العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ

521 عالما في البحرين لتقريب المسلمين

دعوات إلى الثقافة الوحدوية والتأني في «المناهج»

افتتح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الشئون الإسلامية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، أمس مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية والذي يشارك فيه حوالي 521 مشاركا من علماء ومفكري الأمة الإسلامية برعاية من جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة.

وتعاقبت كلمات عدد من أبرز المشاركين من بينها كلمة لشيخ الأزهر الشيخ محمد سيدطنطاوي، أشاد فيها بدعوة المملكة واستضافتها لهذا المؤتمر وقال: «البحرين مملكة لها حضارتها، تبني ولا تهدم، وتتعاون مع غيرها من أجل البر والتقوى».

كما ألقى الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية آية الله محمد علي التسخيري كلمة أكد فيها أن «التاريخ الإسلامي يحفل بعوامل الوحدة، فكلكم تعلمون الخلاف بين آل أمية وأهل البيت، ولكن عندما وردت الأنباء عن نية ملك الروم غزو بلاد المسلمين قال الإمام علي (ع): «والله لو فعلها بنو الأصفر لوضعت يدي في يد معاوية».

وهاجم التسخيري سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وذلك بحضور السفير الأميركي رونالد نيومان في البحرين والذي شارك في حفل الافتتاح أمس.

وعقدت مساء أمس جلستا عمل، إذ تحدث في الأولى جمع من المشاركين من بينهم شيخ الأزهر عن ضرورة الوحدة الإسلامية ومتطلبات تحقيقها، بينما تحدث المشاركون في الجلسة الثانية عن موضوع معالجة الآثار السلبية للفرقة والخلاف.

إلى ذلك وصف الداعية الإسلامي الشيخ القرضاوي في تصريح خاص بـ «الوسط» الدعوة إلى تجديد المناهج الدراسية في الوطن الإسلامي بأنها «كلام بعضه حق وبعضه باطل، وبعضه حق يراد به باطل». ودعا القرضاوي إلى نشر الثقافة الوحدوية بين المسلمين.

ومن جانبه، قال عالم الدين السعودي حسن الصفار: «ان تطوير المناهج هو مطلب قديم للعلماء والمشايخ السعوديين». وأكد الصفار أن «الشيعة في المملكة العربية السعودية لديهم الفرصة لممارسة شعائرهم الدينية ولديهم مساجدهم وحسينياتهم الخاصة بهم التي يؤدون فيها شعائرهم بحرية».


افتتاح مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية

دعوات إلى الوحدة وتطبيق ما يُتّفق عليه في المؤتمر

المنامة - حسين خلف

افتتح أمس نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الشئون الإسلامية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية والذي يشارك فيه 521 مشاركا من علماء ومفكري الأمة الإسلامية.

ابتدأ الافتتاح بتلاوة مباركة من القرآن الكريم، وألقى بعدها وزير الشئون الإسلامية كلمة قال فيها: «البحرين منذ فجر الإسلام كانت ومازالت تشارك أمتها آلامها وآمالها، وهي اليوم تتوج مسيرتها المباركة في ظل الإسلام في هذه اللحظة الحرجة والحوادث المتلاحقة التي تمر بأمتنا والعالم بأسره لتحددوا معالم طريق الخلاص من موروث النزاعات والخلافات التي أثقلت كاهلها وشتتت مقدراتها، وتستنهضوا الهمم عالية لتشييد بناء الأمة الواحدة».

واضاف «أيها الاخوة لنبتعد عن الإتيان بكل ما يؤثر في وحدتنا واجتماعنا، ولنكن متحدين أمام من أراد بنا شرا ولنعمل جميعا يدا واحدة في عمل جاد في مجال التطور الواعي والإعمار في يقظة وحزم من جهة وحماية الاستقرار من جهة أخرى».

