في حديث مشوب بلوعة تحدث احد الاختصاصيين قبل عدة أيام عن الفرص التي خسرتها البحرين بينما استثمرتها دول اخرى فأصبحت لها الصدارة في الخدمات التي كانت البحرين تتصدرها. وهذا ما اعتقده شخصيا، ولكن مع بعض الاختلاف في النظرة الى المستقبل.
البحرين عانت كثيرا بسبب الحوادث السياسية فترة الثمانينات والتسعينات، ولكنها تخطت كثيرا من تلك المشكلات وبدأت بتعديل اوضاعها وتحسين ادائها بصورة اكثر شفافية من الماضي واكثر شفافية من الدول الاخرى التي سبقتنا أخيرا في عدد من المجالات. وهذا ما اكده احد مسئولي المصارف الدولية الكبرى الذي أكد ان لديهم عروضا من دول مجاورة، ولكنهم يفضلون البحرين لسببين رئيسيين: الاول هو وجود اختصاصيين من اهل البلد في مجالات العمل المصرفي وتقنية المعلومات، والثاني هو حسن ادارة مؤسسة نقد البحرين فيما يتعلق بالضوابط والرقابة ومكافحة الجرائم المالية.
نجاح البحرين في المحافظة على موقعها اعتمد اساسا على وجود مهارات محلية وانظمة متفوقة، وهذا ما يلزمنا الاحتفاظ به في كل المجالات. فالعاملون في مجال المال والاعمال من البحرينيين يحصلون على معاشات عالية توازي ما يحصل عليه المماثلون لهم في الدول الاوروبية، وهذا فخر للبحرين. والقطاع المصرفي متفوق ايضا في التدريب المستمر فمعهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية يمثل افضل ما لدينا من معاهد تدريب باشراف مشترك بين القطاع المصرفي ومؤسسة النقد. نجاحنا في الالمنيوم يعتمد على الاستخدام الحسن للطاقة، ولكن الاهم من ذلك المهارات المحلية التي استطاعت تطوير صناعات خفيفة ومتوسطة تعتمد على مواد الالمنيوم الاولية التي تنتجها «البا». هذان النجاحان يلخصان اهم عناصر قوتنا التي لايستطيع غيرنا الحصول عليها بسهولة. فجارتنا دبي لايمكنها ان تتفوق على البحرين في العامل البشري المحلي لانها تعتمد على وجود اناس ينتمون الى 441 جنسية يشكلون اكثر من 58 في المئة من القوى العاملة بينما تتركز القوى العاملة المحلية في الدوائر الرسمية.
اضافة الى ذلك فإن وجود 441 جنسية في بلد واحد لايرتبطون بثقافة مشتركة ليس امرا حميدا على المستوى البعيد. فتجربة اليابان ثم تجارب شرق آسيا وقبل ذلك أوروبا والولايات المتحدة تؤكد دور الثقافة الوطنية في التنمية الاقتصادية، وان هذه الثقافة بحاجة الى دافع ذاتي ناتج عن ترابط اجتماعي واتساق في العلاقات.
والحال المعكوسة لعدم وجود اتساق محلي - وطني تتطلب امورا معقدة وغير مضمونة على المستوى البعيد. فماذا لو قرر عدد من الشركات الكبرى النزوح لأي سبب كان؟ هذه الشركات تعطى الافضلية ولذلك فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة لايمكنها ان تنشأ وخصوصا مع غياب العنصر البشري المحلي فيها. ثم ان الاعمال التي تعتمد على جنسيات مختلفة قد تضطرها الظروف السياسية في يوم من الايام إلى تغيير نهجها من خلال المطالبة بـ «حقوق» أصبحت الآن معترفا بها في وثائق الامم المتحدة. قد يبدو هذا بعيدا لمن ليس لديه اطلاع على ما يدور في أروقة الامم المتحدة ولكن العارفين بالامر يرون ذلك قريبا وليس بعيدا.
وعلى هذا الاساس فإن ترتيب اوضاعنا الداخلية وتعزيز قدرات المواطنين في مختلف المجالات التنموية المهمة هو السبيل الافضل على المستوى البعيد، وهو ما يبدو أكثر اشراقا بالنسبة لنا في البحرين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 386 - الجمعة 26 سبتمبر 2003م الموافق 30 رجب 1424هـ