على رغم ان تطورات صفقة تبادل الأسرى بين «حزب الله» و«إسرائيل»، شغلت الصحف العبرية، التي شغلها أيضا تقصي المعلومات عن العملية، وأبرزت رفض «إسرائيل» الموافقة على إطلاق أمين عام حركة «فتح» في الضفة الغربية مروان البرغوثي، هاجم غالبية المعلقين الإسرائيليين صفقة تبادل الأسرى مع الحزب واعتبروها مسا بالقيم الأساسية للجيش الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالإفراج عن الأسرى. لكن من الواضح ان ما شغل بال الصحف العبرية والمحللين الإسرائيليين كان المكانة التي سيتبوأها في العالم العربي وداخل فلسطين أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في حال إتمام الصفقة... لأن تضمين صفقة التبادل معتقلين غير لبنانيين سيعطي نصر الله مكانة أكبر خارج الحدود اللبنانية، بحسب ما رأت افتتاحية «هآرتس». وفي نظر بن كسبيت في «معاريف»، فإن صفقة التبادل هذه ستجعل نصر الله الزعيم العربي الأشد إثارة للإعجاب في المنطقة. لكن موقع «دبكا فايل» على الأنترنت أثار في تقرير جانبا آخر من الملف الذي يدور الجدل حوله داخل الدولة العبرية، إذ حاول الإضاءة على الخلفيات والظروف التي أدت، بحسب زعم الموقع الإسرائيلي، إلى استعجال الأمين العام لحزب الله البت بملف الأسرى، لأن نصر الله، لا بد أن يكون واعيا لحقيقة واضحة وهي «أن نهايته باتت وشيكة»، فأميركا تعمل على كفّ يد «سورية» عن لبنان وتعمل على «رجلين» هما رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ومن أسمته الرئيس السابق العماد ميشال عون. وبالتالي فإن أمين عام الحزب يعرف جيدا أنه أمام خيارين لا ثالث لهما. فإما أن يشن هجوما عنيفا على «إسرائيل» وهذا يشكل خرقا للتعليمات السورية والإيرانية. والثاني الركوب في العربة الأميركية. وفي حال قرر نصر الله، بحسب طبعا «خيال» الموقع الإسرائيلي على الأنترنت، فما عليه إلاّ أن يتخلص من قضية الأسرى الإسرائيليين التي تشكل عائقا كبيرا في وجهه! ومن هنا خطأت دبكا فايل، الصحف العبرية ووسائل الإعلام الإسرائيلية لأنها تركز على إظهار أن لنصر الله التأثير الأكبر على عملية تبادل الأسرى، والحقيقة هي ان الأوراق الرابحة باتت في يد «إسرائيل». متمنية لو ان القادة الإسرائيليين يجيدون الاستفادة من هذه الأوراق!
واعتبرت «هآرتس»، في افتتاحيتها أن السيد نصر الله، قد نجح في ما اسمته «مقامرة» تبادل الأسرى، فصفقة جديدة بينه وبين «إسرائيل» باتت وشيكة من غير أن تتضمن إدلاء «حزب الله» بمعلومات عن مصير الطيار الإسرائيلي رون آراد، بل ستلتزم «إسرائيل» بالإفراج ليس فقط عن معتقلين لبنانيين بل أيضا عن معتقلين فلسطينيين وأردنيين وآخرين. وشددت الصحيفة العبرية، على انه في حال صحّت كل تلك الأخبار فإن «إسرائيل»، على وشك إبرام صفقة «رهيبة» لأنها لا تتضمن الكشف عن مصير آراد بل تسليم «إسرائيل» مجرد جثث لجنود قتلوا منذ زمن. وإذ لفتت إلى ان نصر الله أعلن انه سيحاول اكتشاف ما حل بـ «آراد»، في الصفقة المقبلة، رأت الصحيفة العبرية انه من الأفضل له أن يسأل، أصدقاءه الإيرانيين عمّا حلّ بالطيار الإسرائيلي. وفي المقابل يجدر بـ «إسرائيل»، أن تحقق أمنية إيران، بالكشف عن مصير الإيرانيين الأربعة الذين اختفوا في لبنان في صيف عام 2891 وذلك من خلال سؤال أصدقائها (أي «إسرائيل») في التنظيمات اللبنانية التي كانت ناشطة في لبنان في ذلك الزمن، عمّا حل بالإيرانيين. على صعيد آخر، رأت «هآرتس»، ان تضمين صفقة التبادل معتقلين غير لبنانيين سيعطي نصر الله مكانة أكبر خارج الحدود اللبنانية. ولاحظ زئيف شيف في «هآرتس»، ان «حزب الله» نجح في تضخيم الشائعات التي نشرتها حركة «حماس» والمنظمات الأخرى بشأن الإفراج عن الأسرى على افتراض ان نشر هذه الأخبار سيؤدي إلى حصول تغيير في مواقف «إسرائيل».. لكن شيف اعتبر ان مجرد الاستعداد لبحث اقتراح الوسيط الألماني شمول الصفقة لأسرى فلسطينيين يعني ان ثمة تغييرا جوهريا في موقف الدولة العبرية.. ورأى ان الإفراج عن مصطفى الديراني يعني ان «إسرائيل» قد تنازلت عمليا عن آراد مما يشكل مسا بالقيم الأساسية للجيش الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالإفراج عن الأسرى..
وفي خبر افتتاحي، أكدت «هآرتس»، أن قائد سلاح الجو الإسرائيلي يعارض بشدة صفقة لتبادل الأسرى مع حزب الله لا تشمل رون آراد.. ولاحظت أن تفاصيل التبادل كانت ولا تزال غامضة إلاّ ان الأكيد في «إسرائيل» حتى الآن ان المطالبة بمعلومات عن آراد لن تكون عاملا أساسيا في الصفقة.. ولفتت أيضا إلى ان الحملة الدولية لجمع المعلومات عن مصير آراد قد علّقت بسبب صفقة التبادل المحتملة بين «إسرائيل» وحزب الله.. عائلة آراد قررت رفع دعوى أمام محكمة تل أبيب من أجل منع «إسرائيل» من الإفراج عن مصطفى الديراني في صفقة التبادل بين حزب الله «إسرائيل».
وفي مقالة تحت عنوان «لا نفهم سوى لغة القوة» رأى بن كسبيت في معاريف، ان أمين عام حزب الله حسن نصر الله كان على حق. فإيمانه المتقد بأن «إسرائيل» تخضع فقط تحت الضغط، وان تل أبيب لا تفهم سوى لغة القوة، يتجسد أمام ناظرينا.. وإذا كانت «إسرائيل» تنوي الإفراج عن مئات من المعتقلين الفلسطينيين، وجزء منهم «ملطخة أياديهم بالدماء»، إذا حدث ذلك، فإن نصر الله كان على حق طوال الطريق. وفي نظر كسبيت، فإن صفقة التبادل هذه ستجعل نصر الله الزعيم العربي الأشد إثارة للإعجاب في المنطقة. معتبرا ان نصر الله، جعل «إسرائيل» تجثو على ركبتيها، وهي كعادتها فعلت ذلك بحماسة غبية. وتساءل الكاتب العبري، ألم يكن من شأن الإفراج عن قسم من هؤلاء مساعدة لأبو مازن؟
وزعمت دبكا فايل من على موقعها على الإنترنت، ان «إسرائيل» تغلبت على «حزب الله» في ما يتعلق بملف الأسرى. وقالت دبكا فايل، ان أمين عام حزب الله حسن نصر الله خبير في اللعب بأعصاب الإسرائيليين عبر تقديمه عروضا بالكشف عن معلومات عن الأسرى، ثم تغيير رأيه. مؤكدة ان «إسرائيل»، تعتبر نصر الله مناورا كبيرا يحب إرباك «الصهاينة». لكنها لاحظت ان نصر الله، بث موجة أمل كبيرة عندما تحدث عن عملية تبادل الأسرى الإسرائيليين بأسرى فلسطينيين ولبنانيين. لافتة إلى ان نصر الله تحدث عن عملية تبادل حقيقية ولم يكتف بإعطاء بعض المعلومات المتفرقة. ونقلت دبكا فايل، عن مصادر استخباراتية خاصة بها، ان ثمة «ثورة سياسية كبيرة» في لبنان، قلّلت من قدرة من أسمته الحزب الشيعي «الإرهابي» على التفاوض وهذا ما دفعه إلى الإعراب عن استعداده للتقدم فعلا في قضية تبادل الأسرى. وأوضحت أن هذه الثورة تتمثل في حدثين رئيسيين: الأول هو سعي الولايات المتّحدة للتقليل من قدرة سوريا على التأثير في لبنان. وهنا أشارت دبكا فايل، إلى ان الشخصيتين اللتين يتم التركيز عليهما من قبل أميركا هما رئيس الوزراء رفيق الحريري ومن وصفته بالرئيس السابق ميشال عون. أما الحدث الثاني، فهو قرار قيادات الحوزة الشيعية في لبنان، وعلى رأسها القائد الروحي لحزب الله السيد محمد حسين فضل الله، مغادرة لبنان والانتقال إلى المدن الشيعية المقدسة في العراق، أي النجف وكربلاء. ونقلت دبكا فايل، تشديد المصادر عينها، على ان رجال الدين اللبنانيين يشعرون بلهفة شديدة لأن يكونوا جزء من «العملية الملحمية» التي تحدث بين الغالبية الشيعية العراقية والولايات المتّحدة من دون أن تعطي توضيحات إيجابية أو سلبية عن هذه العملية. وكل ما أوضحته المصادر أن لهذه العملية أهمية محورية في الحرب العالمية على «الإرهاب» وفي العلاقات الأميركية المستقبلية مع الإسلام. وأكدت المصادر ان رجال الدين الشيعة اللبنانيين متأكدون من ان العراق هو نقطة الارتكاز في هذه العملية المهمة ولذلك هم يريدون الذهاب إلى الأراضي العراقية حتى لا يبقوا على الهامش إلى جانب نصر الله ومن أسمتهم «جماعته الإرهابية». ورأت دبكا فايل، ان هذين الحدثين يهددان بترك «حزب الله» وحيدا من دون حماية سورية ومن دون أي عامود فقري روحي وهو العامود الذي سبق أن أعطى للحزب موقعا فريدا في العالم الشيعي. ورجحت أن يكون نصر الله، واعيا لحقيقة وا••حة وهي ان نهايته باتت وشيكة. وانه يعرف جيدا انه أمام خيارين لا ثالث لهما. الأول: هو شن هجوم عنيف على «إسرائيل» وهذا يشكل خرقا للتعليمات السورية والإيرانية. أما الخيار الثاني فهو الركوب في العربة الأميركية. وأوضحت دبكا فايل، انه في حال قرر نصر الله، اعتماد الخيار الثاني فعليه أن يتخلص من قضية الأسرى الإسرائيليين التي تشكل عائقا كبيرا في وجهه. وختمت دبكا فايل، بالقول انه فيما تركز وسائل الإعلام الإسرائيلية على إظهار ان لنصر الله التأثير الأكبر على عملية تبادل الأسرى، فإن الحقيقة هي ان الأوراق الرابحة باتت في يد «إسرائيل». وتمنت لو ان القادة الإسرائيليين يجيدون الاستفادة من هذه الأوراق.
العدد 385 - الخميس 25 سبتمبر 2003م الموافق 29 رجب 1424هـ