العدد 389 - الإثنين 29 سبتمبر 2003م الموافق 03 شعبان 1424هـ

أميركا طوّقت إيران... وطهران متخوفة من تهديدات «إسرائيل»

دواعي التسلح وإعلان منظومة صواريخ شهاب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثار إعلان إيران إجراءها تجربة صاروخية متطورة (شهاب 3) في يوليو/ تموز الماضي حفيظة الإدارة الأميركية و«إسرائيل» بشكل ميّزه عن أية مرة أخرى على طول السجال السياسي والإعلامي المحتدم بينهما من جهة وبين الجمهورية الإسلامية من جهة أخرى لأكثر من عقدين خليا بسبب ما أُعلِن من قدرة تقنية عالية وبمدى خطير يجعل من شمال إفريقيا وجنوب شرق أوروبا ومناطق الهلال الخصيب مرمى سهلا له، وبالتالي فهو أحدث وأوجع الصواريخ الشرق أوسطية على الإطلاق حتى الآن وهو ما أصاب القدرات العسكرية الاسرائيلية في مقتل وبات التعويل على قدرة صاروخ «حيتس» الإسرائيلي لحماية تل أبيب ضربا من الإخفاق الاستراتيجي والدفاعي، وازداد توجّس الإسرائيليين أكثر بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية نوعين آخرين من الصواريخ ذات التقنية العالية، وهما: شهاب 4 (3000 كم) وشهاب 5 (5000 كم).

«قوة إيران قوة للمسلمين»

وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود

نشطت الجهود الإيرانية وبكثافة لتدعيم قدرات الجيش وقوات حرس الثورة الإسلامية (الباسدران) بأحدث المعدات العسكرية التي تتناسب وحجم التهديدات المستمرة والمتلاحقة للأمن القومي الإيراني وحفظ مساحة البلاد الضخمة ( 1,648,000 كم) والحدود المترامية الأطراف مع سبع دول نَشِطَة في التحالفات السياسية المضادة، كما أن الحرب مع العراق (1980 - 1988) أعطت الإيرانيين فرصة لمراجعة الكثير من خياراتهم وخططهم العسكرية التقليدية التي صِيغت على عجل ومن دون تكتيكات استراتيجية حديثة نظرا إلى ظروف بدء الحرب المتسارعة وحال الفوضى السياسية والمؤسساتية المتمخضة عن عسر زوال نظام ومجيء آخـر.

كما تبيّن لهم أن تقنية الصواريخ هي الأفيد في أي معركة عسكرية مقبلة وخصوصا بعد أن لاحظوا خلال الحرب مع العراق كيف أن خصمهم تسَيَّد معارك الجو بامتياز عندما كان يلتهم بصواريخه معظم المحافظات الإيرانية الخمس (خوزستان ، إيلام، باختران ، كردستان، آذربيجان الغربية) والمدن والقرى الغربية المتاخمة لتماس الحرب بشكل متواصل بما فيها العاصمة طهران محدثا بذلك خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات ونزوحا بشريا عارما لأكثر من مليوني إيراني من قاطني محافظات التماس إلى عمق الداخل الجغرافي، الأمر الذي خلق حالا من الهلع لدى الإيرانيين كان لها مفعولٌ بالغ التأثير على أجواء الحرب وظروف سيرها.

لذلك فإنه وفي العام 1992 كان لدى إيران نحو خمسة آلاف شخص يتلقون دورات دراسية عسكرية في روسيا وكوريا الشمالية والصين ويوغسلافيا ورومانيا والهند والبرازيل، كما انها اتجهت إلى التعامل مع شركات السلاح العالمية في الشرق (في روسيا والصين والهند) كشركة الصناعات الصينية الشمالية المعروفة باسم «نورينكو» وهي شركة بارزة في تصدير القذائف والصواريخ للشرق الأوسط وقد حصلت إيران عن طريقها على فولاذٍ من نوعية عالية الجودة وخلطات معدنية خاصة يتم استخدامها حاويات لمحتويات صاروخية وللدروع المعدنية التي توضع عن أنظمة القيادة والإرشاد، كما قامت بإنشاء الكثير من المصانع التسليحية في قوات حرس الثورة الإسلامية وأممتها كمجموعة صناعات الشهيد همّت ومصنع فاتح 110 ومؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية وغيرها من الشركات الأخرى، مستغلة في ذلك عدم توصل المجتمع الدولي إلى إبرام معاهدة دولية أو نظام قانوني محدد لإنتاج واستخدام الصواريخ.

