عوض الناخبون في ولاية بافاريا الأحد الماضي الهزيمة التي مني بها رئيس حكومة بافاريا إدموند شتويبر في الانتخابات التشريعية العامة قبل نحو عام حين خسر المنافسة على المستشارية أمام المستشار الاشتراكي غيرهارد شرودر، بمنح حزبه، الاتحاد الاجتماعي المسيحي، أعلى نتيجة في تاريخه وأيد 6,16 في المئة من الناخبين في ولاية بافاريا هذا الحزب فيما حصل منافسه الحزب الاشتراكي الديمقراطي على نسبة 81 في المئة من الأصوات. وهذه أسوأ نتيجة حصل عليها هذا الحزب. وقال المستشار شرودر في برلين إن سبب الهزيمة هو خوف الناخبين الألمان من التغييرات المقبلة عليهم نتيجة الإصلاحات التي تعمل حكومته الائتلافية في تنفيذها وخصوصا في مجال الضريبة والتشغيل والضمانات الاجتماعية. وأكد شرودر حرصه على المضي بتنفيذ هذه الإصلاحات وذلك على رغم الهزيمة المنكرة التي واجهها حزبه في انتخابات يوم الأحد الماضي في ولاية تعتبر معقلا للاتحاد الاجتماعي المسيحي.
منذ الإعلان عن النتيجة الكاسحة، وهي سابقة في تاريخ الأحزاب الكبيرة في ألمانيا الاتحادية يواصل شتويبر وشركاؤه في الاتحاد المسيحي الديمقراطي، هجومهم الكاسح على الائتلاف الاشتراكي - الأخضر الحاكم في برلين. وقال شتويبر إنه مأخوذ بهذه النتيجة التي لم يتوقعها وأوضح «أن هذا التأييد يعتبر رفضا قاطعا لسياسة حكومة شرودر». وفشل الحزب الديمقراطي الحر في دخول برلمان ولاية بافاريا لعدم حصوله على النسبة الكافية بينما حصل حزب الخضر على نسبة 8 في المئة وتأهل للبرلمان. وكان اسم شتويبر ورد بين أبرز الأسماء المطروحة لخلافة الرئيس الالماني يوهانيس راو حين تجري انتخابات الرئاسة بتاريخ 32 مايو/أيار المقبل. إلا أن السؤال الآن هل يرضى شتويبر بمنصب رئيس الجمهورية أم يرغب في منازلة شرودر والسعي للفوز بالمستشارية مرة ثانية؟
وقالت صحيفة «زود دويتشه» إن هذا الفوز يعتبر فوزا شخصيا لشتويبر الذي تدرج في صفوف الاتحاد الاجتماعي المسيحي وتعلم كثيرا من زعيم الحزب الراحل فرانز جوزف شتراوس. فحين رفضه الألمان في منصب المستشارية لأنه ينتمي للاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري وكثير من الألمان في الولايات الأخرى يجدون صعوبة في قبول بافاري في منصب المستشارية، ثم لأنه لم يعرب عن موقفه بوضوح تجاه حرب العراق. في المقابل فإن شرودر ينتمي لأسرة عادية في ولاية سكسونيا السفلى وفقد والده خلال الحرب العالمية الثانية واستغل بذكاء حساسية الألمان تجاه حرب العراق وعاند بوش ما ساعده بالفوز في الانتخابات التشريعية على رغم أن ثقة الألمان بقدرة شتويبر على تنشيط العجلة الاقتصادية أكبر من ثقتهم بشرودر.
وتشير تحليلات نتائج انتخابات بافاريا إلى أن الفوز الكبير لشتويبر تحقق بسبب رضا البافاريين على سياسات حكومة الولاية وخصوصا في مجال الاقتصاد وكذلك في مجال الأمن. فقبل وقت قصير على موعد انتخابات بافاريا ألقت شرطة ميونيخ القبض على مجموعة من النازيين الجدد الذين كانوا يخططون للقيام بأعمال عنف ضد مؤسسات يهودية وجوامع المسلمين واغتيال مجموعة من السياسيين. وقال شتويبر إن ولاية بافاريا سباقة في رعاية أمن الألمان وأن سلطات الأمن المختصة فيها حالت دون وقوع كارثة لو نفذ النازيون الجدد خططهم. لكن شتويبر استفاد أيضا من عدم رضا غالبية المواطنين الألمان على عمل حكومة المستشار الاشتراكي شرودر بسبب خشيتهم تحمل أعباء كبيرة نتيجة الإصلاحات والقوانين الجديدة التي تسعى حكومتهم لتشريعها. ولوحظ أن الناخبين الشباب في ولاية بافاريا أيدوا شتويبر بصورة واضحة وكذلك النساء وقال شتويبر: لم يعرفني الكثيرون جيدا حين نافست شرودر على المستشارية لكن غالبية الناس اصبحوا يعرفوني الآن كما يعرفون أن شرودر لم يحقق الوعود التي قطعها في الحملة الانتخابية.
وفي سياق تعليقه على الهزيمة التي تعرض لها منافسوه في الحزب الاشتراكي الديمقراطي قال شتويبر إنه يشعر بالقلق على مستقبل الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وتأتي هزيمة الاشتراكيين في بافاريا لتكون الهزيمة الثالثة لهم منذ بداية العام الجاري فقد خسر الاشتراكيون السلطة في ولاية سكسونيا السفلى ثم خسروا الانتخابات في ولاية هيسن ووجد الأمين العام للحزب الاشتراكي، شولتس صعوبة فائقة وهو يحاول ذكر الأسباب التي أدت إلى الهزيمة فيما المستشار يستغل زيارته لنيويورك للمشاركة في الدورة رقم 85 للجمعية العامة للأمم المتحدة كي ينسى همومه الداخلية وسيحاول غسل الهزيمة من خلال ظهوره على المسرح الدولي زعيما لألمانيا الموحدة التي تصبو إلى تحمل مسئوليات دولية والمشاركة في حل النزاعات الدولية. وقال شولتس «إنه يأسف للهزيمة التي مني بها حزبه في انتخابات بافاريا على رغم الجهد الكبير الذي قام به مرشح الحزب، فرانز ماغات».
والآن أصبح يتعين على الحكومة طلب مساعدة الاتحاد المسيحي المعارض لتمرير قراراتها في مجلس الولايات وفي السياق قال شولتس إنه ينبغي على الاتحاد المسيحي أن يتحمل مسئولياته تجاه البلاد.
وقال محللون «إن هزيمة الحزب الاشتراكي في انتخابات بافاريا ترجع إلى عدم مقدرة الحكومة الاتحادية في برلين على تسويق سياساتها في صفوف المواطنين والحصول على تأييدهم». وقال شولتس إن هذه النتيجة لن تسهم بأي حال من الأحوال في دفع الحكومة إلى التراجع عن خطط الإصلاح لأن ألمانيا بحاجة لهذه الإصلاحات وأن المسألة تتعلق بطريقة إيصال هذه الرسالة بوضوح إلى المواطنين. واعتاد الاشتراكيون في بافاريا أن يتعرضوا إلى هزائم أمام الاتحاد الاجتماعي المسيحي لكنهم كانوا يحصلون على نتيجة تزيد عن 03 في المئة.
غير أن حصولهم يوم الأحد الماضي على نتيجة 81 في المئة، يؤذن بما هو أسوأ. ويقول المحللون إن شرودر لم يعر أهمية كبيرة للحملة الانتخابية في ولاية بافاريا التي تنحدر منه زوجته الرابعة دوريس كوبف، إذ نادرا ما ظهر في الحملة وفي المقابل نادرا ما قام مرشح الاشتراكيين، ماغات، بزيارة برلين. ويكشف هذا أن شرودر كان بدوره يتوقع هزيمة حزبه لكن الصدمة في هذه الهزيمة أنها حلت بصورة كارثة على الاشتراكيين وأعادت الدماء لعروق الاتحاد المسيحي المعارض الذي يحلم بالفوز بمنصب الرئاسة وعينه على الفوز بمنصب المستشارية في العام 6002. لكن السؤال هل يرشح شتويبر نفسه ثانية أم يرتكب الاتحاد المسيحي خطأ مماثلا كالذي ارتكبه قبل أكثر من سنة حين نشأ خلاف بين شتويبر وزعيمة الاتحاد المسيحي الديمقراطي أنجيلا ميركل التي تحلم بأن تكون أول امرأة تحصل على المستشارية.
العدد 385 - الخميس 25 سبتمبر 2003م الموافق 29 رجب 1424هـ