الحديث عن إنشاء جمعية أهلية لمنطقة معينة في البحرين - تتحرك سياسيا لاحقا - سيزيد «الطين بلة»، فالعمل الوطني الحالي يتأطر حاليا بأطر تقليدية ويدعو كثيرون إلى الخروج منها. ولذلك فإن العمل السياسي الوطني العام لن يخدمه قيام جمعية أهلية «سياسية» لهذه المنطقة البحرينية أو تلك.
ففي مقال سابق تمت الإشارة إلى أن العمل المناطقي ليس ضارا، بل على العكس من ذلك، إذا كان هدفه العمل داخل المنطقة المعنية أو داخل الفئة المقصودة، وتمت الإشارة كذلك إلى الصناديق الخيرية باعتبارها مثالا ناجحا على العمل المناطقي. ولكن فلنتصور أن الصندوق الخيري لأحد أحياء المنامة مثلا قرر دخول العمل السياسي وترشيح ممثلين له في البرلمان. النتيجة هي دخول شخص أو شخصين (إذا نجحت الخطة) يتحدث عن منطقته فقط من دون اعتبار لبقية مناطق الوطن. وحتى لو ذكر مناطق الوطن الأخرى فإنها «تبع» و«ذيل» للاهتمام الأول.
وعلى هذا الأساس فإن المجتمعات تلجأ إلى العمل البلدي الذي يخص المناطق وتلجأ الى العمل البرلماني الذي يشمل كل الوطن. أما الدول التي تؤسس مناطق وبرلمانات خاصة بتلك المناطق بصلاحيات أكبر فهي أنظمة الحكم الفيدرالية (مثل أميركا وألمانيا) أو شبه الفيدرالية (أو الحكومة المركزية المخفضة على طريقة بريطانيا أخيرا). ففي بريطانيا يوجد «برلمان» لاسكتلندا أنشئ قبل عدة سنوات كما يوجد «مجلس وطني» لمقاطعة ويلز، وهاتان المؤسستان لديهما عدد من الصلاحيات الخاصة بمناطقهما. أما في بلجيكا، مثلا، فإن الشمال الذي يتحدث بلغة «فلاميش» له برلمان والجنوب الذي يتحدث الفرنسية له برلمان. والبرلمانان يجمعهما برلمان فيدرالي يوحد بينهما.
ولكن لا يوجد برلمان يتحول في داخله إلى مناطق معينة. ففي البرلمان الأوروبي، مثلا، تمنع التجمعات على أساس البلدان، إذ لا يوجد تجمع بريطاني وآخر ألماني وثالث فرنسي، وإلا انتهى معنى البرلمان. المسموح به في البرلمان الأوروبي هو التجمعات على أساس الاتجاه الفكري - السياسي، فنجد «تجمع الاشتراكيين» و«تجمع الخضر» و«تجمع المسيحيين الديمقراطيين»... إلخ. وهذه التجمعات تضم فيما بينها ممثلين لكل البلدان الأوروبية.
وعلى هذا الأساس، فإن إنشاء جمعية أهلية لمنطقة بحرينية معينة (المحرق، أو المنامة، أو الشمالية، أو الوسطى أو الجنوبية) وأن تسعى هذه الجمعية الأهلية إلى دخول البرلمان على أساس مناطقي يعني إلغاء فكرة البرلمان وإلغاء فكرة العمل السياسي الوطني العام.
إننا وفي الوقت الذي ندعو فيه الجمعيات السياسية الكبيرة وذات النفوذ الشعبي الواسع إلى أن تفتح أبوابها لجميع المواطنين من دون اعتبارات «غير معلنة» تفرض الانتماء لهذا المذهب أو تلك الفئة العرقية أو القبلية، نرفض كذلك إنشاء جمعية أهلية سياسية لمنطقة واحدة من مناطق البحرين. اللهم إلا إذا كان هدف تلك الجمعية الأهلية - قيد التأسيس - هو الدخول في العمل البلدي فقط، فهذا حقها. ولكن أن تدخل البرلمان باسم تلك المنطقة فإنها بذلك تشجع على نهج انفصالي في الهوية الوطنية، وهو ما نرفضه بصورة مبدئية.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 384 - الأربعاء 24 سبتمبر 2003م الموافق 28 رجب 1424هـ