إن اتهام الجماعات الإسلامية بأنهم متطرفون وأنهم إرهابيون كما تنعتهم الولايات المتحدة وأوروبا بتحريض من «إسرائيل» أمر غير واقعي وغير منطقي.
إن الإسلام منذ أن جاء على يد نبي هذه الأمة (ص) خفف من رغبة العرب الذين كانوا في الجاهلية يتقاتلون عشرات السنين من أجل ناقة، واستطاع الإسلام حقيقة أن يخلق من هؤلاء القساة جماعات تؤمن بالسلام والمحبة وتجنبهم إراقة الدماء حتى في حروبهم إذ كان ينصحهم بتعاليم لو طبقتها الإدارة الأميركية اليوم لما احتاجت إلى أن تعيش هي وشعبها ومعهم الأوروبيون في هذا الهلع والرعب الذي أغرقوا أنفسهم في بحره دونما مبرر.
الدين الإسلامي يؤمن بالسلام حتى في وقت الحرب إذ يطالب أمته من خلال دستوره العظيم (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) «البقرة: 491»، أي لا تتجاوزا بينما شارون يقوم باستخدام طائرات الأباتشي الأميركية والـ إف 61 ودبابات الميركافا الإسرائيلية في قتال عناصر عُزّل يدافعون عن أرضهم ومنازلهم وزرعهم وزيتونهم بالحجارة وبأجسادهم.
وحين بلغ بهم القهر أوجه صاروا يقومون بعمليات استشهادية لأن التجاوز الإسرائيلي فاق كل الحدود وكل التصورات.
إن التطرف أمر ليس متأصلا في أي دين أو عقيدة أو طائفة فهو مرتبط بزمن وبأسباب معينة، فالماركسيون الذين كان شعارهم الحمام والسلام خرج فيهم طاغية مثل ستالين الذي قتل الملايين بل قتل الآلاف من رفاقه وفرض السخرة على ملايين العمال والفلاحين لبناء الكثير من المنشآت.
لماذا ألقى الأميركان قنابل ذرية على مدنيين في مدينتي هيروشيما ونجازاكي وقتلوا مئات الآلاف من الآمنين؟ أليس ذلك إرهابا؟
ألم يقتل الفرنسيون أكثر من مليون مواطن جزائري وهم، يدافعون عن حرية أرضهم؟ واليابانيون كم قتلوا من الصينيين عندما استعمروهم، ألم يكن ذلك إرهابا؟
إذن الإرهاب ليس وصفة متأصلة في أناس دون غيرهم لكن الظروف والمرحلة هي التي تخلق ما يسمى بالإرهاب، فجماعة بن لادن إن فعلوا حقيقة حوادث 11 سبتمبر/أيلول فقد جاء ذلك انتقاما من دولة استغلتهم في حربها ضد السوفيات وانقلبت عليهم، ثم حاربتهم بشتى أشكال القوة حتى القنابل العنقودية المحرمة فجاء ذلك الفعل ردا على الفعل الأميركي.
يقول نعوم شومسكي في مقال له في العدد 64 من مجلة «الطليعة الفصلية» التي يصدرها الحزب الشيوعي السوري (ما هو الإرهاب)؟ تحدد الكراسات العسكرية الأميركية الإرهاب على انه استخدام مدروس للعنف والتهديد بالعنف والتخويف والإكراه لأغراض سياسية أو دينية، والمشكلة في هذا التعريف أنه يطاول في شكل دقيق تقريبا ما سمته الولايات المتحدة حربا خافتة وتبنيها هذا النوع من الممارسة في كل حال).
ويضيف شومسكي: (عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول 8791 قرارا ضد الإرهاب، امتنعت عن التصويت دولة واحدة هي هندوراس، فيما اعترضت عليه دولتان هما الولايات المتحدة و«إسرائيل»، لماذا اعترضتا؟ اعترضتا بسبب مقطع من القرار يشير إلى أنه (ليس المقصود به إعادة النظر في حق الشعوب في الكفاح ضد نظام استعماري أو ضد احتلال عسكري).