وتلت كلمة وزير العدل كلمة شيخ الأزهر الشيخ محمد سيدطنطاوي أشاد فيها بدعوة المملكة واستضافتها لهذا المؤتمر، وقال: «إن البحرين عندما دعت إلى هذا المؤتمر إنما قصدت جمع المسلمين وتوحيد كلمتهم، ونحن في زمن انتشرت فيه الفتن. والفتن عندما تنتشر تحتاج من العلماء إلى أن يتجمعوا لكي يقولوا كلمة الحق، ويقولوا للناس ما يجب عليهم نحو ربهم ونحو أمتهم»، وأضاف «والبحرين مملكة لها حضارتها، تبني ولا تهدم، وتتعاون مع غيرها من أجل البر والتقوى».

كما ألقى الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية آية الله الشيخ التسخيري كلمة أكد فيها أن «التاريخ الإسلامي يحفل بعوامل الوحدة فكلكم تعلمون الخلاف بين آل أمية وأهل البيت، ولكن عندما وردت الأنباء عن نية ملك الروم غزو بلاد المسلمين قال الإمام علي (ع): والله لو فعلها بنو الأصفر لوضعت يدي في يد معاوية، وكذلك نرى دعاء الإمام زين العابدين (ع) لأهل الثغور مع ان أهل الثغور هم من جنود بني أمية، وايضا نجد آخر مقال للمرحوم الندوي أرسله إلى المؤتمر الإسلامي قال فيه لو كتبنا هذه الآية على قلوبنا بماء الذهب لما كان كثيرا «والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»(الانفال:37)، أي إلا تفعلوا (بعضكم أولياء بعض).

وتساءل «أين استراتيجيتنا قبال الأمركة، واقولها بكل إخلاص، نحن في مجمع التقريب بين المذاهب جعلنا مهمتنا أن نعيد العلاقات بين أبناء المذاهب، ليت علاقتنا كما كانت علاقة أئمة المذاهب ببعضهم، فالمذهبية كانت غنى لهذه الأمة، ولكننا بتحويلنا هذه المذهبية إلى طائفية بغيضة قتلنا هذا الغنى».

وهاجم التسخيري موقف الولايات المتحدة تجاه إيران، واتهامها بالسعي إلى تملك الأسلحة النووية، واتهام السعودية كذلك وترك الكيان الصهيوني الذي يعلن أنه يمتلك 002 رأس نووي.

كما ألقى الأمين العام بالوكالة لمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية السيدعبدالصاحب الخوئي كلمة أشار فيها إلى أن المرحوم السيدعبدالمجيد الخوئي كان هو صاحب اقتراح إقامة مؤتمر التقريب بين المذاهب، ودعا الخوئي إلى تعزيز المشتركات ونبذ القطيعة، وأكد الخوئي ضرورة ألا يخرج المؤتمر فقط بتوصيات، وقال: «علينا طرح الشعارات الواقعية في جلسات المؤتمر». واقترح الخوئي طرح شعار توحيد مشاعر المسلمين ومواقفهم في القضايا المصيرية.

كما ألقى المفتى العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ عكرمة سعيد صبري كلمة في الافتتاح دعا فيها إلى متابعة العلماء للتوصيات التي سيخرج بها المؤتمر، وأكد أن «المسجدالأقصى في خطر حقيقي، ولابد للحكومات والشعوب أن تقول كلمتها».

وألقى كل من مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي، ووزيرالارشاد والاوقاف السوداني عصام احمد البشير، والامين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد بن ناصر العبودي، والأمين العام لمؤتمر العالم الإسلامي حامد بن أحمد الرفاعي، والسيدجواد الخوئي نيابة عن المرجع الديني الشيخ بشير النجفي كلمات اكدوا فيها اهمية وحدة الامة. وعقدت أمس جلستا نقاش خلال المساء تحدث فيها عدد من المشاركين .


