يشهد الاسبوع الجاري حركة دبلوماسية دولية لاعادة النقاش بشأن أزمة العراق بعد ان وصل الاحتلال الى نقطة التوازن؛ فهو غير قادر على التراجع عن الخطأ (اصل البلاء) وغير قادر في الآن نفسه على تطوير ادوات السيطرة. الاحتلال حتى الآن لم يفشل كليا حتى ينسحب من العراق ولكنه ايضا لم ينجح كليا في تطبيع الشعب مع المعادلة التي انتجتها المعركة العسكرية.
الاسبوع الجاري اذا سيشهد حركة دبلوماسية كبرى، قد تسفر عن عقد صفقة دولية تبدأ بالقمة الثلاثية الالمانية، الفرنسية والبريطانية في برلين وتنتهي في الامم المتحدة لبحث امكانات تعديل القرار الدولي المزمع طرحه على مجلس الامن. الصفقة تنوي اتخاذ خطوات مناسبة لا تكسر معنويات القوات المحتلة وفي الآن ذاته تعطي بعض الدور لدول الضد التي اعترضت اصلا على الحرب لأن الجهات المعنية لم تتوصل الى تقديم ادلة دامغة تبرر قيامها.
بعد قمة برلين سيبدأ مجلس الامن مداولاته لتعديل او اضافة بعض الفقرات على قرار جديد يفتح الطريق امام احتمالات تدويل الازمة العراقية من دون تعطيل الدور الخاص للقوات الاميركية في معالجة التداعيات الناجمة عن الفوضى والانهيار العام للدولة العراقية.
القرار الاخير الذي صدر عن مجلس الامن بشأن العراق يحمل الرقم 0051 وتضمنت فقراته اشارات سريعة إلى ما آل اليه الوضع في بلاد الرافدين واعطاء بعض الدور للامم المتحدة لتلعب دورها الخاص (وغير المستقل) عن مظلة الاحتلال. كذلك تضمن ما يشبه اخذ العلم بالاحتلال من دون الاعتراف بشرعيته وما يشبه الاعتراف بدور مجلس الحكم الانتقالي من دون ان يأخذ الاعتراف الشامل من قبل المنظمة الدولية. فالقرار 0051 يغلفه الغموض؛ فهو ينص على تسوية قلقة تتأرجح بين ميل مجلس الأمن للاعتراف مع تحفظات وبين رفض المجلس لشرعية الاحتلال مع استعداد ضمني للتعاون لانقاذ ما يمكن انقاذه.
بعد القرار 0051 حصلت مجموعة تطورات خطيرة على المستويات الامنية والسياسية والدبلوماسية.
أمنيا ارتفعت وتيرة المقاومة ضد الاحتلال ودخلت سلسلة اطراف مشبوهة على خط التوتر ووجهت ضربات غير مفهومة للسفارة الاردنية ومقر الامم المتحدة في بغداد وحصول محاولات شتى لاغتيال المراجع الدينية كان ابرزها التفجير الذي اودى بحياة رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية السيدمحمد باقر الحكيم.
سياسيا نجح الاحتلال في تشكيل رديف لمجلس الحكم الانتقالي تمثل في تأليف حكومة عراقية موسعة اعتمدت التوزيع الطائفي والمذهبي والمناطقي والاقوامي (اكراد، تركمان، عرب... الخ) للمقاعد والحصص في وقت اتجهت جامعة الدول العربية نحو اتخاذ خطوات وصفت بالمرنة واظهرت استعدادها للاعتراف بالحكومة المؤقتة شرط ان تسارع في ضبط الفوضى وتأمين الخدمات وتشكيل حكومة ديمقراطية منتخبة مباشرة من الشعب ومن دون تدخلات او املاءات من قوات الاحتلال.
دبلوماسيا تبدو الامور الدولية متجهة نحو توقيع صفقة اوروبية - اميركية تستبعد عنها جزئيا روسيا والصين، وتعتمد سياسة الخطوات الثلاث: الأولى، تتراجع واشنطن عن مواقفها المتسلطة في العراق وتفسح المجال امام مشاركة فعلية لاوروبا تحت راية الامم المتحدة. والثانية، تظهر باريس وبرلين بعض الليونة في الملفين الفلسطيني والايراني حتى تستطيع ادارة البيت الابيض توظيف نتائج الحرب على العراق بالمزيد من الضغوط على ياسر عرفات في رام الله، وموسكو بشأن دورها الخاص في البرنامج النووي الذي تريد طهران انجازه في اسرع وقت. والخطوة الثالثة، هي محصلة عامة تكون خلاصة للخطوتين الاولى والثانية ويرجح ان تبدي واشنطن بعض التنازلات في الملف العراقي مقابل ان تقدم برلين وباريس (وموسكو من بعيد) بعض التسهيلات بشأن فلسطين (ابعاد عرفات، خريطة الطريق، دعم شارون) وتداعياتها اللبنانية - السورية (حزب الله وقانون محاسبة سورية) واخيرا محاولة عزل ايران عن دائرة «الشرق الأوسط» من خلال ممارسة المزيد من الضغط عليها في موضوع البرنامج النووي.
المسألة معقدة (ثلاثية الخطوات) ونجاحها يرتبط إلى حد بعيد بالصفقة التي يمكن ان تعقدها بريطانيا (نيابة عن اميركا) مع ألمانيا وفرنسا في برلين... ومدى استعداد روسيا للتجاوب مع اوروبا واميركا (واسرائيل من بعيد) في كسر المشروع الايراني واحتواء نفوذ طهران في العراق و«الشرق الأوسط».
إنها صفقة كبيرة وهي أشبه بعقد دولي جديد تريد واشنطن التوصل اليه قبل ان يتفرغ الرئيس جورج بوش إلى معركة تجديد رئاسته مرة ثانية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 379 - الجمعة 19 سبتمبر 2003م الموافق 23 رجب 1424هـ