تعقيبا على مقال الصحافي غسان الشهابي في «الوسط» يوم الثلثاء (العدد 573) الموافق 61 سبتمبر/ أيلول 3002 وجاء تحت عنوان «التربية... الجامعة... المعهد الحلم البحريني من دون أقنعة طائفية» أفصح فيه الكاتب وللمرة الثانية كما أذكر عن ضيقه الشديد جراء طرحنا لقضية التمييز بكل أبعادها وانعكاساتها بدءا من السؤال الذي وجهناه إلى ممثل الحكومة في المجلس النيابي مستفسرين عن تحقيق المبدأ الدستوري المتعلق بالتعيينات وتكافؤ الفرص في الوظائف العامة، وما أعقب ذلك من ردود فعل تعاطت بقوة مع طرح هذه القضية المهمة والمصيرية من مواقع مختلفة ومتباينة ثم تعاطت بمثل ذلك الزخم مع ما طرحناه وبقية الأخوة من ملفات موثقة بالأرقام والأسماء لقضايا وحيثيات التمييز بشكله السافر والمبرمج بل أكاد أقول المدروس في مختلف أجهزة الدولة وذلك خلال الندوة التي أقامها نادي العروبة وشاركت فيها شخصيات وطنية وحقوقية إضافة إلى جهد متميز قام به مركز البحرين لحقوق الإنسان في توثيق وجمع المعلومات. حقيقة إنني أتفهم جيدا ما أراد أن يذهب إليه الشهابي ومراميه لا أشك في إخلاصه ووطنيته على الأقل من واقع حرصه باعتباره كاتبا له قراؤه ومريدوه لدى شرائح اجتماعية معينة بعد سنوات من العمل في المجال الصحافي.
لكنني لا أستطيع أن أفهم مضامين هجومه وبسطحية واضحة تمنيت مخلصا أن ينأى بنفسه عنها حيال قضية التمييز هذه التي اعترف بها هو بنفسه في مطلع مقاله حين قال: «لا يملك من له قلب سليم إلا أن يقف إزاء المطالبات بمنع التمييز وأهمية الشفافية في المؤسسات الرسمية، موقفا يتساوق مع ما تتمنى المملكة أن تصل إليه من قطع أشواط في هذا الموضوع المهم والمؤثر في المسيرة الديمقراطية». وهذا بالضبط ما طالبنا به ديوان الخدمة المدنية أن يقدمه لنا عبر ما طرحناه من سؤال واضح ومحدد في احدى جلسات مجلس النواب للوزير محمد المطوع، حين طالبناه بتقديم كشف موثق وحتى مختصر للتعيينات الوظيفية والإدارية فقط خلال السنوات الخمس الأخيرة وهذا ما ذهب إليه الشهابي حول الفترة الزمنية التي يتفق مبدئيا مضامينها. إلا أننا لم نتسلم حتى هذه اللحظة أي رد حول ما طرحنا ما يثير مخاوفنا في حقيقة الأرقام التي قدمت بل ويؤكد صدقيتها إن شـئت أن أصارحك القول. الحقيقة أن تسطيح الوعي الشعبي بالنسبة إلى قضية التمييز وغيرها وبالشكل الذي طرحه الأخ الشهابي والذي أجد انه يلتقي تماما مع الرد الشفوي الذي تلقيناه من الوزير في المجلس والذي اتهمنها فيه مشكورا بإثارة النعرات الطائفية هذه اللازمة التي طالما استخدمها كبار المسئولين المتنفذين في محاولة إخفاء عيوبهم وربما إفسادهم وفسادهم ويأتي صاحبنا الشهابي ليتقمصها. وبئس ما تقمص! وكل ذلك تعبير عن العجز على تقديم أدلة تدحض ما قدمناه من حقائق موثقة بالأدلة والبراهين والتي تمحورت جلها في التعيينات الإدارية والوظيفية سواء على مستويات مثل الوزراء أو الوكلاء والوكلاء المساعدين ومديري الدوائر والسفراء والقناصل وفي الوزارات المختلفة مثل الدفاع والداخلية والمالية والإعلام ومجالس إدارة الشركات والجامعة وجميع منافذ البحرين البرية والبحرية والجوية ومؤسسة النقد والكهرباء والصحة والتجارة وبقية الدوائر الرسمية والتي يخبرها غسان الشهابي جيدا ويعرف هيكلية معظمها أكثر مما أعرف شخصيا بحكم المهنة والمتابعات اليومية.