الشيخ الصفار: الشيعة يؤدون شعائرهم في السعودية

نفى الشيخ حسن الصفار وهو أحد علماء الطائفة الشيعية في المملكة العربية السعودية «أن يكون تغيير وتطوير المناهج الدينية في المملكة العربية السعودية هو مطلب أميركي» وقال الصفار «إن تطوير المناهج هو مطلب قديم للعلماء والمشايخ السعوديين». وكان الصفار يرد على أسئلة الصحافيين على هامش مؤتمر التقريب بين المذاهب الذي بدأ أعماله أمس عن الغاء باب في أحد المناهج يتعلق بـ «البراء من الكفار» .

وعن منع وضع صناديق التبرعات الخيرية في المساجد قال الصفار «إن هذا القانون شامل وطبق على جميع المساجد» وأضاف «انه أمر جيد، ان كانت هذه الأموال تذهب الى الأعمال الخيرية، أما اذا كانت هذه الأموال تذهب الى الجهاد المتطرف فنحن لسنا معه».

كذلك أكد الصفار كونه شيعيا على أن الشيعة في المملكة العربية السعودية لديهم الفرصة لممارسة شعائرهم الدينية ولديهم مساجدهم وحسينياتهم الخاصة بهم التي يؤدون فيها شعائرهم بحرية.


القرضاوي: لابد أن نرسخ مفاهيم تقريبية بدل التنافر

قال الداعية الإسلامي المعروف الشيخ يوسف القرضاوي في لقاء قصير جمعه بـ «الوسط» إننا «لابد ان نرسخ مفاهيم تقريبية ووحدوية في نفوس الاجيال القادمة بدل تعليمهم الكراهية».

وأضاف «فلنتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه، ونتحاور فيما اختلفنا فيه».

وعن الدعوة إلى تجديد مناهج التعليم في البلاد العربية والإسلامية وخصوصا بعض الدول أكد القرضاوي أن «هذا الكلام بعضه باطل وبعضه حق، وبعضه الآخر كلمة حق يراد بها باطل، فلا شك في ان مناهجنا التعليمية بصفة عامة تحتاج إلى مراجعة وهذا أمر مشروع، فأية دولة وأية مؤسسة لابد أن تراجع نفسها، وحتى وزارات التربية والتعليم تراجع مناهجها بين فترة وأخرى لترى هل ان هذه المناهج أنتجت أم لا، وما السبب ان لم تكن تنتج، واين موضوعات الخلل فيها حتى تتلافاها، ولكن لا تكون هذه المراجعة ضغوط أو أوامر آتية من السيد الفلاني أو الدولة الفلانية، لابد أن نراجع أنفسنا بأنفسنا لان هذا يجعل منا ذيلا للآخرين وقد خلقنا الله رأسا، لابد أن نراجع وفق معاييرنا وأهدافنا ووفق مبادئنا وليس وقف ما يريده الآخرون».

وعن سبب عدم نجاح الدعوات السابقة للتقريب بين المذاهب اشار القرضاوي إلى ان «دعوات ا لتقريب كانت منحصرة في ذلك الوقت في فئة خاصة من العلماء وكان الذي يقوم به أهل السنة ولم يكن للشيعة دور إلا من قبل الشيخ تقي الدين القمي (كان مدعوما من قبل المرجع الديني انذاك السيد حسين البروجردي) والآن أصبح الطرفان يحاولان ان يخطيا خطوات في هذا المجال سواء من الشيعة أم من السنة، وهذا الأمر نراه في القاهرة وفي طهران وفي المغرب وفي البحرين فنرجو ان يكون هذا الأمر ايجابيا».


الجفري: نأمل أن يكون للمؤتمر تميز يناسب خطاب المرحلة

الشيخ علي زين العابدين الجفري من حضرموت (اليمن) وهو إمام دين ينتمي إلى المذهب الشافعي قال: «من المؤمل أن يكون لهذا المؤتمر تميز يناسب خطاب المرحلة الذي يوصل الناس إلى الأصل الذي يصل بين المذاهب الاسلامية، وأن يلم شمل المسلمين طلبا لرضوان الله تعالى».

وأشار الجفري الذي يحاضر في دار المصطفى في اليمن إلى أن هدف نشاطاته هو احياء العلم والفكر الدعوي والتربية السلوكية القائمة على تزكية النفس، معتبرا وجود علماء «اليمن» في المؤتمر «امتدادا للدور الذي كانت تقوم به حضرموت لنشر الإسلام المتزن والذي كان من ثمراته دخول الاسلام الى دول شرق آسيا».


الرفاعي: أقترح انبثاق أمانة عامة عن المؤتمر

عبدالجبار الرفاعي باحث اسلامي ورئيس تحرير مجلة «قضايا اسلامية معاصرة» الفصلية أكد لـ «الوسط» أن «إقامة مثل هذا المؤتمر ضرورة ملحة خصوصا وأن المشاركين ينتمون لأطياف ومذاهب اسلامية متنوعة».

وأضاف: «توقيت المؤتمر جيد، واتمنى أن يتكرر هذا المؤتمر ومن الممكن أن تنبثق عنه أمانة عامة تضم علماء ومفكري ومثقفي العالم الاسلامي، وأن تكون للمؤتمر دورية عامة ترسخ ثقافة الحوار وقبول الآخر، وتحاول التأكيد على المشتركات بين المسلمين، وأن تدرس المشتركات بين المذاهب دراسة علمية، كما أنه من الممكن أن تنبثق عن الأمانة العامة لجان ترصد دراسة المناهج الاسلامية في العالم الاسلامي، وترصد الألغام الطائفية في هذه المناهج».


رئيس جامعة الأزهر: الذين يشغلهم الخلاف يهدرون حياتهم

عرضت خلال جلستي النقاش أمس الكثير من أوراق العمل كان من بينها ورقة لنائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان الشيخ عبدالأمير قبلان والتي قال فيها: «عندما نلقي نظرة على مفهوم الوحدة فإن ذلك يستدعي منا التركيز على مهمات الخطاب الإسلامي سواء الآن أو في المستقبل الذي يأتي دوره في الكشف عن الأوهام ويقدم للمسلمين الحقائق ويحثهم على طريق الوحدة والاتحاد وهذا يحتاج إلى الاهتمام بالوعي الثقافي، وإعادة النظر في كثير من الظواهر السلبية التي يجمع عليها المختصون والمهتمون بالشأن العام، وينبغي أن تتم معالجة هذه القضايا بأسلوب علمي موضوعي، إذ يبدو من جميع المعطيات المتوافرة، أن العالم العربي والإسلامي لن يتمكن من بلورة مشروعه الحضاري إلا بخلق مجتمع جديد يتجاوز فيه كل الرواسب والموروثات السيئة التي علقت بالواقع العربي والإسلامي من جراء مشروعات الاستبداد والإقصاء والتهميش، ومع التحديات الكبرى التي تواجه العالمين العربي والإسلامي، فإن الأمة والشعوب العربية والإسلامية، بحاجة إلى إحداث تحول نوعي وتاريخي في مسيرتها، حتى يتسنى لها الاستجابة الفعالة لهذه التحديات والاحتفاظ بالتالي بوحدتها المادية والمعنوية والتحول إلى مراكز نشطة للانتاج الحضاري وعلى العكس حينما تفقد السيطرة على مصيرها وتحكم على نفسها بالدخول على رغم أنها في مسار خطير يختلط فيه التفكك المتواصل مع الفوضى السياسية والتبعية الاقتصادية والانقسام الوطني والسقوط المعنوي، وفي هذا السياق فإنه لا خيار لواقعنا العربي والإسلامي، إلا بالانخراط في مشروع التقدم، وتوفير متطلباته الذاتية والموضوعية، من مرجعية إسلامية حضارية وجهد إنساني متواصل، ووعي تاريخي عميق وإدراك بمتطلبات اللحظة التاريخية وهذا التقدم هو دائما وليد قوى اجتماعية تاريخية، تأخذ على عاتقها البناء وتذليل الصعاب وتجسيد الطموحات والتطلعات، ولا ريب في القول إن المشروع الصهيوني في المنطقة مازال خطره متعاظما وهو يزداد خطرا بفعل هذا التوغل العسكري والاعتداءات اليومية المتكررة على الشعب الفلسطيني، وهذا ما يجعلنا دائما متنبهين لخطر هذا المشروع الصهيوني على المنطقة العربية والإسلامية بأسرها، ولابد من أن نخطو خطوات نوعية وعملية في المقابل لسد الثغرات في الداخل العربي والإسلامي، وتمتين الجبهة الداخلية ولا ننسى أن هناك فجوة بين الدولة والمجتمع في عالمنا العربي والإسلامي، وهذا ما يسهم في اختراق العالمين العربي والإسلامي على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والحضارية ويفاقم أزمات الواقع، فالحاجة ماسة اليوم إلى ضرورة التسوية التاريخية بين الدولة والمجتمع.

المراجعة الدائمة في خطابنا الإسلامي

وأضاف: «لقد أثبت خطابنا الإسلامي بل ومن المطلوب منه أن يثبت دائما أن له قدرة جبارة على المواجهة والتشكل والمعالجة والمعاصرة، بمعنى إمكان أن يطرح نفسه في مقابل ما هو مطروح من خطابات، منافسا ومهاجما ومتحديا بثقة، فعلاقة الإسلام بالعالم تتحد اليوم بطريقة شديدة التشابك والتفاعل، وليس هناك رؤية للعالم إلا والإسلام حاضر فيها، ولن يستطيع الخطاب الإسلامي أن ينهض بهذه الأدوار إذا كان دور العقل معطلا وفاعلية الاجتهاد ناقصة، ومادام المشروع الحضاري بهذه الأبعاد، فالوحدة المناسبة له يجب أن تكون وحدة تنسيق وتكامل، توفر الجو المناسب للاختلاف والتنوع، وتعدد الاجتهادات، وهي عوامل حيوية بالنسبة إلى الإبداع والتجديد اللذين يمثلان أساس أية نهضة، لذلك يجب على المجتمعات الإسلامية أن ترتكز على التخصص حتى يسهم كل مجتمع من زاويته بتعاون وتنسيق مع كل مكونات الساحة الإسلامية من مؤسسات، علماء، مفكرين، متخصصين وتقنيين وغيرهم، في بناء الأرضية الحضارية التي ستحتضن الحاضر والمستقبل».

وعن معالجة الآثار السلبية للفرقة والخلاف أكد قبلان: «إن المشروع الإسلامي متعدد الأبعاد وهو بحاجة دائمة إلى وحدة وتنسيق وتكامل وعليه واجبات عدة تربوية وتعليمية وإعلامية، لأن الوحدة التكاملية والتنسيقية تشكل مأمنا ضد الإجهاز على بناء العمل الإسلامي بحيث إذا ما تعرض جانب من جوانبه للمحاصرة فإنه سيؤدي إلى ضرب كل الجوانب الأخرى، وحتى يكون خطابنا الإسلامي المعاصر مختلفا عن مراحل سابقة له لابد أن ينتقل من إطلاق المصطلحات إلى تحديدها حتى يمكنه العودة إلى مفاهيمها ودلالاتها غير الملتبسة الأمر الذي يخلق قاعدة فهم وتفاهم مشتركة يمكن الانطلاق منها على مساحات عطاء أوسع ومساحات لقاء أرحب، ولابد أيضا في الإطار نفسه من الانتقال من الإطلاق والتعميم في الأحكام إلى التخصيص، والانطلاق أيضا من الانفعال والتعصب إلى العقلانية العلمية، فعندما تطرح فكرة على الآخر عليك أن تترك الحرية لأن ينقده وأن يعترض عليه ويحاججه، من دون أن تعتبر ما لديك الحقيقة المطلقة التي لا جدال فيها، ولا مجال لمناقشتها، فإنك تكون قد أغلقت أبواب العقل والرأي الآخر والحوار والاجتهاد وتصحيح المفاهيم المتوارثة والمغلوطة والدخيلة.

ومن وسائل نبذ الفرقة والخلاف، الانتقال من تكفير الآخر وتضليله والبحث عن نقاط إثارة الحساسيات التاريخية، ومواطن الاختلاف والتصادم إلى البحث عن الكلمة السواء «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون» (آل عمران: 46)، فلابد لخطابنا الإسلامي وهو يبحث عن مستقبله أن يوفر أرضية مشتركة للحوار والتفاهم وأن يكون خطابنا صورة عنا وعن عاصرنا، والانتقال من الأطر المذهبية الضيقة إلى الساحات الإسلامية الواسعة، فعلى خطابنا الإسلامي أن يكون خطابا موضوعيا، موثقا بالوثائق والأدلة ومستندا إلى الحقائق الدامغة التي لا لبس فيها ولا تشوبها شائبة، وهذه الانتقالات لن تتحقق إلا بالدخول في مراجعات تجعل من هذا الخطاب متجددا في مفاهيمه ومعارفه وطرقه ومناهجه مع التركيز على أولويات هذا الخطاب في ظل ما يشهده العالم العربي والإسلامي من تحولات وتغيرات كبيرة الأثر».

وقال رئيس جامعة الأزهر أحمد عمر هاشم إن: «الخلافات أكبر تحد وأخطر معول هدام يقضي على هذه الأمة، ومن أجل ذلك نرى الاستعمار قبل أن يغادر بعض الدول التي تحررت ترك حدودا مصطنعة وترك حدودا تمثل تنازعا واختلافا بين الدول حتى لا تتحد الأمة وحتى تظل في خلافات سياسية ودولية فيما بينما.

وإلى جانب الاختلاف على الحدود، راح أعداؤنا يضخون الخلافات الفقهية التي جرت بين العلماء في بعض المسائل الفرعية، ففي جو الخلاف تضعف الأمة، ويتغلب عليها عدوها وبهذه الخلافات في الأمور الدينية استطاعوا أن يحدثوا شروخا بين فصائل الشباب المسلم ولا شيء أقسى وأخطر من الاختلاف في الدين، إنه اختلاف يتهدد دنيا الإنسان بالأخطار، ويتهدد آخرته كذلك، ولذلك اعتبره القرآن خروجا عن حظيرة الإسلام «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون» (الأنعام: 951).

وأضاف: «والذين يشغلهم الخلاف يهدرون حياتهم من دون طائل، ويضيعون أعمارهم من غاير فائدة ومن بين تلك التحديات ما ينهض به أعداء هذه الأمة من محاولة حصرها في موقف المدافع، لا في موقع المنطلق لنشر دعوته، المهاجم بها لكل الأباطيل، وبهذا المخطط الخبيث بث أعداؤنا كثيرا من الشبهات التي لا تقع تحت حصر ليجعلوا المسلمين في موقف المدافع عنها وليشغلوهم بها.

فانتشرت دعاوى وشبهات حول المرأة في الإسلام، وشبهات أخرى حول تعدد الزوجات، وحول الطلاق، وادعاء انتشار الإسلام بالسيف أو بالقوة وكلها شبهات زائفة ولا أساس لها من الصحة، وتعاليم الإسلام ذاتها تحمل الحكم التشريعية العليا، والأسرار الإلهية التي تحمل سعادة البشر وتحمل العدالة والحق والخير في كل تشريع إلهي محكم... وليس معنى هذا ألا نرد على تلك الشبهات، بل المراد أن نرد عليها بالقيام بنشر الإسلام وإبراز فضائله ومحاسنه وتشريعاته السمحة التي كانت من أهم الأسباب في نشر الاسلام واعتناق الكثيرين له عن اقتناع ومحبة.

وهناك تحديات كثيرة عسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية وصحية وثقافية... وتتمثل التحديات العسكرية في الاستعمار وغزوه لكثير من البلاد والدول والأقليات الإسلامية.

وتظهر التحديات السياسية في محاولة نشر المنظمات السياسية التي تفرق الأمة في تناحر وخلافات لا تنتهي. وتظهر التحديات الاجتماعية، في نشر التعامل في المجتمع بتلك التقاليد الوافدة في الأسرة وفي البيئة وفي الزي وفي غير ذلك من المجالات الاجتماعية. وتتضح التحديات الاقتصادية في نشر التعامل بالربا ومحاولة تسميته بغير اسمه، ومحاولة استدانة الدول الإسلامية ووقوعها غريقة بالديون التي تضيع معها هيبتها، ويهتز معها قرارها».

وذكر هاشم عدة نقاط لتحقيق الوحدة بين المسلمين من أهمها العقيدة السليمة والتمسك بالكتاب والسنة، ودعا إلى إقامة سوق إسلامية مشتركة.

ونحن نعتقد أن ما جرى من تعد خلال تاريخنا الطويل ناشئ من عدم الالتزام بقواعد الحوار المطلوبة، ونسيان حقيقة أن جميع المذاهب تعمل لإعلاء كلمة الإسلام وفق تصورها عن هذه الكلمة.

ومن جهته أكد الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الشيخ محمد علي التسخيري أن «العبء الأكبر من العملية يقع على عاتق العلماء والمفكرين في مجال التقريب، وذلك لأنهم من جهة ورثة الأنبياء وحملة الدعوة وبناة الجيل، وهم من جهة أخرى أعلم بالأسس التي يعتمدها التقريب وأكثر أثرا في توحيد الصفوف وتحقيق خصائص الأمة». وأضاف: «وإذا أردنا أن نشرح باختصار الأدوار التي يجب أن يقوموا بها اقترحنا الآتي:

1- ضرورة التعمق في أسس هذه الحركة وقيمها، وتأصيلها في نفوسهم وعكسها في بحوثهم ودراساتهم وكتاباتهم، بل وأخذها في الاعتبار في استنباطاتهم الفقهية والفكرية وملاحظتها كأصل توجيهي ومصلحة مرسلة مهمة تقدم في مجال التزاحم على الأحكام الأقل أهمية بمقتضى قواعد التزاحم المعروفة في أصول الفقه.

وتابع: «وهنا لابد أن أشير إلى كثير من الكتابات المغرقة في تعميق الخلاف واعطائه أبعادا متخيلة توحي للقارئ بأن اللقاء مستحيل، وأن الخلاف يستشري في كل المجالات بحيث لا معنى لتصور أية عملية تقريب بينها. وإني لأظن أنها كتابات تجافي الحقيقة وتتناسى وحدة المنابع ووحدة الأساليب والملكات ووحدة الهدف.

2- العمل المنسق على توعية الأمة والانتقال بقافلة التقريب إلى المستوى الجماهيري فلا يشعر الفرد المسلم تجاه الآخر إلا بشعور الأخوة الصادقة والتعاون على رغم الاختلاف المذهبي، وتتسع الصدور للممارسات والتعددية المذهبية، وتنتفي المشاحنات العاطفية والترسبات التاريخية والموروثة التي خلفت وراءها صورا لا تطاق دونما مبرر، فالاختلاف في حكم شرعي، والتفاوت في تقويم موقف تاريخي، والافتراق في سلوك اجتماعي، كلها أمور يمكن تبريرها وتحملها مادامت في الدائرة الإسلامية العامة وناتجة من الاختلاف في الاجتهاد.

3- السعي المشترك لاتخاذ المواقف الوحدوية في كل القضايا المصيرية من قبيل تطبيق الشريعة الإسلامية، وتحقيق نظام السيادة الشعبية في الإطار الديني، ومواجهة العدو وخططه في محو وجود الأمة وهويتها، وصيانة وحدة الأمة ونبذ التفرقة، إضافة إلى تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة.

العدد 380 - السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً