«الكبير لا يحلم أحلاما صغيرة»، تلك عبارة جميلة وتنطبق حرفيا على الشعب البحريني. وأتعجب كثيرا عندما أسمع أن البحريني لا يقبل بالعمل. أتعجب من ذلك وأنا استعرض صورا مختلفة في ذاكرتي لأناسٍ قهروا الفقر والظروف يعملون ليلا في مطاعم وهم صغار ليدرسوا نهارا. فمن هؤلاء البحرينيين من هم الآن في دولٍ غربية عملوا أعمالا عادية في مطعم، بائع في مكتبة، بائع خضر وأكملوا دراستهم الجامعية وأصبحوا دكاترة ومن الدرجة العالية «سوبر ستار». فعلى رغم قساوة الغربة والحنين إلى الوطن وقساوة المعيشة فإنهم واصلوا ووصلوا.
بعض البحرينيين في الخارج تغربوا 02 عاما ويزيد، والآن يقومون بالتدريس في أفضل الجامعات الغربية، وهناك من ضاقت بهم الحال في الوطن فتلقفتهم معاهد وجامعات ومراكز علم غربية عندما علمت بمستواهم الأكاديمي فقدمت إليهم كل التسهيلات، بعضهم في استراليا والآخر في أميركا وآخر في السويد وبعض في بريطانيا وآخرون في الدنمارك وجميعهم من العيار الثقيل.
في الثانوية العامة كان أحد أقربائي هو وأخوه يعملان في السوق المركزي يجران عربة كي يحصلا على مالٍ لتوفير مستلزمات الحياة لإكمال الدراسة. ومع مرور السنين كلاهما أصبحا طبيبين.
ولي صديق كان يعمل مع أبي في بيع الخضر منذ نعومة أظفاره، وكنت أحيانا أذهب إلى زيارته في المنامة، يدرس صباحا ليبدأ عمله الشاق من الظهر إلى المغرب مع حرارة الشمس وقساوة العمل... الآن أصبح طبيبا ومميزا أيضا. وخير مثالٍ صديق لعائلتنا ومن قريتنا، فالزمن لم يسعفه لإكمال دراسته الإعدادية بيد أنه أراد كسر الزمن وكأنه يقرأ بيت الشاعر: «وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام»، فانكب على الدراسة وأكمل الإعدادية عبر نظام المنازل وكذلك الثانوية، حتى أكملها وانتسب إلى جامعة عربية فحصل على البكالوريوس ومن ثم أكمل الماجستير في جامعة البحرين، والآن هو في مرحلته الأخيرة للحصول على الدكتوراه. وهناك عشرات الحكايات تحكي طموح بحرينيين حفروا تجربتهم من الصخر.
أنا مقتنع أن البحريني لا يقل شأنا عن بقية الشعوب، فهو يبدع في ظل الفقر، فكيف لو توافرت له أجواء الراحة والطمأنينة والرعاية والاحتضان؟
هذه نقطة جديرة بالاهتمام يجب أن نقدمها إلى أبنائنا بألا يتنازلوا عن الدراسة الأكاديمية مهما كان حجم الظروف ولو اضطر الأبوان إلى الاقتراض، ويجب على كل عائلة أن تخصص موازنة خاصة لدراسة وتأهيل أبنائها فقط، فكم من طاقات أكلها الفقر فطويت في عالم النسيان؟ وقديما قال شاعرنا المتنبي: «إذا غامرت في شرف مروم، فلا تقنع بما دون النجوم». بعد ذلك لا يستطيع أحد أن يعيب على البحريني عدم الطموح أو الكفاءة أو الخبرة.
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 384 - الأربعاء 24 سبتمبر 2003م الموافق 28 رجب 1424هـ