والمتتبع لحركة التصنيع العسكري الإيراني (وخصوصا في مجال الصواريخ) يرى أن النَفَسَ التكنولوجي الروسي والصيني في المجال العسكري بائنٌ وبجلاء على تركيبتها التقنية والفنية على رغم انها صُنِعَت بأيد إيرانية مُستنسَخَة، فمعظم الصواريخ الإيرانية كشهاب 3 وشهاب 4 وشهاب 5 ومنظومة صواريخ زلزال 1 وزلزال 2 وزلزال 3 وصياد 1 المضاد للطائرات هي كلها تحوير آخر لصواريخ شرقية الصنع كـ إس إس 4 الروسية ودودونغ وتايبو دونغ الكوريين الشماليين، وسلكوروم الصيني إذ تقوم إيران بالاستفادة من تقنيتها ومن إعادة تصنيعها .

وتُشير الدراسات العسكرية الحديثة إلى أن إيران تقوم حاليا بإنتاج أكثر من 80 في المئة من أسلحتها الثقيلة، كما أنها:

- بدأت في إنتاج صاروخ (فاتح 110) من طراز أرض أرض بمدى يبلغ 520 كم وأجريت له تجربة ناجحة في السادس من سبتمبر/ أيلول 2002م.

- أعلنت في شهر سبتمبر الماضي على لسان رئيس مؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية العميد أحمد وحيدي تدشينها مصنعا جديد لإنتاج صاروخ كروز البحري وصاروخ فجر وخط إنتاج للمدفعية المضادة للجو من عيار 35 ملم، كما تمّ اعلان إنتاج صواريخ مضادة للدروع وصواريخ تعمل بالوقود الجامد.

- بدأت في تصنيع ناقلات الدبابات تيماز (وهي تطوير للدبابة الروسية تي 72) وكذا تصنيع دبابات ذو الفقار.

- بدأت في العام 1997م في تصنيع الطائرات الخفيفة من دون طيار ومقاتلات إف 4 وإف 5 والطوافة شباوز 75 وشباوز 260 التي يمكنها التحليق على ارتفاع 16200 قدم (3800 متر) .

وأشار مساعد شئون التنسيق في وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة العميد بحري محمد شفيعي في تصريح له نشرته صحيفة «كيهان» الإيرانية الواسعة الانتشار في 18 سبتمبر الماضي إلى أن الجمهورية الإسلامية وصلت في قطاع المعدات الدفاعية إلى الاكتفاء الذاتي ولا حاجة لها إلى الدول الأخرى وانها تنافس ما تمتلكه تركيا والهند ودول أخرى في هذا المجال.

وتابع قائلا: «إن عامل عبورنا من كوننا مستهلكين فقط إلى الاكتفاء الذاتي في القطاع الدفاعي هو المصادر البشرية بحيث توصلنا اليوم إلى إمكان وضع التصميمات في مجال الدروع والصواريخ والأجهزة الالكترونية والاتصالات والرادارات والكمبيوتر، وإن قدرتنا في صناعة الطائرات وصلت إلى الحد الذي نمارس فيه الأنشطة في صنع المروحيات والقطع البحرية والبرمائية والطائرات من دون طيار والتي تتميز بتكنولوجيا متطورة للغاية، كما أكد شفيعي أن إيران تنتج صواريخ مضادة للدروع تنتج رادارات من نوع «بصير» وتصمم وتصنع طائرات «فجر 3» ورشاشات متعددة الأغراض وعددا من المعدات الذكية والأسلحة الفردية.

علما بأن إيران بدأت في تصدير السلاح إلى أكثر من 54 دولة من بينها السودان التي يقوم خبراء وزارة الدفاع الإيرانية فيها بتعمير وصيانة طائرات من دون طيار.

