قبل أن يمر أسبوع على تشكيلها، تبدو الحكومة السورية الجديدة التي شكلها محمد ناجي عطري، وكأنها حكومة مختلفة عن سابقاتها، ففي أول اجتماع للحكومة برئاسة الرئيس بشار الأسد، تم رسم أولويات الحكومة الجديدة بالتركيز على ثلاث قضايا، هي نزاهة القضاء والإصلاح ومكافحة الفساد، عبر تأكيد الرئيس أهمية «تطوير القضاء» بما يؤدي إلى «إقامة العدل بين المواطنين» في اعتبار أن «القضاء النزيه هو أساس دولة القانون»، ومكافحة الفساد بطريقة «وقائية قبل أن تكون علاجية»، ومن خلال مطالبته أعضاء الحكومة التعرف على «طموحات المواطنين والعمل على تلبيتها من خلال اعتماد منهجية واضحة للعمل، وتحديد الأولويات بصورة عقلانية وتحديد نقاط القوة والضعف في الأداء لتحقيق اختراقات في مجالات معينة»، وتوجيه الحكومة نحو «تحسين الوضع المعيشي للمواطنين والاهتمام بالقطاعات الصناعية التي تعتمد على المواد الأولية المحلية، والتركيز على الصناعات التي تحقق القيمة المضافة».
ولاحظت أوساط سورية، أن توجيهات الرئيس بشار الأسد للحكومة الجديدة، تمثل خطا لعملها في المرحلة المقبلة، وهو خط يختلف بصورة ما عن المسار الذي اتخذته الحكومات السابقة، ليس فقط بسبب الظروف المحيطة بسورية، كما لاحظ الرئيس خلال ترأسه الحكومة الجديدة، بل بسبب المهمات التي تجد حكومة عطري نفسها أمامها، وكلاهما أمر كان له حضوره في الفترة السابقة لتشكيل الحكومة السورية بما رافقها من اختيار للرئيس عطري، وهو شخصية معروف عنها الاستقامة، ومشاورات أجراها الرئيس المكلف مع أوساط سياسية واجتماعية تمهيدا لتشكيل الحكومة.
وانعكست ظروف تشكيل الحكومة، وتحديد أولوياتها خلال اجتماعها مع الرئيس في الاجتماع الأول برئاسة رئيس الوزراء محمد ناجي عطري في وضع خطة زمنية لتنفيذ الإصلاح الإداري والاقتصادي في إطار برنامج، يشمل كل القطاعات، هدفه الرئيسي وضع سياسة عادلة وشاملة للرواتب والأجور والتعويضات، وتوفير فرص عمل جديدة، ومعالجة قضايا النمو السكاني بما يتناسب والنمو الاقتصادي، ومتابعة خطط وبرامج مكافحة الأمية، ودعم القطاعات الاقتصادية والخدماتية، ودعم القطاع العام، وتفعيل دور القطاع الخاص في عملية التنمية الشاملة»، والاهتمام بقضايا البيئة والسياحة وقضايا الشباب والسكن»، ودعم اقطاع الزراعي، والعمل على ايجاد الآليات المناسبة لمكافحة الفساد، وتعزيز مبدأ الرقابة العلاجية، والتدقيق في موضوع الاختيار وفق معايير موضوعية وأسس بعيدة عن العوامل الذاتية والشخصية من خلال المسابقات بهدف تحقيق تكافؤ الفرص، ووضع الانسان المناسب في المكان المناسب»، وهي الموضوعات التي سيتضمنها البيان الحكومي الذي ستقدمه الحكومة قريبا الى مجلس الشعب السوري.
ثم جاءت خطوة تالية لرئيس الحكومة الجديدة، وهي توزيع اختصاصات على وزراء الدولة الممثلين لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية المتحالفة مع حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، وهي مناصب كانت تغلب عليها التمثيلية، ما يعني تجاوز هذه الصفة، واعطاء وزراء الدولة مهاما تنفيذية مع صلاحيات واختصاصات كان يتولاها رئيس الوزراء نفسه، وهو ما يعكس تحولا في موقع الوزراء وعلاقاتهم مع رئيس الوزراء، وقد تبع ذلك اصدار رئيس الوزراء قرارا صرف بموجبه 61 موظفا يعملون في مؤسسات الدولة وبينهم معاون مدير الصناعة في حلب وموظفون في جمارك المنطقة الحرة في حلب من الخدمة لأسباب تمس بالنزاهة.
وكان بين الخطوات الجديدة للحكومة السورية، اعلان وزير الاعلام أحمد الحسن اجراءات جديدة هدفها تطوير الاعلام السوري منها تعيين ناطق باسم مجلس الوزراء، والتوجه نحو تعيين مراسلين محليين في مراكز صنع القرار في القصر الجمهوري ووزارة الخارجية، وكذلك التوجه نحو تشكيل رابطة للمراسلين الصحافيين في سورية بعد أربعة أعوام على فشل آخر محاولة في هذا الاتجاه.
ثمة مؤشرات عامة على أن الحكومة السورية الجديدة، يمكن أن تكون مختلفة عن سابقاتها، لكن الممارسة العملية، وما يمكن أن تقوم به حكومة محمد ناجي عطري من خطوات اجرائية، سيكون التعبير الحقيقي عن الاختلاف، وهو ما ينتظره السوريون، وينتظره المهتمون بمتابعة الأوضاع السورية.
العدد 386 - الجمعة 26 سبتمبر 2003م الموافق 30 رجب 1424هـ