إذن حكاية الإرهاب طويلة عند الولايات المتحدة و«إسرائيل» وهما اللتان اعترضتا على قرار الأمم المتحدة لمقاومة الإرهاب.
ألم يكن مشروعا مشرفا محسوبا ضمن بطولات شعوب أوروبا عندما قامت فرنسا وبريطانيا وغيرهما من الدول الأوروبية التي قاومت الاحتلال الألماني؟ ألم يشارك كل شرفاء العالم في الحرب الأهلية ضد نظام فرانكو فسطروا بمداد من نور مقاوماتهم ولمعت أسماء لكتاب وأدباء وشعراء انضموا إلى المقاومة مثل الشاعر الاسباني (لوركا) فلماذا الشعب الفلسطيني الذي يقاوم المحتل الظالم الذي يذبح المئات كل يوم على أرضه في حسابات أوروبا يعتبر عنفا؟ فبدل أن يحاسبوا ذلك الجزار شارون وحكومته يجمدون حسابات (حماس) في مصارفهم.
لماذا حلال على الغرب مقاومة المحتل الألماني وحرام على العرب والمسلمين مقاومة المحتل الإسرائيلي؟
الكاتب عبدالرحمن عثمان خليل في مقال له تحت عنوان «الجذور العنصرية للحركة الصهيونية» يقول: «تميز العصر الحديث بوجود الكثير من الأنظمة الاستبدادية كالنظام النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا والتمييز العنصري في جنوب إفريقيا، هذه الأنظمة التي مارست التمييز والتفرقة العنصرية وقسمت البشرية على أساس العرق إلى نوعين، النوع الأول يمتاز بالتفوق وله الحق في الحياة، أما النوع الثاني فهو أقل شأنا ولا يستحق الحياة والبقاء وذلك على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس، ولكن وقائع الحياة أثبتت بأن الحركة الصهيونية هي الأكثر استبدادا من النازية والفاشية والتمييز العنصري وبأنها من أشد وألد أعداء البشرية» لذلك وكما قال غازي حسين «إن سياسة التمييز العنصري والتفوق العنصري والفصل العنصري والتعصب العنصري، هذه المفاهيم الأربعة التي يحرمها الميثاق الدولي تتوافر في الايديولوجية الصهيونية العنصرية».
أبعد هذا يحق للأميركان والأوروبيين أن يتهموا الإسلاميين في الأراضي الفلسطينية وهم يقاومون المحتل بالإرهابيين؟
يقول المفكر الإسلامي التونسي راشد الغنوشي «إن دعوة الإسلام إلى الجهاد لا تعني دعوته إلى العنف، فالجهاد في الإسلام أشكال متعددة تتناسب والظروف الموضوعية التي يفرضها واقع الحال، فهناك جهاد بالكلمة وليس أدل على ذلك حين اعتبر من أعلى مراتب الجهاد (كلمة حق عند سلطان جائر)».
ولهذا فإن المظاهرات والاحتجاجات والمواجهة مع مختلف الأنظمة العربية بحسب هذا التقييم هي أعمال جهادية لأن قوانين الأمن والطوارئ الظالمة واعتقال الناشطين السياسيين وزجهم في السجون وهم يدافعون عن المال العام عمل جهادي لأنهم بذلك يدافعون عن حقوقهم المشروعة التي منحهم الله وسرقتها الأنظمة منهم.
أما بالنسبة إلى حل هذه المعضلة التي دفعت الإسلاميين للجوء إلى الخروج من الحل بالكلمة إلى الحل بالمقاومة والعنف فقد اتفق كثير من الكتاب والمفكرين على نقاط محددة تأتي في مقدمتها تحسين أوضاع الناس وإعطاؤهم حقوقهم المشروعة في الحرية والديمقراطية.
يقول الناشط والمفكر السعودي تركي الحمد «إنه يمكن وضع حد للعنف من خلال العمل على خطين متوازيين هما أن تقوم الولايات المتحدة بإعادة النظر في أسلوبها والبحث عن طرح متعقل يخفف من هذا التطرف في مواجهة الإسلاميين ومن جهة أخرى على الأنظمة العربية أن تعيد للمواطن حقوقه المسلوبة في حياة كريمة ووضع يَشْعُر فيه المواطن باحترام إنسانيته وتحسين أوضاعه الحالية المزرية».
أما الكاتب المغربي يوسف باوري فقد طرح حلولا هي في الحقيقة تتناسب مع الوضع الراهن في كل أرجاء الوطن العربي والإسلامي مع إسقاطه ما يجري من عنف في بلاده فقد طرح في مقال له تحت عنوان «التطرف الراهن وخلفيات الإسلام السياسي في المغرب» الأسباب لنتعرف على الحل من خلالها:
السياسات الاقتصادية المتبعة التي أضرت بأوضاع الطبقات الدنيا وأجحفت حقوقهم في التعليم وتوفير السكن والخدمات الصحية وهيأت من ثم لظهور طبقة من المرابين والمنتفعين سواء بالانفتاح الاقتصادي على أوروبا أو بالموارد الوطنية وعلى خلفية المصالح. التيه السياسي الذي يعيشه المجتمع في ضوء ضعف الشعور بالمواطنة والمسئولية أمام الجماعة وانعدام ما يحفز على المشاركة في العمل السياسي.
تدمير النسيج الثقافي وخلق وعي زائف واقتراع قضايا هامشية لإلغاء التحديث وحماية التقليد العتيق بدعوى المحافظة على الشخصية ومكونات الهوية.
عدم استعادة الفرضيات الكبرى التي ربطت المد الأصولي وانفلات جماعات في البلدان العربية بطبيعة البنية الذهنية وثقافتها التقليدية وانكسار النموذج القومي وفشله في مشروع الإصلاح ووقوع الدولة في تبعية شاملة للسياسات المفروضة عليها من الخارج.
إن من الواضح أن الأنظمة العربية كادت تتفق في تحطيم الشخصية العربية بمحاصرتها في كل الاتجاهات اقتصاديا وثقافيا وسياسيا ما دفعه إلى الأعمال الجهادية مع أول باب تم فتحه رسميا له وبتشجيع أميركي للتوجه إلى أفغانستان هروبا من واقعه الحالي المر إلى آفاق الجنة الأرحب التي منِّي بها المسلمون في حال استشهادهم ثم الانتكاسة التي حدثت عندما ارتد الأميركان عليهم وحاربتهم أنظمتهم على اعتبار أنهم عناصر خطرة لا يجب أن تعود أو يكون لهم مكان في هذا المجتمع الذي خرجوا منه هم وأسرهم ما فرض عليهم أمام هذه الأبواب الموصدة في وجوههم أن يلجأوا إلى العنف من منطلق (عليّ وعلى أعدائي)، إن الحل الحقيقي لهذا المأزق هو فتح القيادات العربية والإسلامية ذراعيها لاحتضانهم وتوظيفهم في مواقع العمل التي تتناسب مع مؤهلاتهم باعتبارهم مواطنين من دون إشعارهم بأنهم مراقبون وبشر غير عاديين، وعلى الولايات المتحدة وأوروبا أن تعيد النظر فيما تفعله من ممارسات مجحفة تجاه هؤلاء وإلا فلن يستريح الأوروبيون ولا الأميركان لأن عددهم أكبر من أن تتم محاصرتهم، والذي يسعى إلى الموت لا يخيفه التهديد، فهل بعد الموت ما هو موت أكبر؟ وخير دواء لإنهاء الإرهاب هو ما أقترحه المفكر السعودي تركي الحمد
العدد 378 - الخميس 18 سبتمبر 2003م الموافق 22 رجب 1424هـ