وإلى جانب كل ذلك بذَل الإيرانيون الكثير من المال قارب 21 مليار دولار لشراء كميات كبيرة من السلاح والعتاد في الفترة من 1996 وحتى 1998م إذ كانت مع روسيا بـ 6 مليارات ومع الصين بـ 4 مليارات ومع كوريا الشمالية بـ 2 دولار، ويمكن تفصيل ماهية تلك الصفقات طبقا لدراسة اللواء الركن جمال مظلوم من مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية كالآتي:

ضمّت صفقة الأسلحة الروسية حوالي 12قاذفة استراتيجية ثقيلة و24 مقاتلة هجومية استراتيجية بعيدة المدى من طراز (سوخوي 27) و48 مقاتلة (ميغ 29) و24 مقاتلة (ميغ 31) و24 مقاتلة (ميغ 27) وطائرتين للرصد والإنذار المبكر من طراز اليوشن، إضافة إلى 400 دبابة حديثة و400 عربة قتال مدرعة ومدافع ذاتية الحركة عيار (52 مم2 و 212مم) ووحدات صاروخية متعددة الفوهات عيار (220مم و212 مم) وصواريخ للردع وأخرى مضادة للطائرات من طراز (سام 5 وسام 11 وسام 31) و3 غواصات هجومية، بالإضافة إلى صفقة أخرى اتفق عليها حديثا تشمل شبكات متطورة للدفاع الجوى من (طراز سي 300) وطائرات مروحية حربية من طراز (إم آي 7) وطائرات مقاتلة من طراز سوخوي 52 وأسلحة تقليدية أخرى .

بينما شملت الصفقات مع الصين 100 مقاتلة من طراز (إف 7) إلى جانب عدد من مقاتلات سوخوي 24 الصينية، مع التعاون في مجال تكنولوجيا التسلح.

أما مع كوريا الشمالية فتركّزت الصفقات على صواريخ أرض - أرض وإنشاء قواعد صاروخية بحرية إضافة إلى صواريخ سكود متطورة مداها 600 كم بقيمة مليارين ونصف المليار دولار.

كما سعت إيران إلى تطوير القاعدة الصناعية الحربية لها لتحقيق الاكتفاء الذاتي والحصول على تكنولوجيا تسلح ومعدات صناعية متطورة لتحديث قاعدة الإنتاج الحربي والحصول على حاسبات إلكترونية متطورة وألياف زجاجية لإقامة صناعة تسليح متطورة.

وعن حجم الجيش الإيراني وعناصره المختلفة تشير الدراسات إلى أن القوات البرية الإيرانية تتكون من 220 ألف جندي وتضم 4 فرق مدرعة تضم 3 ألوية مدرعة ولواء ميكانيكيا و4 إلى 5 كتائب مدفعية و6 فرق مشاة و4 ألوية مشاة و4 إلى 5 ألوية مدفعية بالإضافة إلى فرقة صاعقة وفرقة قوات خاصة ولواء محمول جوا وألوية مدرعة مستقلة ومشاة ميكانيكية وصاعقة ومجموعات مدفعية، وتمثّل دبابات القتال الرئيسية «إم بي تي» منها (ت 54/55 وت 62 وت 72) وأنواع أخرى مع مئات العربات المدرعة ذات النوعيات المتعددة و1950 قطعة مدفعية مجرورة و290 قطعة ذاتية الحركة و664 مدفعية صاروخية و0071 مدفع مضاد للطائرات مع صواريخ سكود بي / سي و سام 7، بينما تشمل القوات الجوية نحو 54 ألف عنصر تضم 291مقاتلة موزعة على 9 أسراب مقاتلة و4 أسراب مسلحة بـ 66 طائرة (إف 4) و5 أسراب مسلحة بـ 60 طائرة (إف 15) وسرب مسلح بـ 24 طائرة (سوخوي 4) و7 طائرات (سوخوي 25) إضافة إلى 7 أسراب مقاتلة منها سربان مسلحان بنحو 60 طائرة (إف 14) وسرب مسلح بنحو 24 طائرة (إف 7) وسربان مسلحان بـ 30 طائرة (ميغ 29 إيه) إضافة إلى عدد آخر من طائرات النقل الجوي والمروحية.

في حين تضم البحرية الإيرانية 18 ألف عنصر، منها: 6200 من مشاة الأسطول و3 غواصات روسية و3 تشكيلات بحرية و3 فرقاطات و63 قطعة بحرية دورية ودفاع ساحلي و5 كاسحات ألغام مع عدد آخر من سفن الألغام والأبرار المائي وطائرات المروحية.

