لقد فقدت بغداد في العقود الأخيرة كثيرا من معالمها وشواخصها العريقة، وظلت خاوية بعد أن هاجر الكثيرون من نخبها المثقفة أو جرى تهجيرهم حتى تشتت النسل العراقي في أرجاء مختلفة من العالم.
فلم يبق في بغداد اليوم إلا الأطراف المتخلفة تجول شوارعها مهللة لمنطق العنف، ليس هذا فحسب فبعد أن كانت بغداد مركزا حضاريا بدأت تتراجع فيها الأفكار والأخلاق إلى الوراء، وساد بدلا من ذلك التهريج والتهريب الى محاربة الفكر وغياب التسامح. الكثير من سيقرأ هذه السطور ستفتح شهيته لما وصل اليه حال بغداد وأهلها... تلك المدينة التي احتضنت نازك الملائكة وبلند الحيدري وبدر شاكر السياب ومعروف الرصافي وغيرهم من فطاحلة الشعر والأدب في العراق والعالم العربي.
فبغداد التي جمعت بين مسلم ومسيحي ويهودي وبين عربي وكردي وتركماني لا يعرفها النشء الجديد الذي شب على طعم الحصار سابقا ويشب اليوم على طعم الحروب والنزاعات مع احتلال مفروض في ظل شعوره المستمر بعدم الأمان... انه حاليا لا يجهل بغداد وتاريخها فقط، ولكن يبدو أنه حينما يكبر سيترعرع شبه أمّي، مشربا بعقلية العنف والبندقية والتحايل، مدفوعا بفعل الجوع والألم والحرمان... أي جيلا مشوها... معوقا...
قد يتباكى البغداديون على حالهم، ولكن لابد من عراق جديد يفتح بابا آخر لحصر التاريخ والثقافة من ضياع ظل يثقل كاهل هذه المدينة لسنوات فمن منا لا يتحسر على هذه المدينة التي غاب عنها الأمان، ومن منا لا يريد أن يغوص في قراءة تفاصيل هذه المدينة التي لابد أن تبقى لأجيال العراق شاهدا حيا لتاريخ ابنائها... وإذا نظرنا الى بغداد اليوم نراها بغداد الأميركان... بغداد الفوضى والصراع... و الحقيقة مؤلمة لكن علينا أن نتقبلها لأنها بدت مفروضة من دون نقاش.
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 385 - الخميس 25 سبتمبر 2003م الموافق 29 رجب 1424هـ