من وجهة نظري فإن الأمر لا يحتاج إلى تشنجات تأخذ طابع الفعل ورد الفعل كما هو لديك دائما وأنت تعرف قبل غيرك كم نحن بعيدون عن طرح الأمور والقضايا الوطنية بنفس طائفي كما اتهمتنا مشكورا ومأجورا وأنت من ينطبق عليهم تحديدا القول الكريم «قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون» (الزمر: 9) - صدق الله العظيم - إلا إذا أردت أن تلبس نظارات سوداء قاتمة وتسير في شوارع مهجورة ومظلمة لوحدك وتتنفس هواء المداخن الأسود وحاشاك من كل هذا فأنت أكبر من كل ذلك يا عزيزي، فقط أسألك أن تكون منصفا مع نفسك ومع الآخرين وأنا حقيقة لا أطمح أن أتطارح معك أو مع غيرك في قضية واضحة المعالم لا أحتاج إلى كثير عناء لكي أدلل فيها على ما أقول فلدي من المسئوليات والمهمات الكثير التي علي أن أسعى لإنجازها مع زملائي ومن أحب فيهم الاخلاص وحب الوطن وتأدية الأمانة على أكمل وجه وبحسب طاقاتنا وقدراتنا المتواضعة التي أرجو من الله عز وجل فيها العون ومن الناس المخلصين المؤازرة. والمسألة بالنسبة إلي شخصيا على الأقل لا تحتاج إلى تقديم أدلة وبراهين أكثر مما قدمنا وقدم الآخرون وعجزت أنت والمعنيون من أن تدحضها ولكن ذلك يحتم علينا أن نحكم ضمائرنا وأن نكون أمناء على الكلمة والمسئولية التي تعاهدنا أن تكون عنوان شرف وميثاق إنتماء لهذه الأرض وكل ما عليها دون فرز وتهميش وأنت تعرف جيدا أن التمييز هو أصل كل علة ومعضلة، فلولا التمييز لما كان التجنيس ولولا التمييز لما كانت البطالة بهذا الحجم. وقبل ذلك لولا التمييز لما كانت هناك انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان قدم فيها شعبنا قوافل عزيزة من الشهداء وفوقهم الكثير من المعطوبين في كرامتهم وإنسانيتهم وأنت تعلم أننا باعتبارنا شعبا متحابا اتجهنا سريعا للتعلق بالميثاق والدستور لأننا رأينا فيهما أملا واعدا لكي نعيش متحدين متحابين في وطن يتسع للجميع على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم المذهبية والسياسية والفكرية أيضا. وكما أوضحت في معرض ردي على الوزير في المجلس النيابي علينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول إن كل شيء على ما يرام فقط لأننا لا نريد أن نخسر مواقعنا ومكتسباتنا التي تعمد نظام الامتيازات الذي نحن بصدده في إعطائها لبعض من الذين لا يستحقونها وأخذها عنوة من بعض من يستحقها ومن الطائفتين لكي لا تذهب بعيدا أو يشطح بك الخيال لأننا نرى أن التمييز أضاع الكثير من جهودنا الوطنية وهمش الكثير من طاقات شعبنا سواء بحكم المذهبية البغيظة أو بحكم الرأي السياسي المختلف أو بحكم واقع النفوذ وكيفية التسلق على رقاب خلق الله. ونحن في طرحنا لهذه المسألة لا نريد فقط بأن نجأر بالشكوى وإنما نطالب بتطبيق نص دستوري ارتضيناه جميعا وارتضته معنا حكومتنا وملكنا المفدى.
ولتعلم يا أخي غسان أن طرحنا لقضية شائكة بحجم قضية التمييز لا يحتمل تسجيل المواقف أو تثبيت مواقع وكراسي لمجالس انتخابية أو حشو للدعايات الانتخابية لكي يعاد التصويت لنا كما ذكرت بلغة عاجزة ومسطحة، فكل هذا ليس مهما لنا بالمرة وخصوصا إذا علمت أننا لسنا فقط من ينادي بإلغاء جميع مظاهر التمييز وقد ذكرتها أنت في مقالك ولست أنا لوحدي ومنها كما قلت أنت تحديدا جمعيات حقوقية ومطالبون بالشفافية والكتاب والصحافيون والجمعيات المعنية والتي سميت أنت بعضها بالجمعيات ذات الرائحة الواحدة! وسميت معها الكتاب المنادين بإلغاء التمييز بكتاب الطائفة ولا أدري أين سيكون موقعك إذا بعد كل هذا يا أخي غسان!
