العدد 389 - الإثنين 29 سبتمبر 2003م الموافق 03 شعبان 1424هـ

محاكمة المسعودي في «خلية هامبورغ»

الرأي العام الألماني غير مكترث

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يوم الثلثاء الماضي التقى المغربيان منير المتصدق وعبدالغني المسعودي للمرة الاولى منذ وقت طويل، لكن هذه المرة داخل قاعة محكمة هامبورغ. فقد تم استدعاء المتصدق باعتباره شاهدا في المحاكمة العلنية التي تجرى ضد ابن بلده وصديقه المسعودي الذي يتهمه المدعي العام بالتعاون في مخطط قتل اكثر من 0003 شخص والانتماء إلى تنظيم إرهابي اجنبي.

وكان المتصدق أدين من قبل المحكمة بتهم مماثلة وحكم عليه بالسجن 51 سنة هي العقوبة القصوى المعمول بها في المانيا. وكانت هذه أول محاكمة تتعلق بهجوم 11 سبتمبر/ ايلول 1002 على الولايات المتحدة.

مثلما حصل عند محاكمة المتصدق، يتعين على القضاة سماع شهادات متناقضة من الشهود والبحث في هذه الشهادات عما يساعدهم في صنع القرار النهائي. مرة جديدة كتب على القضاة ان ينشغلوا بالتعرف على ما يدور في خلد مجموعة من الطلبة العرب المسلمين الذين تضامنوا فيما بينهم وشكلوا خلايا سرية واقاموا فيها بينهم صداقات متينة إذ من الصعب على القضاة التمييز بين تعاون ومساعدة لأن التقاليد المتبعة عند هذه المجموعة من العرب المسلمين تقضي بأن يقدم الفرد منهم المساعدة إلى الآخر. وهنا تحديدا تسعى محكمة هامبورغ إلى التوصل للحقيقة بشأن المسعودي الذي يظهر هادئ البال وهو يجلس بين المترجم ومحاميه. ويتهم المدعي العام المسعودي بتقديم خدمات إلى منفذي هجوم 11 سبتمبر خلال غيابهم عن المانيا ودفع فواتير المسكن والجامعة نيابة عنهم لتغطية تغيبهم، وهي المساعدة التي يراها المسعودي مسألة عادية فيما يراها المدعي العام شكلا من التعاون ولهذا فإن المسعودي بالنسبة إليه أحد الذين شاركوا في تنفيذ الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك. ومثلما جرى عند محاكمة منير المتصدق، سيظل أهم شاهد في هذه القضية غائبا. انه اليمني رمزي بن الشيبة الذي يقول المحققون الألمان إنه المخطط الرئيسي لهجوم 11 سبتمبر الذي اعتقل في كراتشي خلال العام الماضي ويوجد في قبضة الاميركيين في مكان يرفض الاميركيون التصريح به. ورفضت الدوائر المختصة في الولايات المتحدة الاستجابة إلى طلب القضاة الالمان بأن يمثل بن الشيبة ليشهد امامهم، ولا يتوقع احد ان تستجيب الدوائر الاميركية لطلب جديد في هذا الشأن. وعلى رغم التشابه الكبير بين محاكمة المسعودي ومحاكمة المتصدق هناك فارق مهم وهو ان محامي المسعودي احتج على قرار القضاة بالتخلي عن خدمات المترجم السابق. وذكرت صحيفة «فرانكورتر ألجماينه زونتاغ تسايتونج» أن القضاة حصلوا على معلومات تفيد بأن المترجم المحلف قام بالتحدث مع عبدالرزاق عبيد وهو أحد اصدقاء المسعودي الذي يجري التحقيق معه عن احتمال ان يكون شارك في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر.

في قضية المتصدق وجد القضاة انهم حصلوا من خلال شهادات الشهود على أدلة تؤكد انتماء الطالب المغربي منذ العام 9991 الى خلية الطلبة التي كان يتزعمها محمد عطا وكان على الاقل على علم بما كان يجري التخطيط للقيام به. وعلى رغم فشل المحكمة في اثبات مشاركته بصورة مباشرة في التخطيط للهجوم فإنها وجدته مذنبا من خلال المساعدات التي قدمها إلى الطيارين الثلاثة محمد عطا ومروان الشحي وزياد جراح، والتخفي على أماكن وجودهم خلال الفترة التي كانوا يجرون فيها تدريبات على الطيران في فلوريدا. المتصدق الذي طلب محاموه استئناف قرار الحكم ونقل القضية إلى المحكمة العليا، لم ينف معرفته بأعضاء خلية هامبورغ وخصوصا عطا والشحي وجراح وكذلك بن الشيبة وأكد للقضاة انه لم يكن على علم بما كان يجري التخطيط له.

تعرضت محاكمة المتصدق التي دامت بضعة اشهر إلى مؤثرات خارجية. فالولايات المتحدة من جهتها قامت بإرسال مراقب لحضور مرافعات القضية، وصدرت اتهامات متبادلة بين أجهزة الأمن الالمانية والاميركية بعد ان قالت الولايات المتحدة إن التخطيط لهجوم سبتمبر تم في المانيا وكان في وسع سلطات الأمن الألمانية الكشف عن المخطط واتهمت الاجهزة الالمانية السي آي إيه بالتقصير، وقامت بتسريب معلومات نشرتها وسائل الإعلام في البلدين كشفت ان المخابرات الألمانية أطلعت (سي آي إيه) العام 9991 على علاقة مروان الشحي الذي ينحدر من دولة الامارات العربية المتحدة بمنظمة «القاعدة». لكن السي آي إيه لم تنقل هذه المعلومات عن الشحي وعن مواطنين سعوديين آخرين إلى الشرطة الفيدرالية الاميركية وتركت هؤلاء الاشخاص يدخلون الأراضي الاميركية من دون التعرض لهم والتحقيق معهم. وفي نهاية المرافعات التي حظيت باهتمام الرأي العام الالماني اكثر مما تحظى به محاكمة المسعودي، لأن كل خامس الماني يعتقد ان الولايات المتحدة دبرت الهجوم أو كانت على الاقل تعرف بوقوعه لكنها تركت الارهابيين ينفذون مخططهم كي تفرض الولايات المتحدة سيطرتها العسكرية على العالم، استند القضاة في وضع قرار الحكم إلى ما جاء في شهادة شاهد كان يقطن في شقة واحدة مع المتصدق وقال إن الأخير قال في العام 9991 امامه وامام شخص ثالث: سيحدث عمل كبير وسيتعرض اليهود إلى الحرق وسنرقص على قبورهم. انها محاكمة ناقصة في رأي كثير من المراقبين وتكشف فشل القضاء الالماني في منح المتهمين بالمشاركة في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر محاكمة عادلة والاستسلام للضغوط السياسية.

بعد ان رفضت الولايات المتحدة الاستجابة لطلب قضاة هامبورغ مثول ابن الشيبة امامهم ليساعد في براءة المتصدق والمسعودي أو تحميلهما جزءا من المسئولية في التخطيط للهجوم ولم يحصل القضاة الالمان حتى على الموافقة على القاء نظرة على ملف التحقيقات التي اجروها مع بن الشيبة فيما ضغط مركز المستشارية كي لا يصر قضاة هامبورغ على طلب مثول بن الشيبة امامهم منعا للتسبب في خلاف جديد مع واشنطن. ورفض الاميركيون تقديم مبررات لرفضهم السماح بمثول بن الشيبة امام قضاة هامبورغ كما رفض مقر المستشارية تقديم ما يملكه من معلومات عن دور بن الشيبة إلى قضاة الالمان بحجة ان المانيا حصلت على هذه المعلومات من واشنطن التي اشترطت عدم الكشف عنها وان القيام بهذه الخطوة سيضر بالمصالح الامنية لألمانيا. وطالب محامو المتصدق ببراءة موكلهم لأن اتهامات المدعي العام تقوم على تخمينات وانه بوسع بن الشيبة وحده الكشف عن دور الموجودين في قفص الاتهام لكن جهود محامي الدفاع منيت بالفشل امام تعنت قضاة هامبورغ الذين وضعوا قرار الحكم تحت ضغط السياسة لأن الولايات المتحدة واقارب ضحايا هجوم 11 سبتمبر لم يتوقعوا غير حصول المتصدق على أقسى عقوبة.

فيما يتعلق بمحاكمة المسعودي فإن الوضع لا يختلف كثيرا وهناك مجموعة من الشهود والشهادات المتناقضة وغالبية هؤلاء الشهود مثلوا امام المحكمة حين نظرت في قضية المتصدق. على النقيض من المتصدق يلتزم المسعودي الذي كان يدرس تقنية الكهرباء في الجامعة التقنية هامبورغ، الصمت حيال الاتهامات التي يوجهها إليه المدعي العام، والعنصر الثاني في هذه القضية قلة اهتمام الرأي العام الالماني بمتابعة تفاصيلها. كما لا يعير المسعودي اهتماما لما يقوله الشهود وقد وصفه احدهم بمسلم حقيقي بينما قال آخر انه هادئ الطباع لكنه يملك افكارا متطرفة وشاهد ثالث قال انه لم يتذكر الكثير عما يعرفه عن المسعودي لأنه يحاول نسيان كل ما له صلة بهجوم 11 سبتمبر.

الادعاء العام يعتقد ان بيده ورقة مهمة هي شهادة الطالب الالماني شهيد البالغ 22 عاما من العمر والذي كان مهمتها بالاسلام وتعرف على غالبية أعضاء خلية «هامبورغ» في الفترة بين العامين 7991 و9991. وتوفر السلطات الامنية الحماية الامنية للطالب الالماني وقد أطلع المحققين على تفاصيل لقاءات تمت مع محمد عطا والمتصدق وكيف تناول الطعام معهما.

عن المسعودي قال الشاهد انه كان يتحدث دائما بهدوء لكن لم يكن صاحب الكلمة الأخيرة.

ليس بوسع المحكمة الاعتماد كثيرا على شهادة الشخص الذي يتمسك به الادعاء العام كورقة رابحة لأن شهيد لا يتحدث اللغة العربية وبالتالي لم يكن يعرف طبيعة المناقشات التي كانت تجرى بين الطلبة العرب.

العدد 389 - الإثنين 29 سبتمبر 2003م الموافق 03 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً