العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ

السينـمـا الإسـرائيـليـة الجديدة: انفلات من أوهام الماضي... واستمرار السعي في فلك الصهيونية

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

تؤكد دراسة موثقة حصلت عليها «الوسط» ان السينما الاسرائيلية الجديدة - سينما التسعينات - قد تعرضت لانتقادات طاولت الرؤيا الصهيونية التي استحوذت على الافلام السينمائية، التي انتجت في «إسرائيل» في بدايات تبلورها، إذ كانت السينما المبكرة عبرية بالكامل، وركزت على اليهودي واستبعدت الآخر (الغرباء)، وصورت اليهودي المنفي او الناجي من المحرقة النازية، والرجل العربي والمرأة، كأشخاص على الهامش (شخصيات ظل كرست لتعريف وتفخيم الهوية العبرية الرجولية).

وقال نوريث غيرتس، في محاضرته في قسم السينما بجامعة تل ابيب، نشرتها فصلية «قضايا اسرائيلية» الصادرة في رام الله انه «طوال سنوات كثيرة، كانت صور اليهودية في نظر العالم الواقع خارجها صور هوية نسوية، سلبية، محصورة داخل اطار معايير الغيتو، وقد سعت الصهيونية التي تبنت هذه الصور الى بناء هوية معاكسة، رجولية، دينامية تسيطر على مساحات مفتوحة لا حدود لها (التماثل بين اليهودي والنسائي في الثقافة الغربية، يعود الى زمن بعيد، وقد جرى التطرق له وبحثه مرارا، احدى الحقائق المثيرة في هذا الصدد تتمثل في بحث دانتيل بوبارين، الذي تطرق ايضا الى المحاولة الصهيونية للتنصل من شخصية اليهودي الانثوي، صوغ شخصية تكون نقيضا للشخصية المذكورة، شخصية الرجل العبري»، وجسدت السينما العبرية الاسرائيلية هذه الهوية من خلال الصور والشخصيات السينمائية.

ويتابع غيرتس القول: السينما الاسرائيلية الجديدة في احسن احوالها لا تستبدل المجال والهوية الاسرائيليين في الافلام الاولى، بمجال وهوية اخرى، مختلفين، كما انها ترفض الرؤيا الصهيونية بمجملها وانما تخلق تطابقا ومزجا بين الهويات والمجالات المختلفة، بين المجال الصهيوني والرجولية العبرية التي طغت عليه في افلام السينما الاولى، المبكرة، والمجال اليهودي المنفوي الذي اعتبر مجالا نسويا، بين الرجولي، والنسوي بصورة عامة، بين «إسرائيل» وفضاءات العالم والمنفى (افلام مثل صيف ابيا لـ ايلي كوهين 8891)، عملية مزج او خلط هذه المجالات استندت الى التطابق الذي اقيم في الافلام بين الرؤيا الصهيونية والواقع الاسرائيلي، وبين الرؤيا - الدراما - الخيالية، والحالة فان ازمة الهوية الاسرائيلية ومحاولة اعادة صياغتها من جديد وربطها بالهويات التي اخمدت من قبل هذه الهوية الاسرائيلية ذاتها ومن ضمن ذلك اليهودي المنفوي والمرأة والعربي او الشرقي، تتجسد في هذه السينما من خلال عمليات دمج ومقاربات للمجالات والنواحي المشكلة فيها.

ويضيف غيرتس في تحليله لفترة التسعينات للسينما الاسرائيلية انه في فترة التسعينات اخذ جزء من افلام السينما الاسرائيلية يستخدم لغة ما بعد الحداثة، بغية تحطيم هويات ولغات ومجالات وتكتلات، ومن ضمن ذلك الهوية القومية واجماعات السينما الاسرائيلية السابقة، مثل افلام (شورو لـ جاي غابيزون 0991، او موسم الكرز لـ حاييم بوزاغلو 0991)، ففيلم (الحب الاخير) لـ لورا ادلر ليس من طراز افلام ما بعد الحداثة (0991)، لكنه يأخذ من هذا الطراز عدة عناصر، ومن بينها تشويش الفوارق بين عوالم تصور بانها مناقضة لبعضها البعض، كالواقع والمسرح، هناك وهنا، الاسرائيلي واليهودي، الذكري والانثوي.

ولا يتناول الفيلم بشكل صريح الايديولوجية الصهيونية، لكن الخلط الذي ظهر في المساحات التي يتحرك فيها كان خلطا في الهويات المشكلة او المصاغة فيه، وضمن ذلك الهوية الصهيونية واليهودية المنفوية، من المألوف اليوم التحدث عن تعدد الهويات والثقافات والتاريخ المرتبط بمجال واحد، فعوضا عن مجال متجانس يحتوي أمة واحدة، بات من المعترف به اليوم وجود تجمعات واجنحة مختلفة، وبدلا من رواية جامعة، مركزية وموحدة، نلحظ اليوم حصول نكوص وتراجع باتجاه هويات منفصلة تأبى الانصهار في بوتقة الامة المتجانسة، هذا المجال المفكك الجديد يوصف على انه مجال ما بعد الحداثة، فقد تنظيمه او اطاره المعروف والآمن، انه مجال او حيز تداعت فيه الفروقات والتباينات الواضحة بين عالم اول وعالم ثالث، بين جنوب وشمال، وبين الـ (أنا) و(الاخر) لتحل مكانها مفاهيم ترسي توليفات هويات في حراك دائم، في قوالب او ثقافات لا حدود لها، تتداخل فيما بينها، في هذا تختلط الطبقات والطوائف والمجموعات الاجتماعية، فيغدو التقسيم الفئوي غير واضح، وتبهت الفوارق الاجتماعية.

ويبين غيرتس، ان افلام الصهيونية الاولى، فصلت فصلا تاما بين مجال المنفى والمجال المحلي لأرض «إسرائيل» (فلسطين)، وفيما استبعد المنفى كليا، كان من المفروض بالمهاجر الجديد ان يكتسب في ارض «إسرائيل» سمات جديدة يتم تشكيلها ارتباطا بالمجال الجديد، في قسم كبير من الافلام التي انتجت في فترة الاربعينات والخمسينات، كانت (المحرقة النازية) عبارة عن خلاصة تلقائية لواقع المنفى، وكان من المفروض من البطل الناجي الذي قدم الى البلاد ان ينفض عن نفسه هذا الواقع بما ينطوي عليه من ذكريات أليمة، حتى يتمكن من ايجاد الموطىء والمستقر له في المجال المحلي في ارض «إسرائيل»، ليتحول الى اسرائيلي، عبري من ابناء البلاد.

في افلام مثل (بيت ابي) و(كرياه نأننا) و(المدنية الموالية)، و(اماه الارض) او (دمعة المواساة الكبرى) يرفض الناجون الذين وصلوا البلاد التأقلم فيها، فهم يحملون معهم ذكريات البيت والاسرة، او ذكريات هول المعسكرات، ويظهرون الخصال اليهودية السلبية، الانوثة والكسل والجبن، ولا يتيح لهم سوى اندماجهم في البلاد بمساعدة المجتمع والبيئة ومن خلال التعرف على جمال طبيعتها، تغيير خصالهم واطباعهم والتحول الى اناس فاعلين، مقاتلين او عمالا، من ابناء البلاد بكل معنى الكلمة.

فيلم (الحب الاخير) لملورا ادمر لا يتناول الكارثة، او الناجين منها الذين قدموا الى البلاد، لكن صدى الكارثة يتردد فيه من بدايته وحتى نهايته.

ان واقع المنفى - الشتات والكارثة في اوروبا - يلف حياة وكيان ممثلي مسرح الايديش الذين يعيشون في البلاد بما يشبه الفقاعة، ومع ذلك فان هذا الواقع يماثل دائما وابدا الواقع الاسرائيلي غير القائم في حبكة الفيلم، لكنه يطغى على الصورة ويملأ الشاشة بصور شوارع وطرق مدن ومناظر طبيعية، لكنها تصطبغ بالوان العالم الاوروبي لمسرح الايديش. ويقول الكاتب: السينما الاسرائيلية الحديثة تختار عالما نسائيا عوضا عن العالم الرجولي الذي طغى على السينما المبكرة

العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً