أكد المشاركون في ندوة «قراءة تحليلية لكتاب الديمقراطية العصية» مساء الثلثاء الماضي بجمعية المنتدى بالعدلية على غياب المفهوم الحقيقي للمجتمع المدني في الوطن العربي وأن الإصلاحات التي طرأت هي مجرد إصلاحات شكلية.
فمن جهته، أوضح الأكاديمي عبدالقادر عرابي أن «المجتمع المدني أصبح مع الثورة الصناعية أقوى حركة عالمية، والمجتمع المدني الافتراضي بإمكانه إحداث تغييرات كبيرة، ونتساءل لو أن في الوطن العربي مجتمعا مدنيا بالمفهوم الصحيح فما الذي كان ليحدث في تغيير المواقف والقوى في حرب الإبادة على غزة(...) بشكل عام، وبالنظر إلى منهجية المؤلف، فإن المجتمع المدني هو الوجه الديمقراطي للدولة، وهو ثورة الطبقة الوسطى والمثقفة».
وتابع «في هذا الكتاب نحن أمام مفهوم لسيكولوجية المجتمع في دول الخليج، وتبقى الديمقراطية عصية لأنها مشروع تنويري وليست مكرمة تقدمها الدولة للناس. والسؤال الذي يطرح نفسه هو؛ لماذا الديمقراطية عصية؟ وخصوصا أن كثيرا من العلماء يربطون الترف بالمجتمع المدني، وعن نفسي فقد تساءلت قبل قراءة الكتاب عن سبب كون الديمقراطية عصية».
وأضاف «لذلك عدة أسباب؛ فالثقافة الريعية لا تلد ثقافة ديمقراطية، إلى جانب هيمنة الفكر الديني وقيام حركات دينية دعوية، وفي رأيي فإن الديمقراطية والمجتمع المدني لا ينفصلان عن الفلسفة والتنوير وحقوق الإنسان، كما أن الفلسفة أسست الفكر الديمقراطي والاقتصادي، كما أن الثقافة الأبوية والقبلية نقيض الديمقراطية، والمجتمع المدني هو مجتمع مفتوح، إلا أن مجتمعنا العربي لا يزال مغلقا».
وقال عرابي: «المجتمع العربي يعاني وبشكل عام من انسداد تاريخي، ومن دون هذه الشروط فإنه لا يمكن قيام مجتمع مدني، وبعد قراءة الكتاب لعدة مرات، وجدت أن أفكاري تلتقي مع الكاتب في كثير من المواقع».
وعن الكتاب وما يحويه أوضح عرابي «يتناول الكتاب مفهوم المجتمع المدني، وفعاليته ومقوماته، ومعوقات المجتمع المدني الفاعل والعوامل التي تساعد على النهوض به، والمشاكل التي تواجه المجتمع المدني في دول الخليج العربية، ويتناول الكاتب عدة محاور أسهمت في السيطرة على المجتمع وعدم قيام المجتمع المدني من أهمها النفط، وهيمنة العقلية الريعية، وعدم وجود مشروع مدني مشترك، والترف بلا عمل لا ينتج مجتمعا مدنيا».
وتناول عرابي فصول الكتاب، قائلا: «يطرق الكاتب في الفصل الأول تعريف المجتمع المدني، إذ حاول الكاتب تعريفه من خلال مقاربة بين سياقين تاريخيين؛ أوربا ومجتمعات شكلها النفط، ويعرفه بحالة حداثية، لكنه يضفي فيه التكوينات غير الحداثية كالقبلية والمجالس وغيرها، وهناك من يؤكد على استقلال المجتمع المدني والدولة والبنى التقليدية، ولابد من الإشارة إلى عدم وجود اتفاق تام على تعريف المجتمع المدني».
وتابع «في الفصل الثاني يتناول الكاتب جزئية الدولة والقبيلة في المجتمع ودور الدين والقبيلة في الدولة، ويخلص الكاتب إلى أن التضامنات التقليدية تقطع الطريق أمام نهوض المجتمع المدني، كما أن النفط عزز من سيطرة الدولة على المجتمع المدني(...) وفي الفصل الثالث يتطرق الكاتب إلى دور الأندية الثقافية، مشيرا إلى علاقة الثقافة بالمجتمع، وغياب ثقافة المجتمع المدني، وأن هناك غيابا للحركات الثقافية».
وقال: «في الفصل الرابع يتناول الكاتب موضوع التجار في الخليج، ويوضح أن هذه الطبقة لم تستثمر وجودها، وهي طبقة عاجزة غير قادرة على الفعل، فهي طبقة ريعية تابعة للدولة، كما أن هناك مشكلة فعلية في الإثنية العرقية».
ويضيف عرابي في الفصل الخامس فيما عنونه بـ «المثقف والسلطة»، إذ يتناول الباحث التاريخ الاجتماعي الثقافي للمثقف، ويشير إلى أن الأندية إما أن تكون امتدادا للدولة، أو أن تعايش المعارضة الدولة، وقليلا ما تقدم الأطروحات الاجتماعية، والملاحظ أن الثقافة ليست مشروعا تنويريا. وفي الفصل السادس يتطرق الكاتب إلى الطبقة الوسطى، موضحا أنها طبقة غير متجانسة، ويقول الباحث «إن جل الجماعات ينتمون إلى جماعات متباينة وغير متجانسة، ولا يمكن تسميتها جماعة ضاغطة بل يمكن أن نسميها جماعة مضغوطة».
ولفت إلى أن الكاتب «يتناول في الفصل السابع من كتابه المنظمات النسوية، إذ يقول إن إشكالية هذه المنظمات تبدأ بالمجتمع وتنتهي بالمرأة، وفي رأيي فإن المرأة لا تأخذ من الحرية إلا قشورها، وعن المنظمات الخيرية، لها دور ديني، وذات فعل غير فعال... أما في الفصل التاسع فللكاتب وجهة نظر في المجتمع المدني وإشكالية العلاقة مع الدولة، إذ يتناول في هذا الفصل دراسة مسح ميداني لأربع دول خليجية، ووصل إلى خلاصة مفادها أن المنظمات كثيرة ولكن فاعليتها منخفضة بسبب هيمنة الدولة».
وقال: «يختم الكاتب بالفصل العاشر بعنوان (افتحوا نفوسكم قبل أبوابكم للديمقراطية) ويتناول في هذا الفصل مستقبل المجتمع المدني ويتناول شكل الإصلاحات التي يراها إصلاحات شكلية ليس إلا».
ودعا عرابي إلى معالجة فعالية دور الإنترنت وأثره في تشكيل المجتمع المدني الافتراضي.
من جهته، أوضح ممثل جمعية الاجتماعيين يوسف مكي أن «العنوان قد لا يعبر عن فحوى ومحتوى الكتاب ومضمونه، وأعتقد بعدم وجود رابطة موضوعية بين العناوين التي يمكن أن يكون الواحد منها عنوانا منفصلا، والكتاب لا يتحدث عن الديمقراطية بمفهوم الديمقراطية، ولكنه يتحدث عن مجموعة من الأفراد في المجتمع المدني».
وقال: «أشار الكاتب إلى أن الغرب سيبقى غربا، والشرق سيبقى شرقا، لا يمكنهما أن يتلاقيا، وأعتقد أن الغرب والشرق يلتقيان وإن كان لكل منهما مميزاته، كما أشار الكاتب إلى أن المجتمعات الخليجية غير رأسمالية، وأنا أراها رأسمالية، كما تطرق إلى الجمعيات الأهلية، وأعتقد أن هناك ضرورة إلى دراسة الحاجة السيكولوجية التي دعت إلى إنشاء هذه المؤسسات والجمعيات».
وأضاف «أرى أن المجتمع المدني له وظيفة مهمة، فهو الإسفين الذي يمتص التطرف من الأعلى والأسفل(...) لقد أشار الكاتب إلى دور النفط، وأرى أن هناك ثروات وهذا يعتمد على طريقة توظيف هذه الثروات ولا يمكن اعتبارها عائقا أمام قيام المجتمع المدني، كما أن الكاتب أغفل أن بعض الدول العربية التي تأسست في الأعم الأغلب وفقا لمعاهدة «سياكس بيكو» ومنها البحرين التي يعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1920 كما هو حال سورية ولبنان والعراق وغيرها»
العدد 2324 - الخميس 15 يناير 2009م الموافق 18 محرم 1430هـ