وأرجوك أن تكون واثقا مع بقية المتشككين على قلتهم بأننا لا ننظر إلى مصلحة طائفة أو فئة ولا ننظر في هذا الأمر إلى مقدمة أنوفنا فقط ولكننا ننظر للمستقبل الذي هو فضاء أجيالنا اللاحقة التي ستحملنا مسئولية السكوت عن كل تلك الأخطاء في زمن عشناه وسنسأل بل وسنُدان أمام التاريخ ان نحن قصرنا أو أننا لم نؤدِ الأمانة في فضح وتعرية منغصاتنا الاجتماعية والتي من بينها التمييز، على طريق إيجاد حلول لها. لست أنت من يتهم أصحاب الرأي الحر والكملة الصادقة والمحبة لهذا الوطن بلبس قناع الطائفية ولست في موقع يسمح لي باتهامك بذلك فتلك لغة مشينة علينا ألا نقترب منها مهما اختلفت رؤانا وتباعدت لأن لنا مصلحة واحدة وواحدة فقط هي الوطن وأهله، ويكفيك أننا تصدينا وسنتصدى بكل ثبات لكل من يطرح تلك الشبهات وان عزيمتنا لن تنثني في الدفاع عن وحدة شعبنا أولا وعن مستقبل أجيالنا المقبلة ثانيا وسنسعى معكم في نشر مبادئ الحق والعدالة الاجتماعية فهي ديدننا بل نحن أصلب من أن نهزم في الدفاع عنها فهذا وطن الجميع وترابه أغلى من كل طائفة وأعز من كل فئة فلا مستقبل لطائفة بعينها في وطن لا يحترم فيه الإنسان ولأننا نحترم الإنسان فإننا نحترم خيارات هذا الإنسان وانتماءاته وبالتالي فنحن نحترم تلك الطوائف والأديان ورسالة السماء ونعتبر أنفسنا جنودا أشاوسا في الدفاع عن حرياتهم ومصالحهم على اعتبار أنها خيارات إنسانية ومجتمعية تقوم على احترام المبادئ وحب الخير والعدالة وسمو القيم وفضيلة الانتماء واحترام البشر. لابد أن نكون أمناء فيما نطرح وأنت تعلم كم تهمنا المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية فعلا لا قولا فقط وخصوصا إذا علمت وأظنك كذلك بأننا مدعومون في هذا من قبل تيارات وطنية وديمقراطية وشرائح اجتماعية واسعة تنبذ كل مماسرات التمييز، كما إنك تعلم بأننا لم نكن يوما دعاة منصب أو موقع أوجاه أو كرسي ولو كنا كذلك فهناك طرق سهلة ولا تحتاج منا إلى كل هذا العناء الذي تتعمده أقلام وجهات يختلط عندها الخاص بالعام وتنفر كثيرا من كلمة الحق التي ستبقى هي كلمتنا، فقط أتمنى ألا ترتمي فيما اتهمتنا فيه وأدعوك مخلصا لشيء من الهدوء والسكينة مع النفس عندما تحاول أن تقترب من الموضوعات والقضايا المصيرية والتي حاولت وأنت مرارا أن تصورها وكأنها فقط قضية نائب أو كاتب أو حقوقي وأنت تعلم أنها غير ذلك بكل تأكيد. ولتعلم يا أخي أننا لا نحتاج إلى كل ذلك لنكسب احترام الناس فنحن في الأصل نحترم ضمائرنا ونجعلها رقيبا على كل ما نقوم به أمام الله والناس.
ولكي أريحك من عناء الرد فإنني أضع نفسي أمام القضاء ومن الآن إن هم قدموا وبالدليل عكس ما ذهبت إليه من مظاهر تمييز كرست قانونا غير مكتوب اشتكى منه حتى الخبراء الأجانب عندما أستشيروا في كيفية التغلب على تراكمات وملفات وطننا الصغير حين قالوها صريحة - أي الخبراء «هناك قانون سيئ لديكم في البحرين وهو قانون غير مكتوب اسمه نظام الامتيازات عليكم بإلغائه فورا لكي يسير الوطن نحو الشمس وتحقيق العدالة الاجتماعية التي أكد عليها الدستور البحريني». وبصفتي أحد المدافعين وبتواضع عن وحدتنا الوطنية أقول لك وبصدق كفاك ابتعادا وتمترسا خلف مقارنات لا تخدم منهجيتك ككاتب عليه أن يتعالى فوق مسميات الطائفة والكرسي وتسجيل النقاط والضربات القاضية وأمامك مستقبل مهني لابد لك من الالتفات إليه والذي أعتقد جازما أنه رهن لنضج إنساني وبعد بصيرة واتساع أفق بعيدا عن الدفاع عن القضايا الخاسرة والتي لا تحتاج إلى كشافات حارقة طالما استخدمت في غياهب سجون أمن الدولة!
ليس مهما أن يكون خطابي هذا مريحا فأنت لم تكن كذلك بالنسبة إلي - على الأقل - وخصوصا إنك تعلم أننا سبق وأن أشدنا بكل الإيجابيات وبقضايا الشفافية التي نلمس تطورا مهما فيها سواء في توزيع البعثات أو في إرساء المناقصات وقد ذكرنا ذلك عبر صحيفتكم المتميزة وعبر الصحف الأخرى المحلية وحتى في ندوة جمعية الجامعيين التي سبقت البعثات بل وشكرنا المسئولين الذين برهنوا على عقلية جديدة في وزارة التربية وانتقدنا مسئولي الجامعة نقدا بناءا نرجو أن يستفيدوا منه وهذا هو نهجنا الصادق في مراجعة وحماية المكتسبات الوطنية.
أما إشارتك إلى كيفية توزيع البعثات في «معهد البحرين» فعلى رغم دلالتها التي حاولت أن تخفيها فإنني أشاطرك الرأي ذاته إن صدقت كل تلك الأمور بل وأعتبرها تراجعا ممقوتا على المسئولين في «معهد البحرين» ضرورة تقديم جواب شاف له ولعلمك فقط بأنني لم أكن موجودا في البحرين عندما طرحت بعثات المعهد ولم أتابع هذه القضية منذ البداية حتى أثرتها أنت مشكورا وسيكون لنا حديث حولها مع الأخوة في معهد البحرين بكل تأكيد، ولكنني أسألك تحديدا أين كنت وأين كان الآخرون فالوطن وقضاياه لا تتسع لحديث المناسبات وهي ليست حصرا على نائب أو نائبين للحديث حولها فالكل ومعهم المجتمع مسئولون مسئولية مباشرة إضافة إلى ذلك فإننا لا يجب أن نسعى لإدانة الأشخاص بقدر إدانتنا للسياسات الخاطئة وقد أوضحت أنت ذلك عندما ذكرت «أن الأمر مرتبط أساسا بجهات ضغط رسمية وشعبية لم تخل مواقفها من شبهة طائفية». فأين هو الخطأ إذا عندما ندين نحن وكل المخلصين تلك السياسات والتجاوزات!
وفي الختام أقولها وبإخلاص حبا في شخصكم الكريم كفاك جنوحا نحو الاتهام حينا ومحاولة ممارسة الاعتدال المفضوح أحيانا أخرى... فقط نريدك أن تكون محقا وصادقا وأمينا وقبل ذلك مفعما بروحك الوطنية التي لمسناها منك في أكثر من مرة، فنحن نحمل في خلايا دمنا حبا صادقا لهذا الوطن لا يمكن لأي كان أن يزايد عليه أو ينتقص منه فهذا الوطن هو وطن النخيل والرجال الأوفياء نريده خالدا ومتساميا بروح العدالة والمحبة الخالصة، وهو وطن البسطاء الذين هم أناسنا جميعا وأهلنا جميعا وشعبنا جميعا وبناة مستقبله جميعا من دون تنافر وضغائن كم أثبتت السنون أنها متعبة لنا كشعب ووطن محدود الموارد وتكمن قوته الحقيقية في تماسك شعبه ووحدته الوطنية ولن يتم ذلك من دون إلغاء جميع مظاهر التمييز وكل ما يسيء للعدالة الاجتماعية حفاظا على وئامنا الاجتماعي الذي أضحى سمة من سمات أهل البحرين الأوفياء. كما أنني أرى أننا جميعا مسئولون ليس كنواب فقط وانما كشعب وقيادة على تعزيز روح الوئام الوطني ورفض الانقسام ومظاهر التهميش والالغاء بما يعزز الثقة المتبادلة ويقودنا كشعب ووطن نحو وحدة حقيقية غير منقوصة لكي نشرع في بناء اللبنات الصالحة في جدار وحدتنا الوطنية بدلا من معاول الهدم فنحن يجب أن نسهم بجهودنا المتواضعة في بناء حضارة إنسانية تنطلق بنا نحو مواقع الريادة إقليميا وعربيا وأجدني غير مضطر لتذكيرك بأن كل أولئك الطيبين والبسطاء من أبناء شعبنا هم من هرعوا للتصويت على ميثاق عملنا الوطني متناسين كل تلك المفاسد التي جلبها التمييز وخيبات قانون أمن الدولة المقبور... مع خالص محبتي وإخلاصي
العدد 384 - الأربعاء 24 سبتمبر 2003م الموافق 28 رجب 1424هـ