تستعد الولايات المتحدة خلال يومين إلى تقديم مشروع قرار جديد بشأن العراق إلى مجلس الأمن. مشروع القرار يتضمن محصلة تلك المفاوضات التي أجراها رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير مع المستشار الالماني والرئيس الفرنسي في برلين، ومحصلة المفاوضات التي أجراها الرئيس الاميركي جورج بوش مع غير هارد شرودر وجاك شيراك والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومحصلة المفاوضات الثلاثية والثنائية تشير إلى وجود نوع من الليونة أبدتها دول الضد (المعارضة للحرب على العراق) تجيز تمرير المشروع الاميركي من دون اعتراضات ألمانية أو استخدام حق النقض (الفيتو) الذي تملكه باريس وموسكو.
القرار الجديد إذا سيعكس الحد الوسط بين مصالح الدول الخمس (اميركا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، والمانيا) الا أنه في مجموعه يرجح كفة الولايات المتحدة في المعادلة بعد أن ضمنت روسيا والمانيا إلى جانبها وأخذت وعدا من فرنسا بعدم استخدام الفيتو ضد القرار.
ماذا تقول المحصلة المتوقع صدورها عن مجلس الأمن في صيغة قرار دولي جديد؟ هناك سيناريوهات مختلفة وكلها ترجح احتمال تراجع الولايات المتحدة من دون أن تتخلى عن «مكاسبها» التي حققتها خلال فترة الأشهر الستة الأخيرة التي بدأت باعلان الحرب من دون عودة إلى مجلس الأمن وقبل انتهاء بعثة المفتشين الدوليين من مهمة البحث عن «أسلحة الدمار الشامل».
هناك أكثر من سيناريو مرجح، ويمكن اجمالها بالاحتمالات الآتية:
الأول، بقاء الوضع على ما هو عليه الآن مع زيادة عدد القوات كما فعلت بريطانيا في البصرة ومحيطها واميركا في بغداد ووسط العراق.
الثاني، التنازل عن بعض المواقع وإعطاء صلاحيات محدودة لقوات دولية تأخذ مكانها في بعض النقاط الساخنة كما فعلت بريطانيا حين اعطت صلاحيات أمنية لقوات بولندية في الجنوب.
الثالث، الانسحاب من الوسط وتحديدا من مناطق الفلوجة، الرمادي، السماوى، الخالدية، بعقوبة، سامراء، وبعض ضواحي تكريت (واستثناء بغداد) وترك مسئولية الأمن للشرطة العراقية أو لقوات محلية وقصر دور الجيش الاميركي هناك على الدعم اللوجستي.
الرابع، تدويل الازمة واستقدام قوات ترفع علم الأمم المتحدة مقابل وعد بانسحاب تدريجي للقوات الاميركية والبقاء فقط في المناطق الحساسة والاستراتيجية.
السيناريو الرابع القاضي باستخدام الأمم المتحدة غطاء شرعيا للقوات الاميركية مع وعد بالتنازل عن بعض الصلاحيات والمواقع للدول المعارضة للحرب لتأخذ دورها رويدا في العراق هو المرجح.
الا أن الترجيح يعتمد على شرطين متعاكسين: الاول، خفض عدد القوات الاميركية واستبدالها بقوات حليفة ومتضامنة مع واشنطن في حربها على العراق (ايطاليا، اسبانيا، استراليا واليابان مثلا).
والثاني، زيادة عدد القوات بالتوافق مع تكتيك اعادة انتشار القوات بدلا من الانسحاب.
تكتيك إعادة الانتشار وتفريغ الوسط العراقي من الوجود العسكري الاميركي المباشر والاكتفاء بالسيطرة على مناطق انتاج النفط ومراكز تكريره والتمركز فقط في القواعد العسكرية والمطارات الحربية هو السيناريو الاقوى الذي يمكن ان تلجأ إليه واشنطن بعد صدور القرار الجديد عن مجلس الأمن.
لماذا يرجح سيناريو تعزيز القوات مع إعادة الانتشار في آن واحد؟
إعادة الانتشار يدل على وجود ازمة سياسية وفشل الاحتلال في حل مأزق الأمن العراقي، وتعزيز القوات يشير إلى وجود قوة اميركية ضاغطة (البنتاغون) على البيت الابيض تدفع الرئيس جورج بوش وتشجعه على متابعة المهمات الأخرى في برنامج الهجوم على منطقة «الشرق الاوسط». فتعزيز القوات وإعادة نشرها على طول الحدود المجاورة استعدادا لتلقي توجيهات جديدة تؤكد ان انسحاب اميركا من وسط العراق والتمركز على الحدود السورية والايرانية والتركية ليس تراجعا وانما اتخاذ وضعية قتالية في مناطق ترى «البنتاغون» انها تشكل نقاط ضعف في بنية الوجود الاميركي في العراق.
القرار الجديد المحتمل صدوره عن مجلس الأمن في اليومين المقبلين ربما يكون بداية ترتيبات تريد اميركا حصولها قبل اتخاذ خطوات ليست بالضرورة دفاعية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 389 - الإثنين 29 سبتمبر 2003م الموافق 03 شعبان 1424هـ