أكد النائب البرلماني السابق وعضو الجمعية البحرينية للشفافية يوسف زينل أن من أهم جوانب القصور في استجوابات الوزراء التي تمت في الفصل التشريعي الأول تتمثل في عدم وجود خبرة سابقة للتعاطي مع الاستجوابات، وبالتالي عدم وضع بنود اللائحة الداخلية تحت الاختبار في الممارسة العملية، وكون الاستجوابات قد تمت في اللجان، ما أدى إلى إضعاف الرقابة البرلمانية ووضع حاجز للتفاعل المباشر مع الجمهور.
فيما أكد عضو مجلس الأمة الكويتي السابق عبدالله النيباري أن الكويت تشهد في الوقت الحالي فورة استجوابات، وفي نظر الكثيرين فيها تجاوز عن الحد، ناهيك عن الكثير من التلويح باستخدام الاستجواب، معلقا: «الكثير يرى أن في ذلك تعسفا في استخدام الصلاحيات الدستورية، ويتسبب في تعطيل عمل المجلس والحكومة والتنمية. كما أن حدة الخطاب المستخدم في الاستجواب، بدأ في خلق انعكاسات سلبية لدى الجمهور، وخصوصا لما تتمتع به الكويت من ديمقراطية».
جاء ذلك في ورشة العمل التي نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية يوم أمس (الخميس)، بعنوان: «نحو استجواب مهني ينشد المصلحة العامة»، التي عقدت برعاية رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، وبحضور وزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة، في فندق الدبلومات.
وفي كلمته نيابة عن راعي الحفل، أكد النائب الثاني لرئيس مجلس النواب صلاح علي حرص النواب على تحقيق أعلى درجات التواصل والتعاون مع مختلف مؤسسات المجتمع المدني لإثراء المسيرة الديمقراطية، والمحافظة على المكتسبات التي تحققت خلال الأعوام القليلة الماضية، مشيرا إلى أن الأدوات البرلمانية والدستورية في العمل النيابي واجبة وفق متطلبات وممارسات العمل التشريعي والرقابي، وذلك حفاظا على المال العام وتحقيق المصالح العامة والرقابة البرلمانية.
وأضاف «مجلس النواب استخدم أداة الاستجواب لعدة مرات خلال فصليه التشريعيين الأول والثاني، ونتج عن استخدامه هذا الحق بعض الملاحظات التي نحسب أنها قد راكمت لديه الخبرة التي قد تدفع بأعضائه لتطوير الممارسة وتفعيلها بما يخدم الهدف من تشريع هذه الأداة البرلمانية الرقابية الهامة»
وأكد علي أن المشروع بقانون بشأن تعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب هو قيد البحث والدراسة في اللجان المختصة في المجلس، وأنه سيتم إثراء اللائحة الداخلية من أجل تطوير العمل البرلماني والاستخدام الأمثل والفاعل للأدوات البرلمانية بما فيها الاستجواب، مبديا تعاون المجلس الكامل بشأن التوصيات التي ستخرج بها ورشة العمل.
وفي كلمة له، أشار الأمين العام للجمعية البحرينية للشفافية عبدالنبي العكري إلى أن الاستجوابات البرلمانية في البحرين شهدت جدلا كبيرا في أوساط البرلمانيين والجمعيات والنخب السياسية، وخصوصا فيما يتعلق بأسلوب الاستجواب ونتائجه، ناهيك عن آلية الاستجواب وحصره في إحدى لجان المجلس بدلا من أن يتم في جلسة عامة للمجلس.
وقال: «هناك مشكلات تحيط بالاستجواب البرلماني، كما أن الاستجوابات كشفت محدودية السلطة التي يمتلكها النواب لممارسة الاستجواب وضعف معطياته. كما أن أخطر اتهام وجه للاستجوابات التي تمت خلال الفصل التشريعي الحالي هي في أن دوافعها فئوية أو طائفية أو مصلحية كانعكاس طبيعي لتركيبة المجلس».
وأضاف «إن تطوير التجربة البرلمانية، هو إسهام مهم وضروري من أجل تطوير تجربة الإصلاح والديمقراطية».
وأكد النيباري أن المؤسسات البرلمانية يشوبها الكثير من النقص في التشريعات والخبرة والقدرة ونقص في التركيب السياسي والاجتماعي، باعتبار أن المؤسسات السياسية والأوضاع الاجتماعية قد تقف حائلا دون تحقيق الطموحات للوصول إلى تجربة برلمانية فاعلة ومؤثرة.
وأشار إلى أن الديمقراطية البرلمانية هي حكم الأغلبية عبر صناديق الانتخاب، وأن الديمقراطية البرلمانية هي الرقابة على أداء وتصرفات الحكومة في إدارة شئون البلاد وآلية توظيف الأملاك العامة لمصلحة الشعب، ناهيك عن مهمة التشريع، لافتا إلى أنه في البلدان التي يحكمها القانون، لا يصدر القانون إلا إذا صدق عليه رئيس الدولة، غير أنه أكد أن مهمة المساءلة والرقابة لا تقل أهمية عن التشريع، وأن مساهمة البرلمان في التشريع يكون جزء كبير منه لممارسة الرقابة.
وقال: «الرقابة البرلمانية الفعالة يجب أن تكون لها أسنان حتى تكون مؤثرة، ولذلك تضمنت الدساتير آليات لتفعيل أدوات وأسلحة الرقابة، وهي كما تنص عليها معظم الدساتير، تبدأ بحق تقديم الأسئلة للوزراء، وتشكيل لجان التحقيق، والنظر في شكاوى المواطنين، ومن ثم تقديم الاستجواب الذي يكون أكثرها فاعلية باعتبار أنه من الممكن أن يؤدي للإطاحة بالحكومة».
وتحدث النيباري عن مواد اللائحة الداخلية التي فصلت الخطوات التي يمر بها الاستجواب في مجلس الأمة الكويتي، مشيرا إلى أن تقديم الاستجواب يسبقه تسخين للساحة وزيادة حدة التفاعل والاستقطاب السياسي.
وأوضح النيباري أن القانون الكويتي يلزم رئيس مجلس الأمة بإدراج الاستجواب في الجلسة التالية لتقديمه، على أن لا يناقش إلا بعد مرور ثمانية أيام من تقديمه، وفي الجلسة التي يدرج فيها طلب الاستجواب يمكن مناقشة تمديد جدول أعمال جلسة الاستجواب.
وأضاف «يمكن للوزير المستجوب أن يطلب مد مدة الأجل لأسبوعين بغرض الإعداد لمواجهة الاستجواب، على أن يصاغ الاستجواب بعبارات لائقة. كما تجيز اللائحة للمستجوبين طلب المعلومات من الحكومة عما يثار في الاستجواب».
وتابع «في جلسة الاستجواب، يبدأ المستجوبون في طرح الاستجواب ثم تعطى الكلمة لثلاثة من مقدمي الاستجواب وثلاثة من معارضيه بحسب أسبقيتهم في سجل قائمة الاستجواب، وتفتح المناقشة للأعضاء بالتناوب، إلى أن يقرر المجلس إقفال باب النقاش، وبعد انتهاء المناقشة يعود المجلس لمباشرة بقية البنود المدرجة على جدول أعماله».
وأوضح النيباري أنه بعد مناقشة الاستجواب، إما تقدم اقتراحات أو يُكتفى بالمناقشة لمعالجة الموضوعات التي طرحت في الاستجواب، أو أن يتم إحالتها للجان أو ديوان المحاسبة بغرض الحصول على المزيد من المعلومات، أو أن يقدم طلب طرح الثقة بناء على طلب عشرة من أعضاء مجلس الأمة.
وأكد النيباري أن طلب طرح الثقة لا يناقش إلى بعد سبعة أيام من تقديمه، وفي الجلسة يسمح للرئيس بالحديث لاثنين من مؤيدي طرح الثقة، واثنين من معارضيه.
وقال: «الدستور الكويتي نص على معادلة راعى فيها الوضع السياسي بشأن من يصوت على طرح الثقة، وذلك بأن يشارك جميع أعضاء مجلس الأمة في التصويت على طرح الثقة عدا الوزراء، حتى وإن كانوا وزراء منتخبين. فلو كان عدد الوزراء في المجلس 15 وزيرا، يحق التصويت لـ 44 عضوا منتخبا، ويتم إقرار طلب طرح الثقة في حال حصل على 23 صوتا, وحينها يعتبر الوزير معزولا عن منصبه فورا، وأي تصرف يقوم به باعتباره وزيرا باطلاَ».
وأضاف «الدستور الكويتي أعطى رئيس الوزراء صيغة أخرى غير طرح الثقة، وتتمثل في «عدم التعاون»، ويمكن لمجلس الأمة طرح عدم التعاون مع رئيس الوزراء بآلية طرح الثقة من الوزير نفسها، وفي هذه الحالة يُرفع الأمر إلى رئيس الدولة، الذي إما يعفي رئيس الوزراء أو يحل مجلس الأمة، وفي حال حل مجلس الأمة، وتبعه مجلس آخر اتخذ قرارا أيضا بعدم التعاون مع رئيس الوزراء، ويعتبر رئيس الوزراء معفيا من منصبه، وعلى رئيس الدولة تشكيل وزارة جديدة».
أما فيما يتعلق بواقع تجربة الاستجوابات في مجلس الأمة الكويتي، أكد النيباري أن ممارسة الاستجوابات في النصف الأول من أعوام التجربة البرلمانية الكويتية كانت قليلة، مشيرا إلى أن إجمالي الاستجوابات التي قدمها مجلس الأمة يبلغ 41 استجوابا، منها 14 استجوابا قدم في الفصول التشريعية الستة الأولى من عمر المجلس، و27 استجوابا في الفترة ما بين العامين 1992 و2008.
وأكد النائب الكويتي السابق عبدالله النيباري أن الاستجوابات البرلمانية زادت في الآونة الأخيرة، ناهيك عن تزايد حدة الاستجوابات بسبب ارتفاع مؤشر النزاهة لدى أعضاء المجلس بغرض محاربة الفساد أو لأغراض سياسية، مشيرا إلى أن الاستجوابات كانت تأخذ جزءا من الجلسة، بينما في الوقت الحالي أصبحت الاستجوابات تأخذ أكثر من جلسة.
وقال: «نحن نعيش في منطقة حساسة مازالت العائلة الحاكمة فيها ممسكة بالسلطة، وتتمتع إلى جانب القبضة القوية على السلطة، بهيبة اجتماعية وسياسية قوية، وكان الوزراء من أبناء العائلة الحاكمة في منأى عن الاستجوابات، إلا أن هذه المسألة تم تجاوزها أخيرا وأصبح عدد المستجوبين من أبناء العائلة الحاكمة 9 بما فيهم رئيس الوزراء».
وتابع «عدد الوزراء الذين طلب أعضاء مجلس الأمة طرح الثقة بهم هو 8 وزراء، ولكن لم يُكتب النجاح لأي من طلبات طرح الثقة، إلا أنه وعلى رغم عدم سحب الثقة إجرائيا، إلا أن آثار الاستجواب تحققت في بعضها، وأدت إلى استقالة 9 وزراء من دون طرح الثقة».
وأوضح النيباري أنه قبل جلسة طرح الثقة، إما تقدم الحكومة استقالتها أو يتم إجراء تعديل وزاري، أو تغيير الوزير إلى حقيبة وزارية أخرى، أو أن يتم استبعاد الوزير، لافتا إلى أنه تم استجواب رئيس الوزراء الكويتي لمرتين، ووصل الأمر في الحالتين إلى حل المجلس، وتقديم الحكومة استقالتها لعدم تعاون مجلس الأمة الكويتي.
أما بشأن تعسف بعض النواب في استخدام صلاحية الاستجواب، فقال: «البعض يدعو إلى تفهم هذه الظاهرة ومعالجتها، لأن استمرار ذلك من شأنه أن يفقد المواطنين المكاسب الدستورية والتقدم نحو دولة القانون كقاعدة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية بأقل قدر من الفوضى والفساد، وبأكبر قدر من حفظ حقوق المواطنين ودعم المؤسسات الدستورية».
واعتبر النيباري أن آثار غياب الضوابط الدستورية والقانونية ليس أسوأ من وجود رقابة ومحاسبة فيها شيء من عدم الانضباط والتجاوز وتعسف استخدام البرلمان لصلاحياته، مشيرا إلى أن ذلك له ارتباط بمسألة الوعي السياسي وفهم الظاهرة وتشخيصها، مبينا أن الأوضاع الاجتماعية قد لا تكون قادرة على فرز أعضاء يتمتعون بالمسئولية الاجتماعية، وخصوصا مع سيطرة التقسيم الاجتماعي والطائفي والقبلي والعائلي على الأوضاع السياسية في دولة الكويت.
من جهته، أشار النائب السابق يوسف زينل إلى أن مجلس النواب البحريني خاض في الفصل التشريعي الأول أو تجربة لاستجواب الوزراء، إذ قدم ثلاثة استجوابات لوزراء دفعة واحدة، مبينا أن هذه الاستجوابات جاءت على خلفية تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للنظر في ادعاءات إفلاس هيئتي التقاعد والتأمينات الاجتماعية، وما تمخض عنها من كشف لحالات الفسادين المالي والإداري وتآكل الوضع المالي والاستثماري للهيئتين آنذاك.
وقال: «على الرغم من حداثة عمر المجلس، وحداثة التجربة البرلمانية في ممارسة الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية، فإن البدايات كانت طيبة إجمالا، مع أنها جاءت في ظل أجواء المقاطعة والموقف السلبي من البرلمان وأعماله من قبل المقاطعين».
وأضاف «كانت النتيجة المباشرة لهذه الاستجوابات هي عدم إدانة الوزراء، ولكن العبرة ليست في النتيجة المباشرة، بل في النتائج غير المباشرة في تصحيح أوضاع الهيئتين وتصحيح أوضاع الوزارات والهيئات التابعة للدولة، والأهم من ذلك تراكم الخبرات البرلمانية كسلطة حديثة ناشئة لتوها قليلة الخبرة مقابل سلطة تنفيذية لديها الإمكانات المختلفة والخبرة الواسعة».
وأكد زينل أن الاستجوابات أسهمت في وحدة الصف البرلماني في تقديم طلبات الاستجواب بمشاركة كل الكتل البرلمانية من دون استثناء، ناهيك عن بُعد الاستجوابات عن النفس الطائفي والتجاذبات الطائفية، والتمسك بأحكام الدستور والقوانين واللائحة الداخلية بغض النظر عن مدى قبول الكتل أو النواب بهذه الأحكام أو وجود تحفظات لديها تجاه بعض هذه الأحكام الملزمة.
كما أشار إلى أنه تم التعامل بشيء من المهنية تجاه الاستجوابات وقبول تحفظ الحكومة تجاه استجواب وزير العمل السابق عبدالنبي الشعلة بالتنازل عن الاستجواب، والتمسك بالاستجوابين الآخرين برفض حجج الحكومة وتحفظاتها تجاه استجواب وزير المالية السابق ووزير العمل. ناهيك عن دور الصحافة الإيجابي والتغطية الشاملة لجلسات الاستجواب في اللجنة وفي المجلس.
وأشار زينل أيضا، إلى سلبية موقف المقاطعين المتفرج والسلبي، ما أضعف موقف الجادين من الكتل والنواب في تحقيق إنجاز أفضل، إضافة إلى رأي اللجنة المختصة في الاستجواب بعدم إدانة أي من الوزيرين المستجوبين، ما دعا بعض النواب إلى اعتباره محاباة للوزيرين.
أقر المشاركون في ورشة العمل التي نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية يوم أمس (الخميس)، بعنوان: «نحو استجواب مهني ينشد المصلحة العامة»، 7 توصيات تتعلق باستجوابات الوزراء في مجلس النواب.
وتتمثل هذه التوصيات في فتح باب الحوار بين جميع الأطراف المعنية من الحكومة والمعارضة لحلحلة الموضوعات المختلف عليها فيما يتعلق بالدستور واللائحة الداخلية بمجلس النواب والتوصل إلى توافقات بشأنها، الالتزام بمواد الدستور وتطويرها لمزيد من الصلاحيات لمجلس النواب، وعدم تجيير الاستجوابات لأمور طائفية أو المصالح الفئوية الخاصة، والتأكيد على أهمية استمرار التجربة وتطويرها.
كما أوصى المشاركون بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى لتحسين الأداء الرقابي، وإيجاد توازن بين استخدام الأدوات الرقابية كحق دستوري وبين المصلحة العامة لحفظ الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومعالجة القصور في مواد اللائحة الداخلية لمجلس النواب وإجراء التعديلات اللازمة عليها
العدد 2324 - الخميس 15 يناير 2009م الموافق 18 محرم 1430هـ