركيين يعتقدون أنه عندما يظهر زعيم في الشرق الأوسط محبوب لدى قادتنا مثل شاه إيران أو أنور السادات فإن هذا الزعيم يكون شخصا غير عملي يقوم بعمل الأشياء التي نريدها ليس لأنه يفهم لعبة القوى الامبريالية ولكن لأنه يتأثر بالمبادئ المشتركة بيننا. وبعد مرور حوالي ربع قرن على اغتياله أصبح السادات شخصا منسيا وغير محبوب في بلده لأن غالبية المصريين يرون أنه قد خدم المصالح الأميركية.

ويعد الأمر صحيحا كذلك بالنسبة إلى شاه إيران. إن وصول قادة آخرين بعد الشاه والسادات أقل قبولا لدى الولايات المتحدة يبين أن العرب ليسوا متشددين ولكن الاشكال الشائنة للامبريالية تولد اشكالا أخرى ما يحدث اشكالا متطرفة من المقاومة وتوكيد الذات السياسي.

وقد قام الفلسطينيون بإصلاح أنفسهم بالسماح لمحمود عباس أن يصبح زعيمهم بدلا من ياسر عرفات الفظيع. ولكن «الإصلاح» هي مسألة تخضع للتفسير الامبريالي.

إن الولايات المتحدة و«إسرائيل» تنظران إلى عرفات عقبة في طريق التسوية التي تريدان فرضها على الفلسطينيين وهي تسوية تتجاهل تماما المطالب الفلسطينية وتسمح «لإسرائيل» بأن تزعم أنها قد كفّرت عن خطيئتها الأصلية.

لا بأس أن يظل عرفات - الذي انتقدته لسنوات في وسائل الإعلام العربية والغربية - الزعيم الفلسطيني الشرعي المعترف به عالميا. لقد تم انتخاب عرفات بصورة ديمقراطية ويحظى بتأييد شعبي لا يحظى به أي فلسطيني آخر ولا حتى محمود عباس البيرقراطي ومساعد عرفات لفترة طويلة.

ويجب ألا نُعير الاهتمام بوجود معارضة فلسطينية متحدة: المبادرة القومية المستقلة. إن هذه المعارضة لا تلقى أي اهتمام لأن الولايات المتحدة والمؤسسة الإسرائيلية تريدان محاور مذعنا لا يسبب أي نوع من المشكلات.

إن هذا يشير إلى قلة التبصر في الواقع - الغطرسة العمياء للنظرة الامبريالية. ويتكرر الأسلوب نفسه في النظرة الامبريالية الرسمية اتجاه العراق والسعودية ومصر ودول عربية أخرى.

ويشكل هذا المنظور الأساسي للرأي السائد منذ فترة طويلة أو ما يعرف «بالرأي الاستشراقي» والذي ينكر على العرب حقهم في السيادة القومية وتقرير المصير لأنهم عاجزون عن الحديث بشكل منطقي وغير قادرين على سرد الحقيقة بل قتلها بشكل أساسي.

ومنذ عزو نابليون لمصر العام 8971 كان هناك وجودا استعماريا متصلا مبنيا على هذه الافتراضات في جميع أنحاء العالم العربي. وقد جلب هذا الوجود الاستعماري مآسي لا تحصى وبعض الفوائد حتى نكون صادقين.

وقد تعود الأميركيون على جهلهم ومداهنتهم للمستشارين الأميركيين أمثال بيرنارد لويس وفؤاد عجمي اللذين وجها حقدهما على العرب بكل الطرق الممكنة. وإذ إن هذا قد أصبح المذهب الإسرائيلي الذي يلقى تأييدا من المحافظين الجدد في قلب إدارة بوش فإن ذلك سيساعد في إشعال الموقف.

إن منطقة الشرق الأوسط قادمة على سنوات أخرى من الفوضى والبؤس إذ إن المشكلة الرئيسية بصراحة تكمن في الهيمنة الأميركية. ولا يمكن أن تقوم الولايات المتحدة بمعالجة الأمور التي ترفض أن تراها بوضوح.

آخر المقالات السياسية التي كتبها سعيد





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً