اعتاد أهل الدراز رؤيتها أمام المساجد تستجدي الداخلين والخارجين علها تجد من يتعطف عليها ويعطيها ما تسد به رمق جوع عيالها وتكسوهم. وكم وكم طردت من أمام المساجد... الكثير من المواقف قد تمحى من ذاكرة البشر، ولكن هذه الأم المكافحة رسمت في عقول أهالي المنطقة صورة الأم التي لا تغفو لها عين حتى ينام عيالها قريري الأعين.
أم أحمد هندية الجنسية، طلقها زوجها وترك على كاهلها ثلاثة أولاد وبنتا واحدة (...) النفقة حددت بمئة دينار، ولكنها لم تر فلسا واحدا منذ فارقها زوجها وتركها تعاني مرارة العيش مع أولادها الأربعة وتقاسي معهم صروف الحياة. أدخلتهم المدارس وكانت تأمل أن يصبح أولادها كبقية البشر، ولكن الأقدار خالفت ظنونها... أحمد الكبير تخرج في الثانوية وهو جليس الدار مع اخوته... أما يونس وجعفر فقد فصلتهما المدرسة بعد أن فشلا بسبب ضعف النظر لديهما... منذ الولادة كان هذا حالهما ومازالا يعانيان ويكادان أن يفقدا البصر كما تؤكد الوثائق التي تحملها أم أحمد...
«الوسط» التقت أم أحمد، التي تتحدث العربية بطلاقة تامة وتكاد تنسى أنها هندية الجنسية، وابنتها إذ أخذت أم أحمد تتحدث: «كنت أقف عند المساجد علَّ وعسى أن أجد ما يشبع أولادي، ومازلت على هذه الحال إلى يومنا هذا وأنا أعيش على مساعدة الأهالي»... وتواصل أم أحمد: «ولداي جعفر ويونس يعانيان من ضعف النظر منذ الولادة وقد فصلا من المدرسة لعدم قدرتهما على مواصلة الدراسة (...) لقد عرضتهما على أكثر من طبيب في البحرين وقالوا لي لا يوجد علاج لهما، وبعد أن فقدت الأمل في البحرين جمع لي أهل الخير بعضا من الأموال وسافرنا إلى الهند»...
أم أحمد ظنت أن المبلغ الذي حصلت عليه من أهل الخير وما «حوّشته» من هنا وهناك سيكفيها لعلاج ابنيها «لقد ذهبت إلى الهند وكنت أظن أن المبلغ الذي معي سيكفيني لعلاج ابني، وبعد أن عرضتهما على الأطباء أرجعوا لي الأمل بعودة النظر إليهما، ولكن بعد أن أجروا لهما العملية الأولى نفذت الأموال ولم أعد أملك أي شي»... جعفر ويونس يحتاجان إلى عمليتين وستكلف كل منهما ألفي دينار، أي ينقصني 4 آلاف دينار (...) كيف سأعالج ابني، لقد تركتهما في الهند ومازالا هناك ينتظرانني، آمل أن أحصل على مساعدة من أهل الخير، ولم أجد من أقصده سوى الله ثم صحيفة «الوسط» وأرجو من أهل الخير ومن المعنيين النظر في أمري، أبنائي بحرينيون وهم من أهل هذا البلد ومن حقهم أن يحصلوا على المساعدة كغيرهم من أبناء البلد».
أم أحمد التي قضت في البحرين ما يربو على العشرين عاما تأمل في أن تحصل على الجنسية ولكن «ذهبت مرات عدة لأحصل على الجنسية علني أحصل على عمل كمنظفة في المدارس أو أي مكان آخر إذ انني كلما ذهبت إلى مكان يقولون عني هندية ولست بحرينية وأولوية العمل للبحرينيين».
أجار الشقة ومصاريف الأولاد ومتطلبات الحياة، كل ذلك تناسته أم أحمد وجاءت مشيا لـ «الوسط» وكلها أمل في أن تحصل على مساعدة لولديها في الهند... «إن شاء الله نحصل على مبلغ من أهل الخير، ومعي أوراق المستشفى وكل الأوراق التي تثبت صحة ما أقوله» (...) «يونس وجعفر جليسا الدار، من المنزل إلى البقالة ومن البقالة إلى المنزل، كلاهما يخجل من الخروج وليس هناك سوى عدد قليل من الأولاد الذين يزورانهما بين الحين والآخر».
الجدران هي الخليل ليونس وجعفر، يونس يكاد يفقد نظره، أما جعفر فلا يكاد يفقد نظره فقط بل إنه يعاني من آلام في الظهر ولا يستطيع المشي إلا وهو محدودب الظهر... وأمهما التي ربت أولادها الأربعة في ظل ظروف صعبة لم تكن تطلب الكثير، إنها تطلب أن يعالج ابناها وأن تسكن في مكان كبقية البحرينيين، فإن كانت كما يعتبرها الجميع غير بحرينية فإن أبناءها بحرينيون، ومن حق البحريني أن يعيش كبقية البحرينيين.
العدد 387 - السبت 27 سبتمبر 2003م الموافق 01 شعبان 1424هـ