وتؤكد الدراسات امتلاك إيران قدرات صاروخية متنوعة إذ يوجد لديها أعداد كبيرة من صواريخ جو/ سطح وصواريخ جو/ جو وصواريخ سطح/ جو متنوعة.

كما تمتلك أيضا قاعدة كبيرة من الصناعات الحربية التي طُوّرت بدرجة كبيرة في الفترة التالية من الحرب العراقية الإيرانية إذ تغطي 80 في المئة من الاحتياجات العسكرية الداخلية، كما أن القدرات التصنيعية الإيرانية تشمل إنتاج الأسلحة الصغيرة والصواريخ المضادة للدبابات من طراز سي طوفان وطوفان 2 ومدافع الهاون من أعيرة مختلفة والمدفعية وثندر عيار 212 مم وثندر 2 عيار 155 مم، إضافة إلى تصنيع ناقلات الجند المدرعة والدبابات ذو الفقار الإيرانية وتوفان وتي 72 الإيرانية بالإضافة إلى أجهزة الاتصال وقطع الغيار والذخيرة.

ومن خلال تتبع المعطيات الجيوبوليتيكة للمنطقة المحيطة بإيران يمكن الوقوف على الدواعي الموضوعية التي تجعلها تهتم بجانب التسلح كالآتي:

1- التهديدات الأميركية المستمرة لإيران تجعل الأخيرة في حال استنفار دائم، وخصوصا بعد وقوعها عمليا في الدائرة المغلقة التي أقامتها الولايات المتحدة لحصارها، فالتقارير الإستراتيجية تشير إلى أن واشنطن قامت بالدوران حول إيران منذ سقوط نظام الشاه في العام 1979م عن طريق: إلغاء الحضر الأميركي على تصدير الأسلحة إلى طاجيكستان، العمل على مد حلف الناتو إلى آسيا الوسطى بهدف فصل إيران من الشمال والشمال الشرقي عن كل من روسيا والصين، الاندفاع نحو آذربيجان وأوزبكستان بعد 11 سبتمبر 2100م لخلق فرص حقيقية للوجود الأميركي في المنطقة. كذلك لجأت الى تدعيم وجودها العسكري في الخليج من خلال أسطولها الخامس الذي يضم تسع قواعد جوية وقاعدتين بحريتين إلى قواعد برية، وقاعدتين جويتين في الكويت (علي السالم وأحمد الجابر) وقاعدة جوية في قطر (السيلية).

وكان هذا التدعيم الأميركي لوجودها في جنوب وغرب إيران يهدف إلى إكمال الدوران الجغرافي المحكم حولها كما وظَّفت واشنطن حوادث 11 سبتمبر لتشديد قبضتها على إيران من ناحية الشرق إذ ركزت على كل من أفغانستان وباكستان وخلقت فرصا للوجود المباشر والاستراتيجي في الشمال حيث آسيا الوسطى، كما تدخلت بشكل سافر في هندسة العلاقات السياسية والاقتصادية بين الكثير من الدول وإيران فضغطت على روسيا لكي لا تُكمل مشروع محطة بوشهر لتوليد الطاقة الذرية وضغطت على اليابان لعدم تطوير تعاونها الاقتصادي في مجال حقول النفط الإيرانية وعلى الأرجنتين لمنعها من تزويد إيران بتكنولوجيا تصنيع الوقود الذري وعلى أوكرانيا والتشيك أيضا، كما قامت بتغذية خلافات كثيرة لبعض الدول المجاورة أبرزها دعم أذربيجان في خلافها مع طهران على بحر الخزر قزوين.

يُضاف إلى كل ذلك أن إيران تحدّها الكثير من الدول المهزوزة سياسيا واقتصاديا، فالعراق وتركيا وأرمينيا وآذربيجان وتركمانستان وباكستان وأفغانستان كلها دول لم تعرف الاستقرار السياسي بصورة يمكن الاطمئنان اليها، كما أنها دول داخلة في علاقات استخبارية وعلاقة تحالف مع الولايات المتحدة الأميركية وبالتالي يُصبح الأمن القومي الإيراني في حال تهديد مستمر ولا يسبره سوى قوة عسكرية تتناسب وحجم التهديدات المُحدقة به.

2- تنظر إيران إلى القدرات التسليحية لـ «إسرائيل» بريبة شديدة، إذ تعتبر طهران أن تلك القدرات التسليحية المتزايدة والمتطورة يوما بعد يوم هي موجهة أساسا ضدها، وخصوصا في ظل غياب أي احتمال للمواجهة العسكرية المباشرة بين «إسرائيل» وبين أية دولة عربية.

وتبين للإيرانيين أن «إسرائيل» تعكف بشكل مكثّف وبمساعدة أميركية غير محدودة على تدشين الكثير من الصناعات الحربية المتطورة التي تشمل طائرات حربية حديثة من طراز (إف 15) وهي طائرات بعيدة المدى تحلق ليلا ونهارا وفي كل الأحوال الجوية، بالإضافة إلى تطوير مئة طائرة (إف 16) ستدخل الخدمة مع مطلع العام المقبل، وقد أكدت بعض المصادر أن تجربة إطلاق صاروخ (أريحا 2) التي أجرتها «إسرائيل» منتصف العام 2100 وصاروخ (أرو 2) المضاد للصواريخ في سبتمبر 1998 أقلقت الجانب الإيراني لأن الصاروخ سيكون مجهزا برؤوس نووية، يضاف إلى أن «إسرائيل» حصلت في نهاية عقد التسعينات على غواصات دولفين الألمانية الصنع التي تمكنها من امتلاك قدرات الضربة النووية الثانية.

وتبرهن إيران على أن تلك القدرات التسليحية (وخصوصا النووية منها) موجهة إليها بقولها إن مساحة «إسرائيل» الصغيرة والمحدودة تجعل استخدام هذه الأسلحة ضد دول مثل سورية أو لبنان سببا في تعرض «إسرائيل» ذاتها إلى الإشعاعات النووية الخطيرة، في حين أن استخدام هذه الأسلحة ضد دول بعيدة كإيران سيجنب «إسرائيل» تعرضها تلك الإشعاعات، وانطلاقا من ذلك تعتبر إيران أن الأسلحة النووية الإسرائيلية تهديد خطير لأمنها القومي.

كما أن إيران ترى أن «إسرائيل» قائمة برمتها على جذور عسكرية توسعية، وهي تتعاون بشكل عضوي مع الولايات المتحدة لتقويض ونسف الأيديولوجية السياسية للنظام الإسلامي في إيران، وباختصار يرى الإيرانيون أن «إسرائيل» تشكل خطرا داهما على أمنهم القومي، في هذا السياق تتعامل إيران مع التهديدات الإسرائيلية باستهداف مفاعل بوشهر على غرار تجربة قصف وتدمير المفاعل النووي العراقي (تموز 1 وتموز 2) في 7 يونيو/ حزيران 1918 بجدية تامة ولاسيما بعد وصول «إسرائيل» إلى الحدود الإيرانية إثر إبرام الحلف العسكري مع تركيا وإمكان استخدام تل أبيب القواعد التركية، ولاشك أن تطور العلاقات التركية الإسرائيلية وخصوصا في منتصف التسعينات أصبح يمثّل عنصر ضغط على صانع القرار الإيراني، وخصوصا أن هذه العلاقة تكتسب أبعادا جديدة بشكل مستمر، وما يؤكد الشكوك الإيرانية، ما أشارت إليه بعض المصادر الأوروبية من أن التعاون الاستراتيجي التركي الإسرائيلي يهدف فيما يهدف إلى إعطاء تل أبيب امكانات أكبر للرد على أي خطر إيراني عليها .

وتضيف المصادر أن التعاون التركي الإسرائيلي قد تطور إلى حد إمداد تل أبيب الأتراك بعدد من المخططات التي أعدت سابقا لضرب المفاعل النووي الإيراني وقواعد الصواريخ المتوسطة المدى.

وبعد خطاب الرئيس محمد خاتمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 2000 والذي أعرب فيه عن قلق إيران من تحول «إسرائيل» إلى مركز للأسلحة النووية ولأسلحة الدمار الشامل وأن إيران معنية بذلك بشكل مباشر، جاءت ردة الفعل الإسرائيلية على ذلك التصريح انفعالية أكثر من اللازم (وهو ما تدأب عليه «إسرائيل» دائما) حين صرّحت بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي قدرات تسليحية إيرانية تراها تشكل تهديدا لها، كما أعلنت أنها سترد وسيكون ردها سريعا، إذ إنها لا يمكن أن تتجاهل ما تشكله إيران من خطر عليها ولاسيما أنها تجمع مزيجا من العداء لـ «إسرائيل» والقدرة في الوقت نفسه على إيذائها .

وفي هذا السياق خرجت تصريحات المسئولين الإسرائيليين وكتابات المحللين والمعلقين السياسيين إذ ذكرت صحيفة «هآرتس» في مقال لها في 71 يوليو/ تموز 2000 أن صاروخ شهاب 3 (3100 كم) يوفر قدرة مضمونة على ضرب أهداف داخل «إسرائيل»، وأشار زئيف شيف وهو أحد المحللين الإسرائيليين إلى أن التغيير الذي أحدثه دخول شهاب 3 كصاروخ باليستي في المنطقة هو أن «إسرائيل» لم تعد الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط المزودة بصاروخ أرض أرض يتجاوز مداه ألف كيلو متر.

3- تسعى إيران إلى إحياء دورها ودور دول المنطقة إقليميا واستبدال النظرية الغربية السائدة والقائمة على أن العامل الإقليمي في الشرق الأوسط ومنها بالذات منطقة الخليج ليس قادرا على حل مشكلاته وأزماته من دون الاعتماد سياسيا وعسكريا واقتصاديا على العامل الدولي وإنه ليس بمقدوره التأثير على معادلة الصراع لأن الأرقام الصعبة بيد الدول الكبرى .

وكانت إيران تُعوّل على ذلك الطرح منطلقة في نظرتها من الآتي:

- ان دول المنطقة تمتلك المضائق البحرية المهمّة التي تتحكم في الكثير من طرق التجارة والمواصلات العالمية.

- ان دول المنطقة تمتلك أكثر من 733 مليار برميل من النفط تمثل 71 في المئة من الاحتياط العالمي علما بأن أوروبا تعتمد بنسبة 62 في المئة على النفط العربي من مجموع احتياجاتها التي تصل قيمتها إلى 52 مليار دولار سنويا، وان الدول العربية تملك رفع سعر النفط بما يحقق حصيلة تزيد على 4 مليارات دولار سنويا مع كل دولار زيادة في سعر البرميل كما ان إنتاج النفط العربي (فقط من دون إيران) يبلغ 21 مليون برميل يوميا ويمثل 32 في المئة من الإنتاج العالمي، كما أن الكميات التي تضخها إلى السوق العالمي تبلغ 5,71 مليون برميل تمثل 35 في المئة من الكميات التي يتم تداولها في السوق العالمي، ما يؤكد أن الدول العربية قادرة على التأثير وإحداث صدمة للدول الغربية، لذلك فإن قدرات العالم العربي حاليا مشابهة لقدراتها العام 1973 وهي في هذا الوقت استطاعت رفع سعر البرميل من 3,2 دولار إلى 65,10 دولارات في ديسمبر/ كانون الأول 1973 وذلك بعد قرار وزراء النفط العرب بخفض صادراتهم بمقدار 52 في المئة مع استمرار الخفض بمعدل 5 في المئة شهريا وهو ما أدى إلى مضاعفة سعر البرميل 5 أضعاف.

وفي ظل وجود ذلك الطموح مع غيابه فعليا تبقى مسألة بناء ترسانة عسكرية وجيش قوي يمتلك قدرات دفاعية متقدمة مسألة مُلحة وخصوصا أن ذلك أضحى من أهم معايير الرأسمالية الليبرالية المتطرفة التي تجعلها تُكبِر الأنظمة السياسية والدول وتأخذ برأيها في الأزمات السياسية والعسكرية، فالغرب لم يعد يرى في ديمقراطية إيران الراشدة نموذجا لكي يُثنّي عليه بل لم يجد حرجا في تجاهل دعوتها إلى حوار الحضارات الذي كان بإمكانه البناء على مبادئه الأخلاقية لتطوير المنظومة القِيَميّة واستبدال نظرية «صدام الحضارات» وتغيير أجندة (العَوْبَدَة) الأميركية بأجندة تُراعي كرامة الإنسان، إذ بات مبدأ تبخيس البشر سوقا رائجة جعلت من تطلعاتهم ومعتقداتهم ومشاعرهم وحتى آمالهم هوامش تقبر في ردهات التوحش

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 389 - الإثنين 29 سبتمبر 2003م الموافق 03 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً